في أعقاب الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في السادس من شباط/فبراير الماضي، والذي تزامن مع وقت حساس ومهم للغاية، من حيث اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية، كان يُعتقد أن موعد هذه الانتخابات سيؤجل. ولكن ذلك لم يحدث، وقُرر بمرسوم رسمي إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بموعدها المحدد في 14 مايو/أيار المقبل، وبالتالي فهذا أمر واختبار صعب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

فمن جهة، ثمة استقطاب سياسي ومجتمعي حاد يرافقه عدد من المتغيرات الجيوسياسية العالمية وأزمات تضخم اقتصادي ليست بعيدة عن تركيا، بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية التركية نتيجة تداعيات الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا مؤخرا. ومن ناحية أخرى، ولزيادة حجم المواجهة أمام أردوغان في الانتخابات المقبلة، فقد تحالف 6 أحزاب معارضة، بما في ذلك حزبان رئيسيان. وبالفعل، وفقا لاستطلاعات الرأي، فإن تحالف المعارضة التركي، الذي رشّح كمال كليجدار أوغلو لمواجهة أردوغان، لديه فرص كبيرة للفوز في الانتخابات، في حال حافظ على ثباته طيلة الأسابيع المقبلة، التي تسبق اقتراب موعد الانتخابات.

رغم صعوبة التكهن بنتائج الانتخابات التركية المقبلة بين أردوغان وكليجدار أوغلو، لكن يمكن طرح بعض التساؤلات حول التحديات التي تواجه استمرارية التماسك، وعدم دخول تحالف المعارضة في أي خلافات أو صدامات قبل إجراء الانتخابات، فضلا عن فرص وعوامل نجاح تحالف المعارضة أمام أردوغان، والعوامل التي يمكن أن تقلل من فرص كليجدار أوغلو بالفوز، من أجل التوصل إلى نتائج تبدو منطقية، بحسب الظروف والمعطيات الحالية التي تسبق الانتخابات القريبة جدا.

تحديات تحالف المعارضة

قبل نحو أسبوع، شهِد تحالف المعارضة التركية انقسامات في صفوفه، بعدما تم اختيار مرشح لمواجهة أردوغان في الانتخابات المقبلة. ويأتي هذا على خلفية إعلان أردوغان الذي يتولى السلطة منذ عشرين عاما والمرشح لإعادة انتخابه، إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها، على الرغم من الزلزال الكارثي الذي ضرب البلاد مؤخرا وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 35 ألف شخص.

لكن عاد لم شمل تحالف المعارضة المكوّن من 6 أحزاب، بعد عودة حزب “الخير” القومي، الذي تترأسه ميرال أكشنر، إلى طاولة التحالف، بعد أيام من انسحابها؛ احتجاجا منها على ترشيح كليجدار أوغلو، رئيس “حزب الشعب الجمهوري”، للرئاسة، إلا أن الخبراء يرجحون عودة الخلافات؛ ما يصب في صالح منافسهم أردوغان.

المحلل والباحث السياسي، سامح مهدي، يقول إن تحالف المعارضة سيبقى صامدا ومتماسكا طيلة فترة الانتخابات وأثناء إجرائها، على الرغم من أن أحزابها تضمن جملة من التوجهات السياسية والأيديولوجية المختلفة التي يراها البعض أنه تحدّ كبير في الحفاظ على تماسكه وعدم الدخول في أي خلافات أو صدامات قبل إجراء الانتخابات.

لكن غير مستبعد أن تحدث خلافات وصدامات وانشقاقات عديدة وربما كبيرة حول آلية الحكم التي سيتمتع بها كليجدار أوغلو في حال فوزه بالانتخابات، وهي تساؤلات ربما تثير مخاوف شريحة من الناخبين، ويمكن أن تقلص فرصه بالفوز إذا ظهرت بالفعل خلافات حقيقية خلال الفترة المقبلة، وفق ما يعتقد مهدي لموقع “الحل نت”.

قد يهمك: 16 شرطا على طاولة الاجتماع الرباعي في موسكو.. آمال إعادة بناء سوريا تتضاءل؟

مدحت سنجار، الرئيس المشارك لـ”حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد في تركيا، عرض استقبال كليجدار أوغلو في مقر الحزب لمناقشة إمكانية دعم ترشحه، ووافق مرشح المعارضة على تلبية الدعوة. وهو ثالث أكبر حزب في البرلمان، ويملك قوة تصويتية تتراوح بين 10 و14 بالمئة، في حين يرى بعض المراقبين أن ثمة مخاوف من أن هذا التقارب قد يقلل دعم الناخبين القوميين لمرشح المعارضة.

كما ويسود ترقب واسع لموقف مرشح المعارضة في ظل الاتهامات الموجهة إلى “الشعوب الديمقراطية”، الذي يواجه دعوى لإغلاقه تنظر في أمرها المحكمة الدستورية، بدعوى أنه الذراع السياسية لـ”حزب العمال الكردستاني”، الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، بينما يستبعد مهدي هذا الأمر، ويرى على النقيض من ذلك، نظرا للعدد الكبير من الأكراد المتواجدين في تركيا، وبالتالي هذا سيعزز من حظوظ تحالف المعارضة.

تقرير لموقع “القدس العربي”، يقول إنه بحسب الاتفاق المعروف باسم “تحالف الطاولة السداسية”، فإن كليجدار أوغلو وفي حال فوزه بالانتخابات سوف يعيّن قادة الأحزاب الخمسة الأخرى في منصب نائب الرئيس، إلى جانب إمكانية تعيين رئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول أيضا نوابا للرئيس، وهو ما يعني أن الرئيس سيكون له 7 نواب على الأقل معظمهم من توجهات سياسية وأيديولوجية مختلفة وهو ما يصفه محللون بأنه “نموذج مشوّه ومعقّد للحكم”.

لكن الأهم ليس ما يتعلق بالتزام كليجدار أوغلو بتعيين هذا العدد من النواب، وإنما الاتفاق الداخلي للتحالف الذي ينص على أن الرئيس سيكون ملزما بالعودة لاستشارة رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى لاستصدار أي قرار هام سواء ما يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية وحتى ما يتعلق بحالة الحرب أو أي تعديلات جوهرية، وهو ما يعني أن إمكانية التوافق على قرارات هامة للدولة ستكون شبه مستحيلة، ما يشير إلى نظام حكم سيكون معقدا وبطيئا من حيث الإجراءات التنفيذية وسرعة اتخاذ القرار.

إذاً، يمثل هذا الأمر نقطة ضعف بالنسبة لتحالف المعارضة ويحذر أنصار الحزب الحاكم في تركيا من أن فوز كليجدار أوغلو سيدخل البلاد في أزمة.

كما ويتوقع أن ترتكز الحملة الانتخابية لـ”العدالة والتنمية” على الدعاية المتعلقة بالتشكيك باستقلالية قرارات الرئيس المقبل، وهو ما قد يقلل من حظوظ فوز زعيم تحالف المعارضة التركية التي تبدو قوية حتى اللحظة.

عوامل وفرص نجاح المعارضة

في المقابل، أشار مهدي إلى هذه النقطة أيضا، حيث قال إن هجوم أردوغان الحاد على منافسه على الرئاسة مؤخرا، دليل على مدى تخوفه من قوة المعارضة التي تبدو قوية ومتماسكة وتعمل بكل الأدوات الممكنة لحشد الأصوات الناخبة. أما الأمر الآخر الذي يؤشر بتقدم المعارضة على أردوغان، فهو عجز الأخير وفق تقدير مهدي عن توسيع دائرة شعبيته في ظل ما تظهره استطلاعات الرأي المتعاقبة من تفوق خصمه كليجدار أوغلو بفارق 10 نقاط، وقدرة تحالف المعارضة على الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان بسهولة.

أردوغان قال مؤخرا في هجوم واضح على تحالف المعارضة، “أخيرا أظهر السيد كمال الشجاعة لمواجهتنا والتنافس معنا في المجال الخاص بنا، بدلا من الاختباء وراء مرشح. نأمل أن يتنافس معنا بطريقة ديمقراطية وسنمنحه المقعد المناسب في 14 أيار/مايو، وتلك الأحزاب المعارضة الستة عار على الإنسانية.. دعونا نرى أي نوع من الخزي ينتظرهم في الأيام المقبلة. لقد قلت عنهم قبل ذلك إنهم جلسوا وتحدثوا ثم تفرقوا”.

أردوغان، تابع في كلمة أمام المجموعة البرلمانية لـ”حزب العدالة والتنمية” بالبرلمان التركي، “لا يمكن لشعبي أن يقبل هؤلاء الناس.. الشخص الذي رشحوه للرئاسة وضعوا معه 7 نواب للرئيس. يتساءلون، كم عدد المساعدين الذين سيكونون لديك؟ قد يكون نائب الرئيس واحداً أو 5 أو 1500.. كيف ستدار هذه البلاد؟ سيتم توزيع شيء ما على أولئك المجتمعين حول الطاولة، لذلك يجب أن يكون هناك عدد كافٍ من المساعدين”، وفق تقارير صحفية.

كذلك، هاجم أردوغان مسألة اتفاق أحزاب الطاولة السداسية، التي تضم “الشعب الجمهوري والجيد والديمقراطية والتقدم والسعادة والمستقبل والديمقراطي”، على تعيين 7 نواب لكليجدار أوغلو حال فوزه في الانتخابات، نقلت وسائل إعلام عن مصادر بـ”حزب العدالة والتنمية” أن أردوغان يخطط لطرح اسمي رئيس المخابرات هاكان فيدان وشريكه في تحالف الشعب رئيس حزب “الحركة القومية” دولت بهشلي، كنائبين للرئيس حال فوزه في الانتخابات.

أيضا، ثمة عوامل أخرى تعزز حظوظ المعارضة التركية في الفوز بالانتخابات الرئاسية، وهو أن حكومة حزب “العدالة والتنمية”، لم تحقق أي من الأهداف التي كانت قد رسمت للقرن الثاني لتركيا، ولعل أبرزها هو بلوغ نصيب الفرد من الدخل القومي 20 ألف دولار، وستصبح تركيا واحدة من أكبر 10 دول في العالم، وستتم عضوية الاتحاد الأوروبي، ولن تكون هناك مشكلات في مجال حقوق الإنسان، وسيجري تطبيق قاعدة “صفر مشاكل” مع الجيران بالكامل.

غير أن تركيا تضم أكبر عدد من الصحافيين في السجون. وهو البلد الذي يوجد به أكبر عدد من السجناء السياسيين. كما وأصبح من أكثر الدول التي تفشت فيها تجارة المخدرات. حتى أن تركيا صارت الدولة التي تكون فيها المافيا والجريمة والمنظمات الإرهابية أكثر راحة في العالم، وفق مراقبين.

لذلك، فشل الحكومة التركية في تحقيق هذه الأهداف، بالإضافة إلى المشاكل التي وصلت إليها، وتحديدا الأزمة الاقتصادية، بجانب تعثر أنقرة في إيجاد حلول للملف السوري، فضلا عن فشلها في العديد من الملفات الإقليمية، وخاصة ليبيا، ربما سيستخدم ائتلاف المعارضة التركي هذه الورقة ضد أردوغان وحزبه الحاكم، وهذا ما قد يعزز فرصهم في الانتخابات.

لا تكهنات قطعية

مع اقتراب موعد الانتخابات قدّم تحالف المعارضة التركية حتى الآن أداء قويا وتكاتفا يصعب التغلب عليه في حقيقة الأمر، على الرغم من الاختلاف الكبير بين رؤى أحزاب المعارضة الستة، لكن الكثير من المسائل داخل التحالف لا تزال بحاجة إلى توافق وعلى رأسها القوائم البرلمانية المشتركة التي ستخوض على أساسها أحزاب المعارضة الانتخابات التشريعية، وفق تحليل لموقع “الجزيرة”.

لكن في المجمل يكمن التحدي الأكبر الذي يواجه تحالف المعارضة في الفترة القصيرة المتبقية للانتخابات في كيفية إقناع الناخبين بأنه قادر على إحداث استقرار سياسي في السلطة بعد الفوضى الأخيرة التي لحقت به، وهي مسألة نفسية تؤثر على السلوك التصويتي للناخب عموما والمُتردد على وجه الخصوص الذي تشكل أصواته نحو 10 بالمئة، لذا فإن نجاح أيّ من التحالفين الحاكم والمعارض في استمالة الأصوات المترددة سيكون مؤثرا في حسم نتائج الانتخابات.

قد يهمك: عندما تتصادم السياسة والدبلوماسية.. دمشق تنصب حواجز أمام تطبيع العلاقات مع أنقرة؟

مهدي يعتقد أن مسألة حسم نتائج الانتخابات يبقى رهن الأصوات الأخرى وخصوصا الكردية، نظرا لأعدادهم الكبيرة وعدم ميولهم لسياسة أردوغان، وبالنظر إلى أن أكبر حزب كردي “الشعوب الديمقراطية” عرض اللقاء مع كليجدار أوغلو، فإن ذلك يعتبر تأييدا لتحالف المعارضة التركية، لكن ضم الأصوات الكردية بشكل شبه كامل لجهة التحالف السداسي يحتاج إلى ضمانات وشروط هذا الحزب الكردي، وبالتالي فإن الأمر بالمجمل يحمل الكثير من التعقيدات داخل تحالف المعارضة في ضوء الموقف المتشدد لحزب “الجيد” الذي يرفض انضمام “الشعوب الديمقراطية” للطاولة السداسية.

في المجمل، تزايد اللقاءات التلفزيونية لقادة أحزاب تحالف المعارضة والخطابات الجماهيرية حيث سيكون قادة هذه الأحزاب أمام أسئلة مفصلية يمكن أن تكشف عن خلافات وتباين في وجهات النظر، وهو ما قد يُظهر للعلن الخلافات ويجعل منها مادة مهمة لحملة أردوغان وتحالفه. في حين، يحاول كليجدار أوغلو ومن معه الحفاظ قدر المستطاع على تماسك تحالفهم، بل وضم أصوات أخرى ولا سيما الكردية، وفي ظل هذه المنافسة المحتدمة بينهما لا يمكن التكهن بنتائج الانتخابات التركية بشكل قطعي. لكن يمكن القول إن تحالف المعارضة التركي اليوم هو أكبر تحالف معارض منذ أكثر من عقدين، إذ إنها المرة الأولى التي يواجه فيها أردوغان تحالفا من 6 أحزاب معارضة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.