بعد نحو 6 أشهر على تسلّمه السلطة، باتت خطوات رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني تثير الشك حول مساعيه، لاسيما فيما يتعلق بعمر حكومته التي شُكّلت في أعقاب أزمة سياسية هي الأطول في تاريخ العراق ما بعد 2003، والتي وصلت حدة المواجهات المسلحة، على إثر الانقسام السياسي داخل البيت الشيعي حول آلية تشكيل الحكومة. حيث جاءت كما لو أن هناك مخططا للحفاظ على الحكومة ولاية كاملة، بعد تصويت البرلمان فجر الاثنين الماضي، على تعديل عدد من قوانين الانتخابات وتحديد موعد انتخاب مجالس المحافظات، فضلا عن مشروع قانون الموازنة الذي جاء لثلاثة أعوام.

حكومة السوداني تشكلت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد تعطل تشكّلها لأكثر من عام، بسبب الخلاف بين “التيار الصدري” الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، والذي تحصّل على أكبر عدد من مقاعد “البرلمان” في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، وبين تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم جميع القوى الشيعية المقربة من إيران، والذي عطّل مشروع الصدر بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، تستثني مشاركة كل أطراف “الإطار” أو بعضها.

“الإطار” (83 مقعدا نيابيا) الذي حلت أطرافه أخيرة في الانتخابات، باستثناء “ائتلاف دولة القانون” بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي حصل على 37 مقعدا، أصر على حكومة “توافقية” تشترك فيها جميع القوى السياسية، وهو ما رفضه الصدر صاحب الـ 73 مقعدا نيابيا، رفضا قاطعا. الأمر الذي تطور إلى نزول أنصار التيار إلى الشارع واقتحام “البرلمان” ومن بعده القصر الحكومي داخل المنطقة الخضراء معقل الحكومة والبعثات الدبلوماسية ببغداد، احتجاجا على ترشيح “الإطار” لمحمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة.

مراحل تطور الخلاف وصولا إلى السوداني

أنصار الصدر لجأوا إلى الشارع بعد أن نجح “الإطار” في تعطيل مشروع زعيمهم من خلال تشكل ما بات يُعرف بالـ “الثلث المعطل”. وهو أن يمتنع 110 نائبا من أصل 329 من حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ما يعطّل خطوات تشكيل الحكومة، لسبب أنه من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا يمكن تكليف رئيس للحكومة، ما دفع بالصدر إلى توجيه كتلته بالاستقالة من “البرلمان”، ليأخذ “الإطار” زمام مبادرة تشكيل الحكومة، وهو ما أجج شرارة احتجاج الصدريين التي تحولت إلى صدامات مسلحة بعد اقتحام القصر الحكومي في أواخر آب/أغسطس الماضي، مع قوات الأمن المدعومة بقوات “الحشد الشعبي” المشكّل أغلبه من فصائل تابعة لـ “الإطار”.

سيناريو، أدى إلى اعتزال الصدر للحياة السياسية وسحب كتلته أيضا، ووصل من خلاله السوادني إلى رئاسة الحكومة بوصفه مرشحا عن “الإطار التنسيقي”، الذي شكّل تحالف “إدارة الدولة” مع القوى السنية والكردية، للمضي بتشكل حكومة “توافقية”؛ أي بمعنى المحاصصة التي قام النظام السياسي عليها في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، وهي ما يرفضه الشعب العراقي بشكل قاطع، والتي كانت سببا في إندلاع موجات احتجاجات عدة؛ توجت في 2019 بما باتت تُعرف بـ “ثورة تشرين”، التي طالبت بتعديل قانون الانتخابات وأجبرت حكومة عادل عبدالمهدي على الاستقالة حينها.

اقرأ/ي أيضا: “أبعد مما تراه العين”.. ماذا تعني المصالحة السعودية الإيرانية للعراق؟

السوداني، تعهد في محاولة لتهدئة الأوضاع حال تسلّمه السلطة، إجراء انتخابات مبكرة بظرف عام، وإعادة إجراء انتخابات مجالس المحافظات المعطلة بقرار قضائي من 2019، على خلفية مطالبة المحتجين إلغائها بوصفها حلقة زائدة وإحدى أبرز مفاصل الفساد. وذلك بعد تعديل قانون الانتخابات خلال 3 أشهر وفقا لما تطالب به قوى “الإطار”، التي تعتبر القانون الحالي سببا رئيسيا في تراجع حظوظها بالانتخابات الأخيرة، بسبب تشتيت جمهورها بين الدوائر الانتخابية المتعددة.

غير أنه، وبعد مضي 6 أشهر، قرر البرلمان في جلسة عُقدت فجر أمس الاثنين، إجراء انتخابات المحافظات في تشرين الأول/أكتوبر القادم، فضلا عن التصويت على 7 مواد من أصل 15 من قانون الانتخابات، وجاء ذلك بعد أكثر من أسبوع على موافقة الحكومة على مشروع قانون الموازنة الذي ينتظر التصويت عليه من قبل البرلمان في مدة أقصاها 45 يوما. 

لكن التأخر في تعديل قانون الانتخابات، وبالنظر إلى موعد انتخابات المحافظات، الذي يشي حتما أن  الانتخابات البرلمانية سيتجاوز موعدها الذي حدد في البرنامج الحكومي للسوداني، فضلا عن تقديم مشروع قانون موازنة لـ 3 أعوام، فتح باب السؤال عن ما إذا كانت هناك نوايا لإطالة عمر الحكومة الحالية، والتي جاءت لعبور مرحلة انتقالية. 

حول ذلك يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد طارق الزبيدي، في حديث لموقع “الحل نت”، إن انتخابات مجالس المحافظات ستجرى خلال هذا العام أو العام المقبل بشكل حتمي، أما الانتخابات التشريعية فلن تُجرى إلا بعد 3 أعوام.

ما وراء انتخابات المحافظات 

الزبيدي يوضح، أن السبب وراء الإصرار على إجراء انتخابات مجالس المحافظات، هو أن الأحزاب التقليدية اليوم بلا نفوذ في المحافظات، لعدم وجود مجالس فيها، وبالتالي فإن الأحزاب التقليدية ترغب بإجراء الانتخابات، لكي تسيطر على تلك المحافظات من خلال المجالس.

فيما يخص الانتخابات التشريعية والسبب وراء عدم إجرائها بشكل مبكّر، بل بعد 3 سنوات، يقول الزبيدي، إن الأحزاب الحالية وخصوصا “الإطار” هي المسيطرة على الحكومة والقرار، وبالتالي تريد استمرار سيطرتها لأبعد وقت ممكن.

اقرأ/ي أيضا: إسقاط المسيرة الأميركية.. علامة على تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة؟

الزبيدي يردف، أن قانون “سانت ليغو” سيتم تمريره ولو اضطرت الأحزاب إلى تأجيل الانتخابات ألف مرة، إذ لن تجريها قبل تمرير هذا القانون، والسبب أن “سانت ليغو” الوحيد الذي يضمن حصول الأحزاب التقليدية على عدد كبير من المقاعد، وبتغييره ستخسر كثيرا كما حصل في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021.

إلى ذلك، بدأ “البرلمان” وبحضور 171 نائبا، فجر الاثنين الفائت، بالتصويت على قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات والاقضية رقم 12 لسنة 2018، وأعلنت رئاسة “البرلمان”، تحديد يوم السبت المقبل لاستكمال التصويت على بنود قانون الانتخابات.

“البرلمان” صوت على اعتماد آليات محددة لفرز نتائج الانتخابات، فضلا عن إجراء انتخابات مجالس المحافظات بتاريخ 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وجاء في المادة 16 التي صُوّت عليها؛ تعتمد المفوضية أجهزة تسريع النتائج الإلكترونية وتجري عملية العد والفرز اليدوي لجميع الاقتراع ولجميع محطات في نفس محطة الاقتراع بعد إرسال النتائج إلى مركز تبويب النتائج الوسط الناقل، وإصدار تقرير النتائج الإلكترونية من جهاز تسريع النتائج، وتلتزم المفوضية بإعلان النتائج خلال 24 ساعة للتصويت العام والخاص.

تعديلات البرلمان

ضمن ذلك أيضا، صُوّت على أنه في حالة عدم التطابق بين نتائج العد والفرز الإلكتروني والعد والفرز اليدوي في نفس محطة الاقتراع بنسبة أقل من 5 بالمئة، يتم اعتماد نتائج العد والفرز اليدوي، كذلك في حال عدم تطابق نتائج العد والفرز اليدوي الإلكتروني مع نتائج العد اليدوي بنسبة 5 بالمئة فأكثر من مجموع الأوراق الصحيحة داخل الصندوق، يتم نقل المحطة إلى مركز التدقيق المركزي في المحافظة لغرض تدقيق المحطة وإعادة العد والفرز اليدوي، وتعتمد المفوضية نتائج العد والفرز اليدوي لأوراق الاقتراع في مركز التدقيق في المحافظة.

أيضا صُوّت على أنه في حال عدم إرسال النتائج من قبل جهاز تسريع النتائج إلى مركز تبويب النتائج ولمدة 6 ست ساعات يتم نقل الصناديق التي لم ترسل نتائجها عبر الوسط الناقل إلى مراكز التدقيق المركزية في المحافظة لاتخاذ الإجراءات التي تعتمدها المفوضية وتعتمد نتائج العد والفرز اليدوي، وتضمن التصويت، على أن يتكون “البرلمان” المقبل من 329 مقعدا، وهو العدد الحالي نفسه.

بحسب التعديلات التي تم التصويت عليها، سيتم توزيع 320 مقعدا على المحافظات، وتمنح المكونات الآتية حصة (كوتا) من العدد الكلي للمقاعد العامة لـ “البرلمان”، على أن لا يؤثر ذلك على حصتهم في حال مشاركتهم في القوائم العامة، وتكون على النحو الآتي، المكون المسيحي 5 مقاعد توزع على محافظات بغداد ونينوى وكركوك ودهوك وأربيل. 

المكون الإيزيدي سيكون له مقعدا واحدا في محافظة نينوى، والمكون الصابئي المندائي كذلك مقعدا في محافظة بغداد، وأيضا المكون الشبكي مقعدا واحدا في محافظة نينوى، وللكرد الفيليين مقعدا في محافظة واسط، على أن تكون المحافظة التي خُصص لها مقعد من مقاعد (الكوتا) دائرة انتخابية واحدة لتمثيل مقعد (الكوتا) المخصص ضمن مقاعد “البرلمان” وفقا للحدود الإدارية لها. 

كما صوت “البرلمان”، أن يكون المرشح حاصلا على شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها باستثناء (كوتا) المكونات تكون الشهادة إعدادية فأعلى، للقوائم الانتخابية تخصيص نسبة لا تزيد على 20 بالمئة من عدد المرشحين لشرائح المجتمع من حملة شهادة الدبلوم، أو الاعدادية أو ما يعادلها.

التصويت اشترط أن يكون المرشح غير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف بما فيها قضايا الفساد الإداري والمالي المنصوص عليها في المواد (330، 333، 334، 335، 336، 338، 339، 340 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969م المعدل، بحكم قضائي بات سواء كان مشمولا بالعفو عنها من عدمه.

وفق لذلك، يبدو أن “الإطار التنسيقي” الذي شكّل حكومة السوداني في مفارقة لم تحصل من قبل؛ بأن يشكل الطرف الخاسر الحكومة على حساب الأطراف الفائزة؛ بأنه عازم على استمرار الحكومة الحالية حتى انتهاء ولاية كاملة وهي 4 أعوام، وذلك بما يعزز حضوره ومستقبل مشروعه السياسي الذي بات على وشك الانهيار بعد انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.