على مدار سنوات القطيعة التي استمرت منذ العام 2016 بين إيران والسعودية، ارتبطت دول عديدة بهذا الملف، وعانت عواصم كثيرة من ارتدادت الصراع، بل أساسا سقطت حكومات ودمرت بلدان بأكملها نتيجة إلى ذلك، بما فيها العراق، الذي بقي أحد أبرز دوائر الاستقطاب بين طهران الرياض، ومع عودة العلاقات بين الجانبين مؤخرا ضمن ما بات يُعرف بـ “اتفاق بكين”، الذي مهدت له جهود عراقية منذ العام 2021، يبرز السؤال حول انعكاسات ذلك على بغداد.

فمذ طيلة الخلاف والتدافع بين ألدّ عدوين في منطقة الشرق الأوسط، مثّل العراق ساحة رئيسية لخوض جولات ذلك الصراع، وانعكس الأمر بشكل كبير على مستوى الانقسام السياسي والاجتماعي المنحاز بين الرياض وطهران، والذي وصل حدة اتخاذ طهران من العراق قاعدة لتهديد المصالح السعودية عبر وكلائها المتمثلين بالميليشيات المسلحة.

ذلك أنتج حالة من عدم الاستقرار، بل وكان جزء أساسيا من الاقتتال الداخلي الذي شهده العراق في سنوات 2006-2008، وعزز حالة الانقسام الطائفي والسياسي الذي لم يعرفه العراق ما قبل العام 2003، وبادرت فيه إيران عبر زج جماعات مسلحة مدعومة بالمال والسلاح. الأمر الذي استغلته طهران في فرض سطوتها على الساحة العراقية التي باتت تشكل خاصرة رخوة وخطرة من حيث النفوذ الإيراني بالنسبة للمنطقة العربية. الأمر الذي بدأت ملامحه تختفي خلال العام 2021.

الاتفاق السعودي الإيراني ودور العراق

منذ نيسان/أبريل 2021، استضافت بغداد محادثات مباشرة على مستوى منخفض التمثيل بين إيران والسعودية، ضمت مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين لكلا البلدين، حيث رعى رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، 5 جولات منها، كان آخرها العام الماضي، وهو ما مهّد مؤخرا لتوصل الجانبين إلى اتفاق نهائي يقضي بعودة العلاقات وتبادل السفراء في غضون شهرين.

اقرأ/ي أيضا: إسقاط المسيرة الأميركية.. علامة على تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة؟

الأسبوع الماضي، أعلنت السعودية وإيران استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح السفارات، وجاء ذلك بوساطة صينية، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة، وفق ما نقلته وكالتا الأنباء السعودية “واس”، والإيرانية “إرنا”، وأفاد البيان أن الدول الثلاث تعلن توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهرين.

بحسب البيان، يتضمن الاتفاق تأكيد السعودية وإيران على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي إطار ذلك اتفقت الدولتان على عقد وزيري الخارجية في البلدين اجتماعا لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، فضلا عن تفعيل اتفاقيات تعاون في مجالات عدة أبرزها الأمني والاقتصادي، والتي سبق توقيعها في عامي 1998 و2001.

بيد أن اتفاق السعودية مع إيران لا يعني التوصل إلى حل جميع الخلافات العالقة بين البلدين، وإنما هو دليل على رغبتها المشتركة بحلها عبر الحوار، بحسب ما تحدث به وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وبالرغم من عدم ورود أي تفاصيل حول الاتفاق باستثناء البيان الثلاثي المشترك، ودون التطرف للملفات الإقليمية العالقة بين البلدين والتي تمثل أساس الخلاف، إلا أن كثيرا من المراقبين يرون أن الاتفاق سينعكس على العراق.

حول ذلك أوضح الباحث السياسي والأكاديمي حيدر الجوراني، أن الاتفاق السعودي الإيراني، قد يبدو تحول مغاير عن المعتاد في سرديات العلاقات السعودية الإيرانية عبر تاريخها لعقود طويلة، لكن لمجرد النظر إلى أن السعودية وإيران تلعبان دور طرف أحد أهم معادلات التوازن الإقليمي والدولي، فإن من السابق لآوانه التكهن بانعكاسات إيجابية متوسطة أو طويلة الأمد دون دخول ذلك الاتفاق حيزا تطبيقيا ضامن لديمومته بشكل معلن.

الجوراني وفي حديث لموقع “الحل نت” عن مدى انعكس الاتفاق على استقرار العراق ونفوذ الجماعات المسلحة، بيّن أن من المحتمل أن تقوم الجماعات المدعومة من قبل إيران بضبط إيقاعاتها بما يلائم مناخ ملف الأمن القومي الإيراني، سيما وأن العراق يمثل العمق الاستراتيجي لذلك الملف ولنفوذ تلك الجماعات الموالية لإيران.

درس سعودي إيراني للعراق

إن الاتفاق يمثّل درسا للقوى السياسية في العراق؛ بحسب الباحث السياسي والأكاديمي، لكي تعمل على إعادة عزل ملف العراق للأمن القومي عن التدخلات الإقليمية التي أثرت طوال عشرين سنة مضت، وربما القول بأن هذا الاتفاق بإمكانه أن يكون عاملا مساعدا لتعزيز الاستقرار في العراق إذا ما أُخذ بنظر الاعتبار كيفية الإدراك السياسي للقوى الفاعلة داخل العراق لهذا الاتفاق، مشيرا إلى أن ذلك يعتمد على وجود إرادة حقيقة في استثمار ما تمّ الاتفاق عليه لتعزيز الاستقرار في العراق.

وسط ذلك، لم يمضي سوى يوما واحدا على الاتفاق بين الجانبين السعودي والإيراني، حتى هاجم المسؤول الأمني لمليشيات “كتائب حزب الله” في العراق المدعو “أبو علي العسكري”، هجوما لاذعا على السعودية، حيث وصفها بـ “الكيان الوحشي”.

العسكري وفي تغريدة على “تويتر” نشرها السبت الماضي، قال إنه “علينا أن نكون أكثر يقظة واستعدادا من أي وقت مضى حيال وحشية الكيان السعودي بالمنطقة، ولا تأخذنا السياسة والدنيا ومصالح أساطين المال مآخذ قد تطيل بنا الوقوف، يوم لا ينفع مال ولا بنون، والعاقبة للمتقين”.

اقرأ/ي أيضا: تحول في علاقة أربيل وبغداد.. ما الذي دفع السوداني لزيارة كردستان؟

فيما يتعلق بخريطة القوى المسلحة في العراق، في سياق حمل السلاح في البلاد، تنقسم هذه المجموعات إلى القوات النظامية في وزارتي الدفاع والداخلية، وقوات “الحشد الشعبي” وهي قوات شبه عسكرية، مكونة من خليط فصائل مسلحة موالية إيران، ويعود تاريخ نشأة بعض الفصائل المسلحة في العراق إلى ما بعد عام 2003.

منذ ذلك الحين، استمر صعود الفصائل في العراق بعد فراغ السلطة والفوضى السياسية التي خلّفها الغزو، وبعد الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011، سرعان ما برزت على الساحة العراقية تنظيمات مسلحة، أغلبها شيعية مدعومة من إيران، وصارت تفرض سطوتها على الحياة السياسية عبر الضغط الأمني، مع عدم إخفاء ارتباطها بجهات خارجية.

بحسب تصريح سباق للنائب المستقل في “مجلس النواب” العراقي، علاء الركابي، يوجد في العراق 63 فصيلا مسلحا، تحت عناوين مختلفة، بعضها منضوي تحت إدارة الدولة والبعض الآخر غير مضوي تحتها، وبعضها يتجول في المنطقة الخضراء معقل الحكومة والبعثات الدبلوماسية بالعاصمة يعمل على تحقيق مطالبه بالتهديد.

العراق وتأثيره في المعادلة السعودية الإيرانية

في العام 2019، تداولت وسائل إعلام محلية ودولية على نطاق واسع انطلاق طائرات مسيرة “الدرون” التي استهدفت معملين لشركة “أرامكو” السعودية في بقيق، من الأراضي العراقية، فيما رجحت بعضها أن الطائرات انطلقت من محافظة الأنبار المحاذية للسعودية غربا.

بالمقابل نقلت شبكة “CNN” الأميركية عن مصدر وصفته بالمطلع، إن السعودية وأميركا ترجحان أن الهجوم جرى تنفيذه بصواريخ “كروز” حلقت على ارتفاع منخفض مدعومة بطائرات دون طيار “درونز”، انطلقت من قاعدة إيرانية تقع قرب الحدود العراقية.

في الإطار، يُعد ملف الحدود وانتشار الفصائل المسلحة العراقية الحليفة لإيران، قرب الشريط الحدودي مع السعودية من أهم الملفات التي شكلت نقطة خلاف بين الرياض والعراق، إذ تنتشر فصائل مسلحة عدة، أبرزها “كتائب حزب الله”، و”سيد الشهداء”، و”جند الإمام”، و”العصائب”، في نقاط مختلفة بالقرب من الحدود التي تمتد بين العراق والسعودية لأكثر من 800 كيلومتر.

الشريط الحدودي بين العراق والسعودية، يبدأ من مدينة النخيب في محافظة الأنبار غربا، وتقابلها عرعر السعودية، وتنتهي في نقطة نقرة السلمان على مقربة من حدود البصرة جنوبا، والمقابلة لحفر الباطن سعوديا.

بناء على ذلك، فإن العراق سيكون في قلب دائرة تأثير الاتفاق السعودي الإيراني، وذلك لما يتمتع به من حساسية جغرافية واقتصادية، غير أن الحديث عن مدى انعكاسات ذلك الاتفاق على الملف العراقي يبقى مبكرا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة