بعد سلسلة من الأزمات ما بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، يبدو أن العلاقة تشهد تحولا جديدا على مستوى الجانبين، في ضوء زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى الإٍقليم الثلاثاء الفائت، وللمرة الأولى بعد توليه المنصب في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

منذ العام 2014 وحتى الآن، وتحديدا خلال العام والنصف الماضي، شهدت العلاقات بين بغداد وأربيل خلافات مستمرة، وتركزت حول تصدير النفط، حيث يتولى الإقليم تصدير نفطه المنتج منذ 2009 بنفسه بالاعتماد على قانون النفط والغاز في الإقليم الذي صوت عليه برلمان الإقليم عام 2007، والذي أبطلت العمل به المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في العراق.

خلال العام الماضي، انسحبت تلك الخلافات على مستوى القوى والتحالفات السياسية، واشتدت بعد حكم أصدرته المحكمة الاتحادية في شباط/فبراير من العام الماضي، واعتبرت على أساسه أن الأسس القانونية لقطاع النفط والغاز في إقليم كردستان غير دستورية، ما فاقم من سلسلة الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والقانونية، والتي اشتملت خلافا حول المادة 140 من الدستور العراقي.

خلافات بغداد وأربيل

الملفات العالقة بين بغداد وأربيل تُعد من أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، ومن أهم تلك الملفات التي تحتاج إلى حوار وتفاهمات مشتركة، رواتب موظفي إقليم كردستان العراق التي تمتنع بغداد عن إرسالها إلى أربيل قبل تسليم الأخيرة لعائدات النفط بشكل كامل إلى الحكومة الاتحادية، فضلا عن تلك الملفات هناك التنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من حقول الإقليم.

إذ تتنازع الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان العراق منذ سنوات على مناطق عدة بمحافظات يقطنها خليط من القوميات والطوائف، وتتوزع تلك المناطق بين محافظات كركوك ونينوى شمالا، وديالى في وسط البلاد، وواسط جنوبا.

اقرأ/ي أيضا: إنجاز مشروع الموازنة العامة.. هل يصطدم بمصلحة الأحزاب العراقية؟

طبقا للمادة 140 من الدستور العراقي الذي أُقر عام 2005، يتم تحديد مستقبل المناطق المتنازع عليها على 3 مراحل، تبدأ بالتطبيع بإعادة السكان غير الأصليين لمناطقهم بعد تعويضهم ماليا، ثم إجراء إحصاء لسكانها، ليتبعه استفتاء شعبي حول عائدتها لحكومة بغداد أو أربيل، ويتم ذلك عن طريق اللجنة العليا لتنفيذ المادة.

هذه القضايا، كانت القوى السياسية وأثناء العمل على تشكيل التحالفات السياسية بعد الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، وعطلت تشكيل الحكومة لأكثر من عام على آخر انتخابات شهدتها البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2021، جزءا رئيسيا من شروط القوى الكردية التي كانت واضحة في أن مُضيها في تحالف سياسي لتشكيل الحكومة يحدده الاتفاق حول هذه الملفات والتعهد بحلها.

 بناء على ذلك وافقت القوى السياسية باستثناء “التيار الصدري” الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، والذي انسحب من العملية السياسية على خلفية الأزمة السياسية، على حل جميع القضايا العالقة، بما فيها الخلافات بين بغداد وأربيل، وتعهد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في برنامجه الحكومي بإعادة تفعيل اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140 والتي تعطلت منذ العام 2014، وهو ما حصل فعليا في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

في الأثناء، وعلى الرغم من أن موازنة 2023 قد تسببت في أزمة جديدة بين حكومة بغداد وإقليم كردستان مع اقتراب إقرارها خلال الفترة المقبلة، بسبب الخلاف حول نسبة الإقليم من الموازنة والتي تأمل القوى الكردية في إعادتها إلى 17 بالمئة، وهو ما عطل إقرار الموازنة حتى الوقت الحالي، بالرغم من مضي نحو ستة أشهر على تشكيل الحكومة.

ما دلالة زيارة السوداني إلى كردستان؟

لذلك جاءت زيارة السوداني بعد إعلانه من بغداد التوصل إلى تفاهمات تتعلق بحصة الإقليم في الموازنة المالية للبلاد والمقدرة بـ 152 مليار دولار، بتخصيص 12 بالمئة منها للإقليم، على أن يتم إيداع عائدات النفط الخاصة بالإقليم في حساب بنكي خاضع للحكومة العراقية وهو الاتفاق الذي يحدث للمرة الأولى بحسب السوداني.

حول دلالة الزيارة، يبيّن الخبير السياسي مصطفى التميمي، أن الوضع السياسي في البلاد بات لا يُحتمل وأن القوى السياسية شعرت بخطورة المرحلة، الأمر الذي دفع الجانب الكردي والشيعي المتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي” إلى تجنب المشكلات وتذليلها لعبور المرحلة الحالية، وهو ما تجلى بزيارة السوداني إلى الإقليم.

اقرأ/ي أيضا: الحزمة الثالثة لتسهيل الحصول على الدولار.. هل تعيد الاستقرار لسعر الصرف بالعراق؟

التميمي أشار في حديث لموقع “الحل نت”، إلى أن القوى الكردية تفهمت الموقف، كما أنها تمر بوقت حرج للغاية مع حالة الركود والتضخم التي يعيشها العالم، وتعطل رواتب الموظفين لأشهر طويلة، لذلك هي اختارت ما يضمن لها تجاوز المرحلة الحالية بسلامة بعيدا عن المجازفات والرهانات، وفي المقابل أيضا وجدت القوى السياسية أن لا خيار لها سوى الاتفاق مع القوى الكردية وتحقيق متطلباتها، وإلا قد لا يُكتب لها النجاح في إدارة الوضع الحالي.

تحالف “إدارة الدولة” الذي يجمع القوى الشيعية والسنية والكردية، والذي تبنى تشكيل الحكومة وفق رغبات تحالف “الإطار التنسيقي” ومصلحة باقي القوى المشتركة، يتحملون جميعا مسؤولية الحكومة الحالية، لذلك وفي ظل الوضع الاقتصادي الحالي، ومع استمرار العراق من دون موازنة منذ العام الماضي، بات على الجميع التوافق لإقرار الموازنة، وهو الأمر الذي وضع جميع القوى بحاجة بعضها والتفاهم؛ لأن تهميش القوى الكردية يعني دفعها باتجاه عدم المشاركة في التصويت على قانون الموازنة وهكذا سيستمر التعطيل، بالمقابل فإن التحالف الشيعي مسؤول عن الحكومة وتعطل الموازنة ليس بمصلحته وهو ما اضطره للتفاهم مع الكرد، بحسب التميمي.

التميمي، لفت إلى أن التوافقات السياسية في العراق تخضع لتقييمات وإعادة مراجعة مستمرة من قبل الأحزاب ذاتها، طالما نرى تشكيل تحالفات بلمح البصر وانفراط أخرى في سرعة أكبر، لذلك الحديث عن التفاهم الكردي الشيعي لا يمكن وصفه بأكثر من المرحلي، على الرغم من دلالة زيارة السوداني التي أشرت مستوى تقارب جيد بين الجانبين.

قبل ذلك ومؤخرا، تصاعدت حدة الخلاف على هذا الملف، بعدما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكما ألزمت فيه المحكمة حكومة إقليم كردستان بتسليم واردات النفط إلى بغداد، وعدم إرسال أي أموال إلى الإقليم. الأمر الذي أثار مخاوف القوى الكردية في الفترة الأخيرة من تراجع رئيس الوزراء العراقي، عن تعهده وتحالفه “الإطار التنسيقي”، التي قطعها لهم بحل الملفات العالقة، مقابل دعمهم له بمنح الثقة لحكومته، ما دفعها إلى التحذير من مغبة ذلك.

الزيارة وأهميتها

خلال زيارته إلى الإقليم، التقى السوداني رئيس “الحزب الديمقراطي الكردستاني” مسعود البارزاني، بحضور عدد من المسؤولين في حكومة الإقليم، وأبدى حرص حكومته على التواصل مع جميع القوى السياسية، وتحقيق المزيد من التفاهمات، بما ينعكس على مستوى الأداء العام، في تقديم الخدمات للمواطنين.

كذلك، بحث السوداني مع رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني علاقات أربيل وبغداد، وآخر تطورات الحوار بينهما، وتبادلا الآراء حول الأوضاع الراهنة في العراق والتحديات التي تواجهه، وأيضا عقد السوادني في أربيل اجتماعا مع رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني، وشهد الاجتماع تباحثا بشأن أهمية إعداد مشروعي قانوني المحكمة الاتحادية العليا، والنفط والغاز.

أيضا تنفيذ اتفاق سنجار بما يشمل إخراج المجاميع والميليشيات المسلحة، وتطبيع أوضاع المنطقة، وإعادة إعمارها، وكذلك تعويض المتضررين، إلى جانب تعزيز التنسيق بين البيشمركة والجيش العراقي، لحماية الأمن والاستقرار في العراق وإقليم كردستان، بحسب ما جاء في بيانات متابعة للحكومة العراقية وسلطات الإقليم.

دلالة على أهمية الزيارة، رافق السوداني في زيارته الأولى لأربيل منذ توليه رئاسة الحكومة، وفد حكومي يضم وزراء الخارجية، والداخلية، والتخطيط، والهجرة والمهجرين، بالإضافة إلى رئيس هيئة المنافذ الحدودية، ونائب الأمين العام لمجلس الوزراء، ووكيل جهاز الأمن الوطني، وعدد من المستشارين.

بالتالي واستنادا على المؤشرات الحالية، فإن زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى إقليم كردستان تعكس أهمية كبيرة حول مدى التقارب وتجاوز المشكلات بين القوى الكردية والشيعية التي تتولى مسؤولية الحكومة الاتحادية في بغداد، غير أنه لا يوجد ما يضمن عمر هذا التفاهم وإلى متى يمكن استمراره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.