بعد عامين من استمرار البلاد من دون موازنة عامة، وافق مجلس الوزراء العراقي الاثنين الفائت، على مشروع قانون الموازنة، وإحالته إلى البرلمان بانتظار التصويت عليه، وذلك خلال جلسته الاعتيادية التي عُقدت برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.

إقرار مشروع قانون الموازنة الاتحادية جاء هذه المرة لثلاث سنوات 2023 و2024 و2025، خلافا لما كان يُعتمد في العراق في إقرار قانون الموازنة لعام واحد، وذلك بعد أن بقي العراق من دون موازنة خلال العام الماضي نتيجة للخلافات السياسية التي عصفت بالبلاد، على خلفية الانتخابات المبكرة الأخيرة التي خاضها العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2021، مما عطّل تشكيل الحكومة لأكثر من عام.

مشروع الموازنة جاء للتعامل مع آثار التحديات الاقتصادية الدولية والإقليمية والمحلية، بحسب ما تحدثت به وزيرة المالية طيف سامي، والتي ومن المقرر أن يركز على الأولويات التنموية، ودعم شبكة الحماية الاجتماعية، والفئات الأكثر احتياجا، فضلا عن توفير غطاء آمن للمشاريع الاستراتيجية والتنموية المستدامة.

بنود الموازنة

بحسب مسودة مشروع القانون، فإن النفقات المقترحة في الموازنة الجديدة تبلغ 197 تريليون و828 مليار دينار، ما يعادل 152 مليار دولار بحسب سعر الصرف الرسمي، فيما تشمل استثمارات بقيمة 47 تريليون و555 مليار دينار، ما يعادل 36.5 مليار دولار، في حين بلغت قيمة الاستثمارات المقترحة في موازنة 2021، 19.6 مليار دولار، وفي العام 2019 بلغت 27.8 مليار دولار.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أشار إلى إن هذه الموازنة سيجري تكرارها لثلاث سنوات، وأن هذه الأرقام قد يطرأ عليها تعديلات بموافقة “مجلس النواب” في حال وجود تغيرات بالأرقام أو أسعار النفط أو الكميات.

اقرأ/ي أيضا: شراكة الجزائر والصين.. تحدٍ جريء ضد استراتيجية الشمال الإفريقي؟

إلى ذلك، وبناء على اعتماد سعر برميل نفط 70 دولارا في مشروع قانون الموازنة، قد بلغ إجمالي إيرادات الموازنة المقترحة لعام واحد 134 تريليون و5 مليارات دينار، أي 103.4 مليارات دولار، في حين بلغ العجز في الموازنة الجديدة 63 تريليون و75 مليار دينار، حوالي 48 مليار دولار، في مقابل 19.8 مليارا في 2021 و23.1 مليارا في 2019.

ضمن ذلك أيضا، تم الاتفاق على إيداع الإيرادات الكلية للنفط المنتج ومشتقاته في حقول إقليم كردستان في حساب مصرفي واحد، لجميع الإيرادات دون أي استقطاعات لأي غرض كان، ويخول رئيس مجلس وزراء الإقليم أو من يخوله بصلاحية الصرف، وذلك مقابل تخصيص 12.6 بالمئة من حجم الموازنة إلى الإٍقليم بقيمة 197.828 تريليون دينار، وذلك بعد أن استمر الخلاف بين حكومتي أربيل وبغداد منذ العام 2014 على عائدات النفط التي ينتجها الإقليم.

في مقابل ذلك، سيغطى العجز من مجموعة مصادر، بحسب ما أفاد به المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، منها المبلغ المدور في وزارة المالية، من حصة حوالات الخزينة في “البنك المركزي”، وسندات وقروض داخلية ومصادر أخرى، فيما ستبلغ كميات صادرات النفط الخام في موازنة 2023، نحو 3.5 ملايين برميل يوميا منها 400 ألف برميل يوميا عن طريق إقليم كردستان، في حين يُنتظر أن يعلن البرلمان ملاحظاته على ما ورد في مشروع الموازنة، قبيل إقرارها، ورفعها إلى الرئيس للمصادقة عليها، وتحويلها إلى قانون نافذ.

مخاوف اقتصادية

أثناء ذلك، وفي الوقت الذي وصل فيه مشروع قانون الموازنة إلى “مجلس النواب” أول أمس الثلاثاء، لمناقشتها قبل التصويت عليها، يبدي خبراء مالية وقانون اعتراضاتهم حول البنود التي تضمنتها، لاسيما فيما يتعلق بزيادة الموازنة التشغيلية بنحو 10 تريليونات دينار عن موازنة عام 2020، إذ بلغت هذا العام نحو 75 بالمئة من إجمالي الموازنة العامة، والتي ستذهب على شكل مرتبات شهرية للموظفين والعاملين بالقطاع العام.

إذ لا يتيح القانون، بحسب خبراء، للعجز المالي في الموازنة أن يتجاوز 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما خالفته الموازنة الحالية، ووفق البنود التي تضمنتها، فإن العراق الذي يعتمد في وارداته بنسبة 95 بالمئة على النفط، سيكون مهددا في حال انخفضت أسعار النفط إلى دون الـ 50 دولار لسعر البرميل الواحد.

إن إقرار الموازنة المالية، يتطلب وصولها إلى “مجلس النواب” العراقي، بعد موافقة مجلس الوزراء على مسودة المشروع الذي تعده وزارة المالية، لتقرر رئاسية البرلمان بعد ذلك إدراجها في جدول أعمال الجلسات المقبلة، في غضون وقت لا يقل عن شهر ولا يزيد عن 45 يوما.

اقرأ/ي أيضا: مشاريع بكين في العراق.. التقاطع المظلم للمال الإيراني والتوسع الصيني

بناء على ذلك، فهذا يعني إن إقرار الموازنة وتحولها إلى قانون نافذ يتطلب تصويت “مجلس النواب”، بعد إبداء الملاحظات والتعديلات فيما إذ وردت. بمعنى أن عدم حصول توافق داخل قبة “مجلس النواب” حول التصويت على مشروع القانون من شأنه أن يعطل إقرار الموازنة، وكما هو متعارف عليه في العراق، الذي يعتمد المحاصصة السياسية في العملية السياسية، فإن التصويت يتطلب توافق الكتل السياسية.

مبدئيا، تحدثت مصادر عن وجود توافق من قبل القوى السياسية على حجم الموازنة، لكن هناك اختلاف على بعض بنودها الحالية، المتعلقة بأبواب الصرف، وكذلك على كيفية تحديد المحافظات الأكثر فقرا التي خصصت لها الحكومة موازنة تنموية، إلى جانب قلة المبالغ المخصصة للمحافظات المحررة من تنظيم “داعش”، لغرض إعمارها، حيث بلغت 500 مليار دينار وهو مبلغ قد لا يكفي لذلك، وينسحب هذا المثال على باقي قضايا الموازنة، لذلك يمكن أن تكون هناك تعديلات على بنود وأبواب عديدة من قبل “مجلس النواب” قبل التصويت عليها.

في السياق، تحدث النائب عن تحالف “الفتح” عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، في تصريحات صحفية عن أن اتفاق الكتل السياسية داخل “ائتلاف إدارة الدولة” سيسهل تمرير قانون الموازنة داخل “مجلس النواب”، معربا عن اعتقاده أن “مجلس النواب” سيصادق خلال فترة شهر أو 45 يوما على القانون.

الموازنة وعصى التوافق السياسي

الكاظمي قال في حديث لشبكة “رووداو”، “ائتلاف إدارة الدولة” الذي جمع الكتل الأساسية أصبح الضامن لاستمرار حكومة محمد شياع السوداني وتطور أدائها، بالتالي أن التوافق على مشروع قانون موازنة 2023 والسنوات القادمة إنجاز مهم لحكومة السوداني.

يشار إلى أن الانسداد السياسي الذي شهده العراق عطل اعتماد مشروع قانون الموازنة المالية للعام الماضي 2022، فأصاب ذلك أبرز القطاعات الاقتصادية بشلل تام، فضلا عن تأثيره الواسع على حياة المواطنين، في ظل اعتماد آلاف العمال على المشاريع الاستثمارية المرتبطة بتلك الموازنة.

الموازنات المالية في العراق تمثل الأداة الرئيسة لتحقيق السياسات العامة للدولة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الخدمية، وهي بمنزلة عرض لخطط الحكومة وبرامجها السنوية، التي تعدها استجابة للتحديات الحالية.

الموازنات تمنح الحكومات التخطيط الأفضل لبلوغ الحد الأقصى من الإيرادات، وإعادة تنظيم توزيعها وفق أولويات الإنفاق من أجل خدمة المجتمع، والأهم من ذلك فإن الموازنة تُعد أداة تنعكس فيها قوة ورمزية الدولة من خلال وصول الإنفاق إلى جميع الدوائر والمؤسسات وفق خطط الإنفاق التي توضع بطريقة تتوافق مع أولويات المواطن، وذلك يعني تعطل الجوانب الاقتصادية في حال عدم إقرارها.

لكن المخاوف من أن يتضارب إقرار الموازنة مع مصالح الأحزاب السياسية، وما يمكن أن تمثله الموازنات غير المدروسة، من أن تتعرض المالية العامة في العراق لأزمة خارج حسابات الدولة، مثل تلك التي حدثت عام 2020، عندما تفشى فيروس “كورونا” وهوت أسعار النفط إلى دون الصفر، حيث دخل الاقتصاد العراقي حينئذ في ركود اقتصادي نتيجة ارتباط معظم القطاعات الاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر بقطاع الصادرات النفطية، الأمر الذي وصل حدة تأخر تسديد رواتب الموظفين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.