استمع للمادة
|
ضجة واسعة أثارتها محكمة الجنايات الدولية بعد إصداراها مذكرة بتوقيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جريمة حرب في أوكرانيا، لتبدأ فور الإعلان عن المذكرة التساؤلات حول جدوى وتبعات هذه المذكرة، وردود الفعل المتباينة تتالى.
الجمعة الفائت، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية الجمعة مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جريمة حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين في شكل غير قانوني، وقالت المحكمة والتي مقرها لاهاي، إنها أصدرت أيضا مذكرة توقيف على خلفية تهم مماثلة في حق المفوضة الرئاسية الروسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا.
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قال إن مئات الأطفال الأوكرانيين نقلوا من دور الأيتام ودور رعاية الأطفال إلى روسيا، مؤكدا أن “كثيرا من هؤلاء الأطفال، بحسب ادعائنا، يجرى عرضهم للتبني في روسيا الاتحادية”، مضيفا أن “تغييرا في القانون الروسي جعل من السهل على الأسر الروسية تبني الأطفال، بينما كان الأطفال الأوكرانيون وقت ترحيلهم تحت حماية اتفاقية جنيف الرابعة”.
قرار يحدث جلبة
“الكرملين” من جهته وصف القرار بـ”الباطل”، في المقابل رحبت أوكرانيا بإعلان المحكمة، واعتبر رئيسها فولوديمير زيلينسكي، أن القرار “تاريخي”، في حين قال النائب العام الأوكراني من جهته إن المذكرة “التاريخية” بحق بوتين “ليست سوى البداية”.
أما الرئيس الأميركي جو بايدن، فقال إن مذكرة التوقيف الصادرة عن الجنائية الدولية بحق بوتين “مبررة”، ورد المتحدث باسم الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة “ليس لديها شك في أن روسيا ترتكب جرائم حرب وفظائع في أوكرانيا، ولقد كنا واضحين بقولنا إن المسؤولين عنها يجب أن يحاسبوا”.
على النسق ذاته، رحبت باريس وبرلين بخطوة المحكمة، وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، في مقابلة، إن إصدار المحكمة الجنائية الدولية قرار “بالغ الأهمية”، مضيفة أن “هذا القرار في منتهى الأهمية لأنه يعني أن أي شخص مسؤول عن جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية يجب أن يحاسب بغض النظر عن وضعه أو منصبه”.
أما المستشار الألماني أولاف شولتز، فرحب بدوره بقرار “المحكمة الجنائية الدولية” إصدار مذكرة توقيف بحق بوتين، قائلا إنه يظهر “ألّا أحد فوق القانون”، وتابع بأن “المحكمة الجنائية الدولية هي المؤسسة الصحيحة للتحقيق في جرائم الحرب، والحقيقة هي أنه لا يوجد أحد فوق القانون، وهذا ما أصبح واضحا الآن”.
بعيدا عن ردود الفعل، بدأ النقاش يتركز حول جدوى هذه الخطوة، وإمكانية تنفيذها من قبل المحكمة أي توقيف بوتين واحتمالية محاكمته في لاهاي، وفي هذا الإطار يقول عضو “هيئة القانونيين السوريين” المحامي المطلع على القانون الدولي، عبد الناصر حوشان، “هناك التزام قانوني على الدول الأعضاء في ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية بوجوب التعاون الدولي والمساعدة القانونية في تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة عنها”.
ميثاق المحكمة يعطيها سلطة تقديم طلبات تعاون إلى الدول الأطراف 123 دولة، وتحال الطلبات عن طريق القناة الدبلوماسية أو أية قناة أخرى مناسبة تحددها كل دولة طرف.
عند التصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام، ويكون على كل دولة طرف أن تجرى أية تغييرات لاحقة في تحديد القنوات وفقا للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، ويجوز حسبما يكون مناسبا إحالة الطلبات أيضا عن طريق المنظمة الدولية للشرطة الجنائية أو أي منظمة إقليمية مناسبة.
حوشان يؤكد لـ”الحل نت” أن للمحكمة أن تدعو أي دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي إلى تقديم المساعدة المنصوص عليها في هذا الباب على أساس ترتيب خاص أو اتفاق مع هذه الدولة أو على أي أساس مناسب آخر، وفي حالة امتناع دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي، عقدت ترتيبا خاصا أو اتفاقا مع المحكمة، عن التعاون بخصوص الطلبات المقدمة بمقتضى ترتيب أو اتفاق من هذا القبيل، يجوز للمحكمة أن تخطر بذلك جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة.
وعليه فالمحكمة لها الصلاحية أن تطلب إلى أي منظمة حكومية دولية تقديم معلومات أو مستندات، وللمحكمة أيضا أن تطلب أشكالا أخرى من أشكال التعاون والمساعدة يتفق عليها مع المنظمة وتتوافق مع اختصاصها أو ولايتها، في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي، ويحول دون ممارسة المحكمة وظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام يجوز للمحكمة أن تتخذ قرار بهذا المعنى وأن تحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو إلى مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة.
مذكرة توقيف بوتين .. “قنبلة” على المستوى الدولي
من المهم التذكير بأن روسيا ليست عضوا في محكمة الجنايات الدولية، ما يعني بطبيعة الحال عدم وجود أي احتمال لأن تسلم روسيا مواطنيها للمحكمة، فكيف هو الحال برئيسها بوتين.
لكن، مع ذلك يصف عبد الناصر حوشان المذكرة بـ”القنبلة السياسية الدولية”، ويقول: “المذكرة تطال رئيس دولة كبرى وعضوة دائمة في مجلس الأمن، وبالتالي نحن أمام خطوة سياسية، بمعنى الخطوة تستهدف سياسيا وقانونيا بوتين بقوته”.
بجانب ذلك، فإن المذكرة تشكل نوعا من الحرج لـ123 دولة عضو في نظام روما، حيث تضعها الخطوة أمام مسؤولياتها في تنفيذ واجباتها القانونية التي يفرضها التوقيع أو التصديق عليه، ومنها تنفيذ أوامر الاعتقال وتسليم المجرمين، وتقديم المعلومات والأدلة.
أستاذ الحقوق في جامعة “كولومبيا” الأميركية، ماثيو واكسمان، اعتبر أن مذكرة توقيف بوتين “خطوة مهمة للمحكمة”، واستدرك في حديثه لـ “وكالة الأنباء الفرنسية”، “لكن الاحتمالات ضئيلة في أن نرى بوتين موقوفا”.
لكن ثمة احتمالية وحيدة لمحاكمة بوتين بموجب المذكرة، وهي أن يتغير النظام في روسيا، كما تؤكد الأستاذة المساعدة في القانون الدولي العام في جامعة “ليدن” الهولندية، سيسيلي روز، بقولها: “إنه من غير المرجح أن ينتهي المطاف ببوتين في قفص الاتهام بسبب جرائم حرب ما لم يتغير النظام في روسيا”.
ومع ذلك، ستصعب المذكرة السفر على بوتين، رغم أنه نادرا ما تقوم الدول الأعضاء بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، خصوصا عندما يتعلق الأمر برئيس دولة على غرار بوتين.
مفاعيل رمزية لمذكرة المحكمة
رئيس “تجمع المحاميين السوريين”، غزوان قرنفل، يرى في حديثه لـ”الحل نت”، أن قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد بوتين له رمزية حقوقية ومفاعيل سياسية أكثر مما له أثر قانوني ملموس.
ليس من المتصور أن تقوم دول متواضعة الوزن الدولي بتنفيذ تلك المذكرة، حتى لو كانت من الدول الموقعة على ميثاق روما الناظم لتلك المحكمة، نظرا لخطورة ذلك عليها باعتبار أن الأمر يخص رئيس دولة عظمى “نووية” ودائمة العضوية في مجلس الأمن.
أما الدول الكبرى القادرة على فعل ذلك، فبوتين لن يزورها أصلا ولا هي ستفعل، كما يؤكد قرنفل. مضيفا: “بالتالي المراد من هذه الخطوة هو إرسال رسالة قوية تهدف لوضع سقف لتوقعات روسيا بشأن أي حل يخص المسألة الأوكرانية ورسالة للروس فحواها أن كل الحلول ممكنة بدون بوتين”. مختتما بقوله: “لذلك المسألة لها أبعاد سياسية وحقوقية رمزية”.
إلى الآن، لم توضح المحكمة الإجراءات التي ستتخذها بعد إصدار المذكرة بحق بوتين، والمعطيات تؤكد أن الخطوة تأتي في إطار الضغوط المتزايدة التي يمارسها الغرب على روسيا لدفعها إلى وقف غزو أوكرانيا المستمر منذ 24 شباط/فبراير 2022، لكن ردود فعل روسيا على المذكرة لا توحي للآن بأن موسكو بصدد تغيير سلوكها في أوكرانيا، أو في أي مسألة خلافية أخرى.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
الأكثر قراءة

ماذا تعرف عن “قوات الدعم السريع” وقائدها الذي يشن حرباً ضد الجيش في السودان؟

الزيارات العربية إلى سوريا.. دلالات سياسية أم تكنيك دبلوماسي؟

الزلزال المدمّر.. هل يشكل بيئة خصبة للإرهاب في سوريا؟

زلزال تركيا وسوريا.. هل يغير تقنيات الإنشاء العمراني في الشرق الأوسط؟
المزيد من مقالات حول تقارير

زيارة الأمير رضا بهلوي إلى إسرائيل.. بداية الصعود السياسي أم أنها السقوط المبكر؟

التنافس على صناعة الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط

واقع ومستقبل الإمارات في سوق الغاز الدولية

حظوظ سليمان فرنجية باتت مرتفعة.. هل ينهي انتخابه رئيسا للبنان الأزمة الاقتصادية؟

موارد اقتصادية ضخمة للجزائر من خلال الطاقة

اجتماع عمَّان خالف التوقعات.. على ماذا اتفق الوزراء الخمس؟

متخصصة بتبييض الأموال وتجارة المخدرات.. ما مصلحة الصين من دعم “الكارتلات المكسيكية”؟
