في كل مرة تتعرض فيها روسيا لخسائر عسكرية واقتصادية بوتيرة متصاعدة، تعود القيادة في موسكو إلى التلويح بورقة استخدام الأسلحة النووية لتحقيق أهدافها العسكرية في أوكرانيا، ولتهديد الغرب والولايات المتحدة الأميركية، إذ تقول هذه المرة إنها تسعى إلى تطوير استراتيجية عسكرية من نوع جديد تستخدم فيها الأسلحة النووية لحماية البلاد، مما تقول إنه عدوان أميركي محتمل.

على الرغم من اتجاه الحرب بين روسيا والغرب خلال الأشهر الماضية، إلى استراتيجية الحرب الباردة والمواجهات المتعلقة بالاقتصاد والطاقة، إلا أن فقدان روسيا للعديد من أوراقها وتراجعها على المستوى العسكري، جعلها تعود إلى سياسة التهديد، خاصة بعدما انسحبت من معاهدة “نيو ستارت” مع الولايات المتحدة الأميركية، التي تجبر كافة الأطراف على الحدّ من نشر الأسلحة النووية.

لكن على ما يبدو هناك رغبة جديدة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تسخين الحرب الباردة خلال الفترة القادمة، فتحدث عن استراتيجية عسكرية تسمح له باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية، فيما إذا شعر أن هناك تهديد لأمن روسيا القومي، فإلى ماذا تسعى روسيا من خلال هذه التهديدات وما احتمالية إشعال الحرب بالأسلحة النووية.

تفنيد التهديدات النووية

في حالة اندلاع حرب نووية ستسبقها بالتأكيد العديد من التصريحات والتهديدات، لكن محلّلون أكدوا أن تكرار التهديدات باستخدام الأسلحة النووية على الرغم من خطورتها، يُفقد على الجانب الآخر قيمة هذه التهديدات، خاصة بالنظر إلى التوقيت الذي يُطلق فيها بوتين هذه التهديدات وتزامنها مع خسائر متزايدة لروسيا على الصعيدين العسكري والاقتصادي.

التأهب الروسي لاحتمالية استخدام السلاح النووي، كشفت عنه مجلة “فوينايا مايسا” الروسية، في مقال نقلته وسائل إعلام روسية، حيث يبرر المقال التهديدات الروسية، باحتمالية وقوع عدوان محتمل من قبل الولايات المتحدة الأميركية يستهدف روسيا، بالتالي “تسعى موسكو إلى تطوير شكل واعد من الاستخدام الاستراتيجي للترسانة العسكرية لروسيا، وذلك يقتضي إلى استخدام الأسلحة الهجومية والدفاعية والأسلحة النووية وغير النووية مع الأخذ بالحسبان أحدث التقنيات العسكرية”.

على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تهدد بها روسيا بالسلاح النووي، إلا أنه لا يجب ربما أن تستخف باقي الدول بهذه التهديدات، خاصة بعد انسحاب موسكو من “نيو ستارت”، كذلك فإن موسكو تسعى لتوجيه رسائل متجددة للولايات المتحدة أن استمرار ضرب روسيا على مختلف الأصعدة وزيادة العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية، سيدفعها ربما بشكل جدّي إلى الخيار النووي.

ذلك يؤكد أن روسيا  بقيادة فلاديمير بوتين، بدأت تدرك حقيقة عدم إمكانية تحقيق النصر السريع في أوكرانيا، مثلما كانت تعتقد عندما بدأت عدوانها في 24 شباط/فبراير من العام 2022، فالخسارات العسكرية والاقتصادية لموسكو، جعلتها تعيد حساباتها مرة أخرى، والتهديدات النووية ما هي إلا دليل على وصول بوتين إلى مرحلة اليأس من الانتصار في هذه الحرب.

أسباب التصعيد الروسي

خبير حفظ السلام الدولي وضابط الاتصال السابق بحلف “الناتو” في البلقان الدكتور أيمن سلامة، رأى أن التهديدات الروسية المتجددة باستخدام السلاح النووي مرتبطة بشكل مباشر بما يجري في الميدان العسكري، وتحديدا في مدينة باخموت الأوكرانية، مشيرا إلى أن احتمالية استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية أصبحت واردة ولا يجب على الغرب أن يستخف بهذه التهديدات.

قد يهمك: إعاقة الإغاثة الإنسانية لمتضرري الزلزال.. المضاعفات الإيرانية سر اللغز؟

فمدينة باخموت شرقي أوكرانيا، تشهد منذ أيام معارك عنيفة بين القوات الأوكرانية، ومجموعات تابعة لميليشيا “فاغنر” الروسية، التي تحاول بسط سيطرتها على المدينة الاستراتيجية، وتقول إنها دخلت المدينة، لكن وفقا لتقرير نشره موقع “العربية نت” فإن “الميدان كذّب مرة جديدة مجموعة فاغنر الروسية التي أعلنت أمس أنها أضحت في قلب مدينة باخموت بإقليم دونيتسك شرق أوكرانيا”.

سلامة ربط التهديدات الروسية بما يجري في باخموت، وقال في حديث خاص مع “الحل نت”، “تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باستخدام السلاح النووي، في حال تهديد الأمن القومي الروسي أو لردع أي تهديدات خارجية، تأتي في سياق وبالتوازي مع معركة باخموت في أوكرانيا حامية الوطيس، فبالرغم من محاصرة فاغنر تقريبا للمدينة المفتاحية والاستراتيجية المهمة لأوكرانيا لكن بوتين وقيادته العسكرية سواء كانت في موسكو أو ساحة المعركة، يدركون تماما أنه ليس هناك يقين بحسم المعركة خلال فترة قريبة، فضلا عن أنه هناك أيضا خسائر في صفوف القوات الروسية في هذه المعركة”

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحلقته القريبة منه، أدرك أن كل دقيقة تستمر فيها الحرب يعني خسائر متزايدة لروسيا على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، خاصة مع زيادة العزلة الدولية، وارتفاع وتيرة الخسائر الاقتصادية التي لم تعد تستطيع موسكو تعويضها، بقدر ما يستطيع “الناتو” والمحور الغربي تعويض خسائر الحرب بالنسبة لأوكرانيا.

سلامة أوضح أن هناك توجّه أميركي للتعامل بجدّية هذه المرة مع التهديدات الروسية، خاصة بعد تصريح رئيس “وكالة الاستخبار الأميركية” وليام بيرنز، الذي قال إن التهديد الروسي المتعلق باستخدام الأسلحة النووي لا يجب على واشنطن الاستخفاف به، خاصة وأنه يأتي في ظل نكسات وهزائم تلقّتها القوات الروسية خلال الأسابيع الأخيرة على مختلف الأصعدة.

أسلحة نووية تكتيكية؟

هنا تجدر الإشارة إلى أن التهديد الروسي الأخير شمل الأسلحة “النووية التكتيكية”، وقد لفت سلامة إلى أن هذه الأسلحة هي منخفضة القوة والتأثير ومنحصرة الضرر، فيما إذا تمت مقارنتها بالأسلحة النووية الاستراتيجية، لذلك يمكن لروسيا أن تلجأ إلى هذا القرار في حال شعرت باليأس والهزيمة أمام النكسات المتتالية في أوكرانيا.

حتى الآن لم تطلق أي جهة حول العالم، أدلة يقينية تؤكد أن روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، ستلجأ فعلا إلى الخيار النووي في الحرب، في وقت قال فيه سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، إن بلاده لن تكون الطرف البادئ بإجراء تجارب نووية، بعد تعليق موسكو لمعاهدة “نيو ستارت”

التهديدات الروسية، لاقت ردود فعل من قبل دول تحالف “كواد”، الذي دان بيان صادر عنه تهديد روسيا باستخدام السلاح النووي في حرب أوكرانيا، وقال وزراء خارجية دول ما يُعرف بتحالف “كواد” الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، عقب اجتماعهم الجمعة في العاصمة الهندية نيودلهي، إن تهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية في حربها على أوكرانيا أمر غير مقبول.

حتى الآن تبدو مستبعدة فكرة اندلاع حرب نووية، فروسيا تلوّح بهذه الورقة في محاولة لتجنّب الهزيمة في الحرب الأوكرانية، وربما سنسمع العديد من التهديدات النووية، كلما اقترب المحور الغربي من هزيمة القوات الروسية، لكن موسكو حتى الآن لم تحقق أيّا من أهداف هذا التهديد، خاصة مع استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا، واستمرار توجيه الضربات لروسيا على مختلف الأصعدة.

أما الجانب الغربي، فقد اتخذ سياسة منذ أشهر في صد العدوان الروسي، بما يضمن إلى أقصى حدّ عدم لجوء روسيا للخيار النووي، وذلك عبر تحقيق التوازن العسكري في أوكرانيا، وجرّ روسيا إلى حرب استنزاف على المستويين العسكري والاقتصادي، وهو ما نشهده منذ أشهر، حيث أن استمرار الحرب وعدم حسمها يُعد بمثابة خسائر إضافية لموسكو.

بالتأكيد فإن التعامل الجاد مع التهديدات الروسية مطلوب، لكن المحللون يجمعون على أن استخدام الأسلحة النووية، لا يمكن أن يمثل مصلحة لأحد، ولذلك لن يكون خيارا مطروحا في المدى القريب أو المتوسط، لكن ربما استمرار النكسات الروسية، ستدفع ربما موسكو إلى القبول بالحلول التفاوضية، بما يضمن انتهاء الحرب على أن يتم التوافق بين روسيا والمحور الغربي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.