النفوذ الإيراني المتمدد في مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية، كان وما زال منذ سنوات أحد أبرز أسباب عرقلة وصول المساعدات إلى مستحقيها في تلك المناطق، فضلا عن أن انتشار ميليشيات إيران في المنطقة جعل العديد من المنظمات الإنسانية الدولية تتحفظ على العمل خوفا إما على كوادرها الإنسانية أو حتى من سرقة المساعدات وتسييس توزيعها.

منذ اندلاع كارثة الزلزال في سوريا وتضرر العديد من المناطق السورية لا سيما في مناطق الشمال، لا يزال المتضررون يعيشون أوضاعا إنسانية بالغة في الصعوبة، هذا على الرغم من إعلان العديد من الدول إرسال كميات كبيرة من المساعدات، وسط أنباء عن قيام الحواجز العسكرية بسرقة جزء من المساعدات علاوة على التدخل بكيفية توزيعها.

انتشار الميليشيات الإيرانية داخل العديد من المدن السورية، يثير التساؤلات حول مصير المساعدات الإنسانية التي يتم إرسالها في إطار مواجهة كارثة الزلزال، ودور الميليشيات الإيرانية في عدم وصول المساعدات إلى مستحقيها، فضلا عن سرقتها أو تسييس توزيعها، فكيف يعيق الانتشار الإيراني في سوريا سير العملية الإنسانية في البلاد.

سرقة المساعدات في حلب

مدينة حلب أحد أهم مناطق وجود مقرات الميليشيات الإيرانية، ما يزال المتضررون من الزلزال يعيشون فيها تحت وطأة الأزمة، حيث تتوزع عشرات العائلات المتضررة على مراكز إيواء عشوائية، ولم يلاحظ أثر للمساعدات الإنسانية التي وصلت على مدار الأسابيع الماضية، ووفق تقارير صحفية فإن تلك العائلات وبجهود فردية عمدت إلى نصب الخيام بجانب المنازل في العديد من الأحياء الشرقية للمدينة، هربا من منازلهم المعرّضة للسقوط وخوفا من هزات ارتدادية قادمة.

كارثة الزلزال، أكدت الحديث المتداول منذ سنوات، حول التأثير الإيراني المتمدد في العديد من المناطق السورية، وتدخل الميليشيات في إدارة العديد من الجوانب الحيوية للبلاد، وذلك بعد سيطرتهم بشكل مباشر على العديد من القطاعات، وإشرافهم على المؤسسات الخيرية التي يموّلونها لدعم مشاريعهم التوسعية.

خلال عمليات الإنقاذ تصدرت شخصيات إيرانية المشهد في حلب على حساب مسؤولي الحكومة السورية، حيث أوضحت جولة القنصل الإيراني نواب نوري، بين الأحياء بعد حدوث الكارثة، مدى هيمنة النفوذ الإيراني في المحافظة السورية، وتبعتها أيضا جولة قائد فيلق “القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وبدى كأنه مشرفا على الآليات الإيرانية التي شاركت في عمليات الإنقاذ.

من المطار إلى مستودعات الميليشيات

بحسب تقرير نشره موقع “تلفزيون سوريا”، فإن شحنات المساعدات القادمة إلى حلب عبر مطار حلب الدولي، تم الإشراف على عمليات تفريغها ونقلها إلى المستودعات داخل الأحياء، من قِبل مجموعات تابعة لـ”لواء الباقر” التابع للميليشيات الإيرانية، وبالطبع كان لمراكز الإيواء التي افتتحتها إيران في حلب الحصة الأكبر من هذه الشحنات.

ما ذكرته التقارير القادمة من مناطق الكارثة، تؤكد وجود تدخل واضح من قبل الميليشيات الإيرانية في العملية الإنسانية في سوريا، وفضلا عن السرقات العشوائية من قِبل الحواجز، فإن هناك تسييس واضح من قبل المجموعات القائمة على التوزيع، في غياب كامل لفرق إنسانية محايدة، تملك آليات إنسانية للتوزيع بما يضمن إيصال المساعدات لمستحقّيها.

إيران استغلت الكارثة لتتصدر المشهد وتزيد من هيمنتها على القطاعات الحيوية والإنسانية في حلب، فسيطرت على القسم الأكبر من المساعدات القادمة من الدول ومنعت المنظمات المحلية الإنسانية من الإشراف على توزيعها، كما اهتمت القنصلية الإيرانية بالإشراف على العديد من مراكز الإيواء التابعة لها، وتخصيص المساعدات القادمة إلى هذه المراكز.

انتشار الميليشيات الإيرانية في حلب وغيرها، كان السبب الرئيسي في عرقلة العملية الإنسانية وتسييّسها في سوريا، فضلا عن السرقة العشوائية التي حصلت من قبل الحواجز التابعة لها، وقد أصبحت الحاجة ملحّة لوجود مشروع وآلية محايدة من أجل مراقبة المساعدات في سوريا وضمان وصولها لمستحقيها وعدم تسييسها.

افتقاد هذه المجموعات المسلحة لآليات العمل الإنساني ساهم أيضا في نشر الفوضى بتوزيع المساعدات، فضلا عن السرقات التي وثّقها الأهالي من قبل الحواجز العسكرية التابعة لها، وقد استخدمت إيران سطوتها العسكرية للسيطرة على المساعدات القادمة برّا من العراق وجوا عبر المطار الدولي، لتتجه بعدها لاستخدام هيمنتها في المدينة من أجل توزيع المساعدات على مراكز الإيواء التابعة لها.

قد يهمك: الجزائر ترفع إنتاج الغاز بـ 10 مليارات متر مكعب.. فشل الخطة الروسية لخفض الإنتاج؟

من مشاهد تسييس العمل الإنساني في سوريا من قبل الميليشيات الإيرانية، كان تفضيل القائمين على مراكز الإيواء الإيرانية للعوائل المقربة من عناصر ميليشياتهم، لاستقبالهم في المراكز وتقديم المساعدة لهم، وذلك بصرف النظر عن أولويات الحاجة العامة، ما يعني أن كثيرا من العوائل السورية المتضررة غير المرتبطة بتلك الميليشيات بقيت في الشوارع والخيم ولم يسمح لها بدخول مراكز الإيواء.

التقرير المشار إليه سابقا، لفت إلى أنه “من أصل 250 شقة سكنية في حي مساكن هنانو أنشأها مجلس مدينة حلب في الفترة بين عامي 2018 و2022، حصلت العائلات المقربة من القوى والميليشيات الإيرانية على أكثر من 70 بالمئة من الشقق، في حين وُزعت باقي الشقق على مقرّبينَ من مسؤولين في المجلس وموظفي البلدية والمحافظة”.

الهيمنة الإيرانية ساهمت في تحفّظ العديد من المنظمات الإنسانية فيما يخص العمل داخل سوريا، فضلا عن أن المساعدات التي تم إرسالها حتى الآن لم يتم مشاهدة أثرها على أرض الواقع، في وقت تواجه المجموعات المسلحة التابعة للواء “الباقر” الذي أشرف على التوزيع، اتهامات تتعلق بسرقة المساعدات، وتحدثت شهادات عن توزيع جزء صغير فقط من المساعدات القادمة، في حين احتفظت مجموعات اللواء بكميات كبير في المستودعات.

المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بسام الأحمد، رأى أن تدخّل المجموعات المسلحة في أي عملية إنسانية، من شأنه عرقلة وصول المساعدات إلى مستحقّيها، مشيرا إلى أن الوضع الإنساني في سوريا، أصبح بحاجة لآلية مراقبة دولية على المساعدات التي تمنحها الجهات الدولية والحكومات.

بسام الأحمد قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “في أيّ مكان تتدخل فيه المجموعات المسلحة بالعمل الإنساني تنتشر فيه السرقة والفساد، وإيران تهيمن على مناطق سورية بأكملها خاصة في حلب وبعض مناطق الجنوب وتتدخل في العمل الإنساني، لذلك لم نرى وصول المساعدات لمستحقّيها، يجب أن تكون هذه الأحداث فرصة لإنشاء آلية مراقبة لجميع المساعدات الإنسانية لضمان وصولها إلى مَن تستحق ولا يكون هناك أي نوع من أنواع العرقلة أو التسيس أو سرقة المساعدات، كذلك على المنظمات الإنسانية أن تضغط بهذا الاتجاه”.

مشروع لمراقبة المساعدات؟

يبدو أن العملية الإنسانية في سوريا باتت تتطلب أكثر من أي وقت مشروع أممي محايد من أجل مراقبة المساعدات الإنسانية وضمان وصولها إلى مستحقيها، خاصة في ظل ورود تقارير أخرى تتحدث عن استغلال إيران للعملية الإنسانية، لإرسال شحنات من الأسلحة عبر الأراضي السورية، وبالتالي فإن مشروع القرار الأميركي الذي تم الإعلان عنه قبل أيام قد يكون الأنسب لضمان وصول المساعدات بشكل سليم.

شبكة “فوكس نيوز” الأميركية، أفادت في تقرير أن كارثة الزلزال، تقلق المسؤولين الإسرائيليين، حول إمكانية إرسال طهران أسلحة ومعدات عسكرية إلى “حزب الله” اللبناني، مستغلة قوافل المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وفي وقت لم يتم التأكد من قيام إيران بهذه الخطوات حتى الآن، فإن مراسل “هيئة الإذاعة الإسرائيلية العامة”، نشر عبر صفحته على “تويتر” تسجيلا مصوّرا يظهر ما قال إنها “ميليشيات موالية لإيران في العراق ترافق توصيل قافلة مساعدات لضحايا الزلزال في سوريا”.

ملف المساعدات الإنسانية في سوريا، شهد استغلالا وتسييّسا كبيرا من قبل دمشق وطهران خلال الأسابيع الماضية، فدمشق عمدت كذلك إلى استغلال الكارثة من أجل محاولات الالتفاف على العقوبات الأميركية المتعلقة بتجارة المخدرات وملفات جرائم الحرب، كل ذلك جعل الولايات المتحدة الأميركية تدرس تمرير قرار لمراقبة المساعدات إلى سوريا، وضمان عدم استغلالها من قِبل الأطراف السياسية.

في السياق، حظي مشروع القرار الأميركي الإثنين بموافقة “مجلس النواب” الأميركي، ونصّ على تفعيل الأدوات الأميركية لوقف كل محاولات الالتفاف على العقوبات، وزيادة الرقابة على المساعدات بما يضمن وصولها إلى مستحقّيها، والوقوف بوجه المساعي الرامية إلى إعادة العلاقات مع دمشق بحجة تقديم المساعدات للمتضررين من كارثة الزلزال، كما حثّ المجتمع الدولي على تقديم الاستجابة للكوارث في تركيا وسوريا، وبشكل خاص الدفاع المدني السوري، وأكد القرار أن دمشق أعاقت وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، واستخدمت كارثة الزلزال “بشكل مخجل” للدعوة إلى رفع العقوبات الأميركية، رغم أن الادعاءات المتعلقة بعرقلة العقوبات لوصول المساعدات عبارة عن أكاذيب، بحسب ما جاء في نص القرار.

الوجود الإيراني كان سببا أساسيا، في عرقلة العملية الإنسانية في مناطق الزلزال، إن كان عبر السرقة أو تسييس التوزيع، فضلا عن مخاوف الدول من التعامل مع الميليشيات الإيرانية الموضوعة أصلا على اللوائح السوداء حول العالم، ذلك ما يضع دمشق أمام اختبار كبير، وفيما اذا كانت تريد فعلا المساعدة في إيصال المساعد للمتضررين، فإن عليها السماح لفرق محايدة بهدف الإشراف على مراقبة قوافل الإغاثة وضمان وصولها لمستحقيها بدون تدخل جهات عسكرية أو سياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.