في الوقت الذي يتجنب فيه العالم الانزلاق إلى مواجهات عسكرية كبرى، لاسيما في ظل حالة التوتر الذي تسبب به الغزو الروسي لأوكرانيا، جاءت حادثة إسقاط مقاتلة روسية لطائرة مسيّرة أميركية من دون طيار، لتزيد من حدة التحذيرات من أن يتطور الأمر بين واشنطن وموسكو إلى حد المواجهة المباشرة.

المخاوف تزايدت مع اعتراض طائرتين عسكريتين بريطانية وألمانية مقاتلة روسية بعد دخولها المجال الإستوني التابع لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهي الحادثة التي تبعت إعلان وزارة الدفاع الأميركية فقدان مسيّرة بعد اصطدام مقاتلة روسية بها فوق البحر الأسود، الأمر الذي جدد فرص الحديث عن صدام مباشر بين الغرب وروسيا.

الطائرة المسيّرة من طراز “إم كيو-9″، سقطت في المياه الثلاثاء الفائت، وقالت الولايات المتحدة إنها أسقطت بعد أن أصبحت “غير قادرة على الطيران” عندما أتلفت طائرة روسية مروحتها، كما سلط الحادث الضوء على الخطر المتزايد للمواجهة المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة بشأن حرب أوكرانيا.

حيثيات إسقاط روسيا للمسيرة الأميركية

المسيّرة الأميركية، بحسب مسؤولين أميركيين، قد أسقطت صباح الثلاثاء، عقب مواجهة استمرت بين 30 و40 دقيقة، إذ إنها وقبل وقوع الاصطدام عدة مرات، ألقت طائرات روسية وقودا على الطائرة المسيّرة بطريقة متهورة وغير سليمة بيئيا وغير احترافية، لذلك أصبحت المسيّرة الأميركية غير قابلة للتحليق ولا يمكن السيطرة عليها، ما دفع مشغليها إلى إسقاطها، مؤكدين أن الاصطدام أدى على إلحاق ضرر بطائرة روسية.

في مقابل ذلك، روسيا نفت ملامسة المقاتلتين التابعتين لها من طراز “سو-27” للطائرة المسيّرة الأميركية، ودعت وزارة الدفاع الروسية أن الطائرة المسيّرة تحطمت بعد مناورة حادة، كانت تحلق مع إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها، وهي الأجهزة الخاصة بالإرسال والاستقبال والتي تسمح بتعقب الطائرة.

اقرأ/ي أيضا: إنجاز مشروع الموازنة العامة.. هل يصطدم بمصلحة الأحزاب العراقية؟

الاعتداء الروسي، ضاعف من حدة التوترات بين الجانبين الروسي والأميركي، والذي تتصاعد بينها وحلفائهما حدة التوترات في منطقة البحر الأسود منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

بالتالي تثير هذه الحوادث قلقا كبيرا من أن تؤدي إلى مشكلة أكبر، خصوصا وأنه كثيرا ما تقوم المقاتلات الروسية بعمليات اعتراض جوي للطائرات الأميركية وغيرها من طائرات الحلفاء فوق البحر الأسود، بالإضافة إلى مناطق أخرى تحلق فيها الطائرات الغربية والروسية في المجال الجوي المجاور، من بحر البلطيق إلى قبالة ساحل ألاسكا.

حول ذلك يقول العقيد العسكري المتقاعد شاكر الجبوري، إن اعتراض المقاتلات الروسية للطائرة المسيّرة الأميركية يُعد عملا استفزازيا، تحاول من خلاله روسيا جر العالم إلى طاولة حوار تخرج فيها من مأزق الحرب الأوكرانية، مبيّنا أن روسيا باتت في موقف حرج في غزوها لأوكرانيا وأن الغروب حسب المعطيات لا يبدي أي تعاون في إنهاء حالة الحرب بما يسمح لموسكو فرض الأمر الواقع على المناطق الأوكرانية التي سيطرت عليها.

روسيا أدركت أنها لم تعد قادرة ولا المساحة تسمح بالتوغل أكثر في المجال الأوكراني بعد صمود الجيش الأوكراني بدعم من العالم الغربي. بالتالي صنّاع القرار الروس يعلمون أنه كلما طال أمد المعركة ستكون هناك خسائر أكبر على مستوى إرهاق الجيش الروسي، ومستوى الاقتصاد تحديدا، كما يرى الجبوري. الذي أشار إلى أن روسيا في أمس الحاجة إلى الاقتصاد القوي.

الخسائر الروسية

الجبوري أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن روسيا تخوض سباقا في التسلح والتكنولوجيا، لذلك فإن استمرار العقوبات ضدها ومضاعفتها سيجعلها تخسر الكثير في هذين السباقين، بالتالي هي تريد مخرجا مهمّا يضمن لها ما حققته طيلة أكثر من عام على القتال، لكن الغرب وأميركا تعيان جيدا المكاسب التي حققتها روسيا في تلك الحرب، لذلك هي تحاول الضغط عليها قدر المستطاع من خلال الاستنزاف والعقوبات في إعادتها إلى تموضعها الطبيعي بعيدا عن حدود تحالف “الناتو”، على اعتبار أن التواجد الروسي في مقربة من حدود حلف “الناتو” يمثل تهديدا للأمن القومي للحلف.

هناك في الحرب كما يتحدث الجبوري، حالة يمكن اللجوء إليها أحيانا وهي زيادة حدة التوتر وضراوة المعارك قدر المستطاع، بما يجبر أطراف الحرب الركون إلى الحوار، والابتعاد عن منطق القتال، وهو على ما يبدو ما تفعله روسيا من خلال زيادة حدة التوتر مع خصومها، مشيرا إلى أن حادثة إسقاط الطائرة لها أبعاد أخرى مثل منع الولايات المتحدة الأميركية من جمع المعلومات.

اقرأ/ي أيضا: الحزمة الثالثة لتسهيل الحصول على الدولار.. هل تعيد الاستقرار لسعر الصرف بالعراق؟

العقيد العسكري المتقاعد لفت إلى أن منطقة البحر الأسود تُعد في غاية الأهمية على مستوى ساحة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مبيّنا أنه إذا ما عدنا لتشخيص عوامل التفوق الأوكراني، أو لنصِفه بالصمود أمام القوة الروسية الكبيرة، سيكون من ناحية التفوق بجمع المعلومات، وكما نعلم أن اعتماد كييف في حربها على المعلومات التي تُقدَّم لها من الجانب الأميركي في هذه الحرب، ولذا قد تكون الطائرة الأميركية في مهمة جمع معلومات، وهو ما استفز الجانب الروسي الذي لا زال يدفع فاتورة عدم امتلاك معلومات بحجم التي تمتلكها أميركا، بل وحتى التقنيات المستخدمة في جمع المعلومات.

على الرغم من عدم استبعاد زيادة حدة التوتر بسبب حادثة اسقاط الطائرة، إلا أن إمكانية تحولها إلى مواجهة مفتوحة غير مطروح حاليا.

لأن ذلك بنظر الجبوري يرجع لعدم حاجة الجانب الغربي إلى هذه الحرب التي لا يزال يراهن على حسمها من خلال التفوق التقني واللوجستي، مشيرا إلى أن مثل هذه الحوادث قد تتكرر كثيرا في المستقبل، فيما اختتم حديثه بالقول، إن قضية انعكاس الحادثة على الوضع في شبه جزيرة القرم أمرٌ مستبعد في الوقت الحالي، لأن الغرب وأوكرانيا منشغلين بالوقت الراهن في إعادة السيادة الكاملة على الأراضي التي سيطرت عليها روسيا خلال العام الماضي، لذلك من المستبعد فتح جبهة ثانية.

في سياق ذا صلة، تعهد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بأن الجيش سيواصل الطيران والعمل بمقتضى ما يسمح به القانون الدولي، وقال لمجموعة الاتصال الأوكرانية “يتحتم على روسيا تشغيل طائراتها بطريقة آمنة واحترافية”، وذلك في الوقت الذي كان فيه السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف، قد صرّح عقب استدعائه لمحادثات مع مسؤولين في واشنطن، أن موسكو تعتبر حادث الطائرة المسيرة “استفزازا”، وأنه من وجهة نظر “الكرملين”، يُعتبر النشاط غير المقبول للجيش الأميركي على مقربة شديدة من حدود روسيا مدعاة للقلق.

سلوك متهور ومزايا الـ “ريبر”

ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي، وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية، اعتبر في تحليل أن سلوك الطيارينَ الروس في هذا الحادث غير مهني وخطير ومقلق، لكنه ليس غير عادي، إنه مجرد حادث آخر في سلسلة طويلة من السلوك المتهور للطيارينَ الرّوس الذي يسبق حتى وقوع الحرب الحالية في أوكرانيا.

يشار إلى أن الطائرات الروسية والأميركية قد نشطت فوق البحر الأسود خلال الحرب في أوكرانيا، لكن هذا هو أول احتكاك وتصعيد خطير محتمل في وقت حرج من القتال، بيد أن الولايات المتحدة كانت تشغل طائرات “إم كيو-9” المعروفة بـ “ريبر” بدون طيار فوق البحر الأسود منذ ما قبل بداية الحرب، مستخدمة طائرة استطلاع بدون طيار لمراقبة المنطقة.

إن الطائرة كانت في مهمة روتينية في المجال الجوي الدولي عندما حاولت طائرتان روسيتان اعتراضها، وبحسب سلاح الجو الأميركي، الذي نقل عنه موقع “بي بي سي” عربي، أن الطائرة تُستخدم في جمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ عمليات ديناميكية ضد أهداف متحركة، وبالنظر لتحليقها لفترة طويلة، ووجود أجهزة استشعار واسعة النطاق، فضلا عن مجموعة اتصالات متعددة الأوضاع، وأسلحة دقيقة، فإنها توفر قدرة فريدة على تنفيذ ضربات وأعمال تنسيق واستطلاع ضد أهداف عالية القيمة.

كذلك الطائرة التي يبلغ طول جناحيها 20 مترا، قادرة على أداء مهام الاستخبارات، والمراقبة والاستطلاع، والدعم الجوي القريب، وعمليات البحث والإنقاذ القتالية، والضربات الدقيقة، التوجيه بالليزر، مرافقة ومراقبة الغارة، التطوير المستهدف، والإرشاد الجوي النهائي، كما تتمتع بقدرة تجعلها مؤهلة بشكل فريد للقيام بعمليات حربية غير نظامية لدعم أهداف التوجيه الجوي.

كما يمكن أن تطير طائرة “ريبر” بدون طيار على ارتفاع يصل إلى 50000 قدم، وفقا لسلاح الجو، ولديها أجهزة استشعار وقدرات لجمع المعلومات وإجراء الاستطلاع لفترات طويلة من الوقت، مما يجعلها منصة مثالية لتتبع الحركات في ساحة المعركة وفي منطقة البحر الأسود.

وسط، ذلك أثارت حادثة إسقاط الطائرة المسيرة الأميركية حالة من تبادل الاتهامات بين الجانبين الروسي والغربي، إلا أن أنه ووفق المعطيات الحالية، فعلى ما يبدو أن تطور هذه الاتهامات إلى مرحلة الصدامات أمرا مستبعدا، بقدر ما ستعزز الموقف الأميركي الذي سيصر على العمل في منطقة البحر الأسود، بما يعزز موقفه أمام شركائه في حلف “الناتو”، وبالنظر إلى عدم مقدرة روسيا في جر الصراع إلى مستوى المواجهة مع الغرب حاليا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.