على وقع تردي الأوضاع المعيشية والارتفاع الكبير لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، خرج العديد من المواطنين اللبنانيين إلى الشوارع غاضبين بسبب ما يحصل، ليعمدوا إلى قطع مجموعة من الطرقات وإغلاق بعض المؤسسات يوم الثلاثاء الماضي، في العاصمة بيروت وشمال لبنان وشرقه.

فشل “المصرف المركزي اللبناني” في احتواء سعر الصرف، الذي خرج من معدلات تدهوره المعهود يوميا، إلى مستويات قياسية، للمرة الأولى منذ حدوث الأزمة الاقتصادية في أواخر عام 2019 والذي وصل إلى قرابة الـ 150 ألف ليرة بشكل متسارع، صباح يوم الثلاثاء، صدم اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشارع بشكل غاضب.

في تقارير سابقة بينت أن الأوضاع تتجه نحو الأسوأ، بسبب جملة القرارات الحكومية غير المدروسة، لا سيما توجهها نحو سياسة “الدولرة” في عموم قطاعاتها، بغية احتواء وتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية، حسبما تزعمه حكومة “تصريف الأعمال”. غير أن هذا الأمر بات يؤثر سلبا على مناحي الحياة ككل وبشكل تدريجي. وقد حلل “الحل نت” أن تحركات حكومة “تصريف الأعمال” ليست سوى طامة على الشعب اللبناني وعلى مختلف المستويات، والذي من كلّ بدّ سيخلّف آثارا سلبية، وهذا ما يحدث اليوم بالفعل والاحتجاجات الشعبية ليست إلا دليلا على ذلك.

الأمر برمته يطرح تساؤلات مرة أخرى حول ما إذا كانت قرارات الحكومة، وتحديدا الاتجاه نحو “الدولرة”، هي وراء هذه الأزمة الاقتصادية والوضع المأساوي، فضلا عن الانعكاسات المحتملة على تدهور وانحدار الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والمآلات المحتملة جرّاء كل هذا.

انهيار تاريخي

الدولار أمام الليرة اللبنانية كان يصعد بمستويات تتراوح بين 2-3 بالمئة يوميا، إلا أن سعر الصرف ارتفع من 110 آلاف ليرة للدولار الواحد، يوم الإثنين الماضي، إلى حدود الـ 140 ألف ليرة قبل ظهر الثلاثاء، ما يعني تدهوره بنحو 12 بالمئة يوميا، وذلك في أعنف موجة انحدار تعززت بحالة عدم اليقين السياسي القائمة، وإضراب المصارف المتواصل منذ أسبوعين، وانشغال “المصرف المركزي” بتداعيات التحقيقات القضائية التي تجريها وفود أوروبية، وفق ما أوردته صحيفة “الشرق الأوسط“.

هذا الانخفاض جاء بعد بيان لحاكم “مصرف لبنان” رياض سلامة، أعلن فيه استعداد “مصرف لبنان” لإجراء عملية مفتوحة ومستمرة لشراء الأوراق النقدية اللبنانية وبيع الدولار نقدا على سعر منصة “صيرفة”، ويُحدد بـ 90 ألف ليرة مقابل كل دولار ابتداء من تاريخ يوم الثلاثاء الماضي.

سلامة قال وفق ما نقلته وكالات إخبارية، إن تحرك اليوم جاء بموافقة رئيس الوزراء ووزير المالية في حكومة “تصريف الأعمال” ويهدف إلى الحد من ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق الموازية. وقال سلامة في شباط/فبراير الماضي، إن لبنان لا يزال لديه نحو 10 مليارات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، حيث كان لدى البلاد أكثر من 30 مليار دولار من احتياطيات العملات الأجنبية عندما بدأت الأزمة.

احتجاجات شعبية غاضبة

بعد هذا الارتفاع المهول لسعر الصرف، الأمر الذي انعكس على إمكانات المواطنين الشرائية، حيث لوّحت شركات توزيع الغاز والمحروقات بإقفال أبوابها، فيما أقفلت بعض الصيدليات، وأحجمت محال توزيع المواد الغذائية عن بيع موادها بالليرة اللبنانية، حيث اشترطت البيع بالدولار الأميركي النقدي، وذلك لتجنب الخسائر.

بالتالي، هذا الأمر وفق المراقبين رفع من وتيرة الاحتجاجات الشعبية هناك، إذ خرج المواطنون إلى الشوارع، وأقفلوا الطرقات تعبيرا عن غضبهم من مآلات الأمور، وامتدت التحركات الميدانية على سائر الأراضي اللبنانية من الجنوب إلى الشمال، وشملت بطبيعة الحال العاصمة بيروت، والضاحية الجنوبية لبيروت، التي خرج سكانها إلى الشارع في واحدة من أندر الاحتجاجات.

قد يهمك: “أمة في الظلام”.. كيف تعمق أزمة الكهرباء الفقر في لبنان؟ – الحل نت 

في مدينة صور جنوب لبنان، قطع محتجون الطريق على خط الناقورة بسبب تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع سعر صرف الدولار، فيما تم قطع الطريق السريع على أوتوستراد بيروت، وصيدا عند نقطة الجية. وفي بيروت، قُطع طريق البربير، وتجمع المواطنون عند نقطة كورنيش المزرعة، فيما أظهرت مقاطع فيديو مجموعة من الشبان الغاضبين يجبرون أصحاب المحال التجارية على إقفال أبوابها.

أما في ضاحية بيروت الجنوبية، قُطعت طريق مخايل، الشياح عند طريق صيدا القديمة، فيما سجلت تحركات ميدانية في أكثر من موقع في الشمال، حيث قطع مواطنون الطريق عند مستديرة العبدة في عكار، وطرقات أخرى في طرابلس، أما في شرق لبنان، فقُطعت طريق سعدنايل وبريتال وغيرها.

إن إقدام اللبنانيين على قطع الطرقات بالسيارات وحاويات النفايات، ودعوة الشعب اللبناني ككل بالنزول إلى الشارع، كما دعوا قائد الجيش لوضع يده على البلد، ما يدل على مدى تدهور الأوضاع وحجم المعاناة التي يعيشها المواطن اللبناني.

بالاستناد إلى مجريات الأوضاع اللبنانية على مدار الفترة الماضية، فإن القادم لا يبشر بالخير، بل ويبعث بمزيد من التخبط الحكومي الذي سيدخل البلاد بمزيد من التّعثر. ويقدّر الخبراء أنه نتيجة عدم الاستقرار الأمني في البلاد، والفوضى الكبيرة على إثر تدخل “حزب الله” اللبناني المدعوم من طهران، في العديد من قضايا لبنان وسياستها، أدى إلى تعميق الأزمة المالية والسياسية في البلاد.

تداعيات وفشل حكومي

الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار انعكس أولا على أسعار المحروقات، فخرق سعر صفيحة البنزين “20 لترا” حاجز مليوني ليرة لبنانية. وأصدرت “وزارة الطاقة والمياه اللبنانية” مساء يوم الإثنين الفائت جدولا لأسعار المحروقات، وجاء فيه أن سعر صفيحة البنزين “95 أوكتان”، تستخدمه الغالبية الساحقة من أصحاب السيارات في لبنان، 2.170.000 ليرة لبنانية.

سعر صفيحة البنزين “98 أوكتان”، بات بـ 2.222.000 ليرة لبنانية، في حين وصل سعر صفيحة المازوت إلى  2.052.000 ليرة لبنانية. أما سعر قارورة الغاز فبلغ 1.445.000 ليرة لبنانية. الحكومة اللبنانية تطلب من المتاجر الكبرى ومحطات الوقود نشر لافتات بسعر الصرف المعتمد في كل يوم، لكن سعر الصرف يتغير بسرعة كبيرة لدرجة أن كثيرا من هذه الأماكن تسعّر المنتجات بالدولار الأميركي المستقر نسبيا.

الاحتجاجات لبنان

بالتالي ولحل الارتباك الذي يسببه سعر الصرف، يتعين على الحكومة تطبيق سعر موحد. وهذا هو أحد الشروط المسبقة التي وضعها “صندوق النقد الدولي” منذ ما يقرب من عام لكي يحصل لبنان على حزمة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار، إلا أن الحكومة تبدو متخبطة في قراراتها غير المدروسة.

بالنظر إلى الانغلاق السياسي اللبناني، فإن الأوضاع تتجه نحو الأسوأ، إذ تزيد الضغوط على “المصرف المركزي” بالتدخل، تعويضا عن غياب الدولة. فوفق الشارع اللبناني إن غياب حكومة لبنانية حقيقية ومستقلة عن كافة التوجهات والولاءات الخارجية تضع السلطة التنفيذية أمام مسؤوليات كبيرة، ويبدو أنها خارج قدراتها، بدءا من تأمين الدولارات لتغطية أسعار الكهرباء والاتصالات ورواتب القطاع العام على سعر منصة “صيرفة”، وليس انتهاءً بتأمين الأموال اللازمة لاستيراد الأدوية المستعصية، كما أن السلطات السياسية المتعددة في البلاد لا توفر الاستقرار اللازم لجذب الاستثمارات وتحسين الإنتاج ورفع المؤشرات الاقتصادية، وفق الخبراء.

عليه، يضطر “المصرف المركزي” للاستحواذ على الدولار النقدي من مصادر متعددة بغرض توفيرها لدفع المستحقات المتوجبة على الحكومة، في إشارة إلى المرافق العامة التي تأتي عائداتها بالدولار، والتحويلات من الخارج عبر شركات تحويل الأموال، وفق تحليل لـ”الشرق الأوسط”.

يبدو أن هذا الواقع المزري في لبنان نتيجة استمرار أزمة الشغور الرئاسية، حيث لم يتفق الفرقاء السياسيين في البلاد بعد على تنصيب رئيس جديد للبلاد، بالإضافة إلى قضايا الفساد والفوضى الأمنية، نتيجة تعدد القوى السياسية المتحكمة بالبلاد ولا سيما “حزب الله” اللبناني الموالي لإيران، لم يترك مجالا أمام “المصرف المركزي” سوى الحصول على الدولار من السوق السوداء، لتغطية عجزه.

بالتالي، لا مؤشرات على استقرار سعر الصرف، طالما أن الحلول السياسية مقفلة، ولا إصلاحات يطلبها “صندوق النقد الدولي” تُنفّذ، ولا ثقة مالية دولية بلبنان، ولا ملفات حُسمت لتعزيز الثقة، في إشارة إلى التحقيقات القضائية التي تهز الثقة بحاكم “المصرف المركزي”، سلامة، إلى جانب هيمنة “حزب الله” اللبناني، على مناحي واسعة في البلاد، والذي من كل بد يستفاد من هذا التعثر الحكومي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.