دبلوماسية تنويع الشركاء.. هل تخطو الرياض نحو تل أبيب بعد اتفاقها مع طهران؟

دبلوماسية تنويع الشركاء.. هل تخطو الرياض نحو تل أبيب بعد اتفاقها مع طهران؟

بعد أن أشارت تقارير إلى أن الرياض اقترحت إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل مقابل التزامات أميركية ملزمة قانونا تجاه المملكة والخليج العربي، جاء الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية. فهل ينسف الاتفاق الأخير الجهود الأميركية لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية.

التوصل لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية أولوية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حسب صحيفة “وول ستريت جورنال“. وذلك في إطار المواجهة المنظورة في الأفق مع إيران النووية ودعمها العسكري لموسكو في حربها العدوانية على أوكرانيا. ووفقاً للصحيفة، طلبت الرياض من واشنطن تقديم ضمانات أمنية والمساعدة في تطوير برنامجها النووي المدني ورفع قيودها عن تزويد الرياض بالسلاح. مقابل إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل.

تغيير في ديناميكيات الاقتراح السعودي

جاء الاتفاق السعودي الإيراني الصيني “ضربة رائعة من الصين وإيران لتقويض التطبيع السعودي الأميركي والسعودي الإسرائيلي. إنه يساعد على إخراج طهران من العزلة ويقوض الجهود الأميركية والإسرائيلية لبناء تحالف إقليمي لمواجهة إيران لأنها على أعتاب تطوير أسلحة نووية”، وفقا لمارك دوبويتز، من “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”.

يخالفه الرأي، “منتدى الشرق الأوسط“، ويذهب الأخير إلى أن الرياض لن تتوقف عن رؤية إيران كمنافس ولن تنهي علاقاتها السرية مع إسرائيل. فالمنافسة السعودية الإيرانية جزء من صراع طويل الأمد يمتد إلى جذور العداوة بين السنة والشيعة، وكما فشلت محاولات سابقة لتطبيع العلاقات بينهما، من المتوقع أن تفشل هذه المحاولة أيضا، أو على الأقل، لا تضر بمصالح إسرائيل. وبالرغم من أن هذا الاتفاق قد يبعد السلام المفتوح بين الرياض وتل أبيب، لكن من الناحية العملية سيكون تأثيره ضئيل.

 إعادة العلاقات بين الرياض وطهران لا يزيل الاقتراح السعودي المقدم لواشنطن من على الطاولة، حسب موقع “فن الحكم المسؤول“. فالاتفاق السعودي الإيراني يفرض تغييرا في بعض ديناميكيات الاقتراح السعودي بخصوص إسرائيل، دون أن يلغيه. حيث تعتبر الأخيرة ورقة رابحة في تعزيز أمن الخليج. وفي الوقت الذي تخشى دول الخليج وقوعها أهدافا لانتقام إيراني في حرب الظل القائمة بين طهران وتل أبيب. من شأن التزام دفاعي أميركي أن يقلل من مخاوف الدول الخليجية. ويمكّن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من تلبية احتياجاته الدفاعية الأكثر إلحاحا، والمضي قدما بشكل كبير في إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.

الحق الفلسطيني عقدة المنشار؟

زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، اعتبر “الاتفاق السعودي الإيراني هو فشل تام وخطر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية… إنه انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران”. في إشارة لتصريحات سابقة لنتنياهو قال فيها، إنه يعمل على إشراك السعودية ضمن تحالف إقليمي ضد إيران.

على الجانب السعودي، يوضح كبار المسؤولين، أنهم يسعون لعلاقة رسمية مع إسرائيل، تترافق مع حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة تراعي مصالح الطرفين.

الخبيرة في الشؤون السياسية الإسرائيلية، سارة شريف، ليست مع الرأي القائل إن الاتفاق السعودي الإيراني نسف مباحثات التطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، لكون كل منهم له أسبابه. فالإدارة السعودية تقترب من إيران لتهدئة العلاقات بينهما في عدد من الأجواء، منها مواقف الجانبين من الحرب في اليمن وعدم تحقيق أي منهما لأهدافهما فيها بعد سنوات من الحرب.

بالإضافة لتوفير المناخ الملائمة للاستثمارات، عن طريق خفض التوترات في المنطقة. وهي أسباب اقتصادية لا علاقة لإسرائيل بها. أما أسباب التطبيع مع إسرائيل، فمنها ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، العلاقات مع الدول السنية التي دخلت في اتفاق التطبيع، مبادرات اقتصادية. وبالتالي يمكن للإدارة السعودية أن تستمر بسهولة في خطين متوازيين، بمعنى تسير قُدما في علاقاتها مع إيران وفي مباحثات التطبيع مع إسرائيل. ولا يوجد مشكلة في ذلك، كون العلاقات مع إيران أو إسرائيل تصب في خانة المصالح.

وتضيف شريف في حديثها “للحل نت”، ما يعوق اتفاق التطبيع بين الدولتين، ليست “مبادرة السلام السعودية 2002” ولا حل الدولتين، فهي تصريحات للاستهلاك الإعلامي فقط. الأسباب الحقيقية، هي المطالب السعودية من واشنطن، والتي تتعلق بتطوير البرنامج النووي السعودي، وهو ما ترفضه واشنطن وتراه إسرائيل خطر مؤدي لفتح باب سباق للتسلح النووي في المنطقة. فيما ترى واشنطن أن طلبات الرياض مبالغ فيها ومن الصعب الموافقة عليها. ولا دخل للفلسطينيين في هذه المسألة، وما يحكمها هو رؤية المملكة لخططها ومشاريعها وما تريد تحقيقه في المنطقة.

التطورات الأخيرة في المنطقة تُشير إلى أن حل الدولتين ليس شرطا مسبقا للازدهار الإقليمي، وأن القضية “الأساسية” في أذهان القادة الإقليميين هي ضمان سلامهم وازدهارهم، وهو ما تعرضه إيران ووكلاؤها للخطر، حسب “المجلس الأطلسي“. وتدرك دول المنطقة أن الظروف السياسية الإسرائيلية والفلسطينية الحالية لا تسمح بحل الدولتين. لذا، لا ينبغي أن يمنعهم ذلك من الحفاظ على علاقات اقتصادية وأمنية مع إسرائيل، وهي لاعب استراتيجي مهم في المنطقة وحليف وثيق للولايات المتحدة.

الخبير في السياسة السعودية بجامعة “برمنغهام”، عمر كريم، يرى إن تصاعد العنف الإسرائيلي الفلسطيني هذا العام جعل التقدم باتجاه إقامة علاقات في العلن غير مرجح على المدى القصير. ويخلص بالقول، “ليس لدى السعوديين حافز الآن للتطبيع السريع مع إسرائيل”، حسب “فرنسا 24”.

مساعي نتنياهو لإقامة علاقات رسمية مع لرياض، قد تعرض مستقبله السياسي للخطر، بالنظر إلى ثمن العلاقة مع وجود شركاء من اليمين المتطرف في حكومته، والذين يرفضون التنازل للفلسطينيين عن حقوقهم المقررة دوليا، وفقا لـ”فن الحكم المسؤول“. حيث يقيم نتنياهو سياسته على افتراض تضاؤل دعم الفلسطينيين لدرجة لو خيّر السعوديين بين دعم الفلسطينيين والتعاون الأمني والتكنولوجي مع إسرائيل، لاسيما ضد إيران، فإن المملكة ستختار إسرائيل.

المحلل السياسي المختص بالشأن الاستراتيجي، المستشار زيد الأيوبي، ينفي وجود أي مباحثات للتطبيع بين المملكة العربية السعودية وتل أبيب. معتبرا أن ما ينشر بهذا الخصوص صادر عن الإعلام الاسرائيلي فقط، ويتداوله إعلاميون ومواقع إعلامية معادية للرياض. دون التأكد من صحته. فمواقف الرياض من موضوع التطبيع واضحة وثابتة. وهي أنه لا تطبيع قبل الانسحاب الإسرائيلي من كافة الاراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ففي ظل الحكومات المتشددة في القدس وطهران، تسعى الرياض لموازنة علاقاتها مع أي منهما. حيث تضم الحكومة الإسرائيلية الحالية اثنين من المتطرفين المناهضين للعرب، وزير الشرطة، إيتامار بن غفير، ووزير المالية ونائب وزير الدفاع، بتسلئيل سموتريتش. وفي ظل سياساتهما القاسية الجديدة، تصاعد العنف في الضفة الغربية منذ بداية العام، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 85 فلسطينيا و14 إسرائيليا، حسب وكالة “أسوشيتد برس“.

وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قد وصف إعلان إسرائيل ضمها للمستوطنات التسع في الضفة الغربية المحتلة أنه “عمل غير قانوني بشكل صارخ لن يؤدي إلا إلى زيادة التوترات وتأجيجها”.

ضآلة الإيمان بالحماية الإسرائيلية

يوم 9 آذار/مارس، قبل يوم واحد من الإعلان عن التوافق السعودي الإيراني، قامت الرياض بتحديد ثمن الاعتراف بإسرائيل في رسالة بعثت بها إلى واشنطن، وليس القدس، حسب ضابط المخابرات والخبير في شؤون الشرق الأوسط، جيمس سبنسر، في معهد “سباي توك” الأميركي المتخصص بشؤون الاستخبارات. مضيفا، “يُظهر طلب السعودية للحماية الأميركية مدى ضآلة إيمان الرياض بالحماية العسكرية الإسرائيلية”.

“نحن بحاجة إلى فهم سبب حدوث ذلك ومتى. لقد بدأت قبل نحو عام، في جولة من الاجتماعات بين البلدين”. هذا ما صرح به أحد السياسيين الإسرائيليين، وفقا لصحيفة “جيروزاليم بوست“. مضيفا، “بدأت جلسات الحوار السعودي الإيراني إلى حد كبير نتيجة شعور السعودية بأن موقف الغرب تجاه إيران كان ضعيفا”.

الاتفاق السعودي الإيراني هزيمة لشخص نتنياهو وليس لاتفاق التطبيع، حسب شريف، كون نتنياهو صاحب وقائد فكرة التحالف السني ضد إيران، وخاض مداولات التوصل لاتفاقات “إبراهام”، والتي كان هدفها تدشين محور سني لمواجهة التمدد الشيعي في المنطقة. وكان هناك حديث عن تحالف إقليمي سعودي عربي سني ضد إيران. إضافة لحشده للعالم الغربي ضد إيران. ولا تخلو خطابات نتنياهو من التحذير من إيران. هز الاتفاق السعودي الإيراني هذه الفكرة دون أن ينسفها، لأن التوتر السعودي الإيراني لن ينتهي وإنما تم تخفيضه.

 كشفت عودة العلاقات السعودية الإيرانية عن أزمة كبيرة جدا، وتتمثل بتباين رؤية العرب وإسرائيل لإيران، بمعنى أن الدول الخليجية على استعداد للتفاوض والاتفاق مع إيران، وفق شريف. في المقابل ترى إسرائيل ضرورة لمواجهة إيران في ساحات مختلفة، وهناك خيار عسكري لمواجهتها. ما يشكل فجوة بين رؤية العرب ورؤية إسرائيل لإيران، ونظرة كلا منهما لهذا التهديد. وهي أزمة مضافة لنتنياهو، الذي تقوم عقيدته على تجميع العرب في مواجهة إيران. لكنها أزمة وعي أو أزمة معنوية لا تغير من الواقع كثيرا.

“ترون بوضوح أن السعودية أعطت الأولوية للتقارب مع إيران على التقارب العلني مع إسرائيل … هذا لا يعني أن مواصلة العلاقات الهادئة جدًا مع إسرائيل ستتوقف … الآن العلاقة مع إيران هي أحد المتغيرات وهو جزء من الحسابات”، حسب المحلل السعودي عزيز الغشيان، لـ “فرنسا 24”.

وتُشير الصحيفة، على لسان براين كاتوليس من معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن، إلى أن الاتفاق السعودي الإيراني الجديد “قد يؤدي إلى إحداث فجوة أوسع بين إسرائيل والسعودية إذا أسفر ذلك عن انفتاح دبلوماسي أوسع بين المملكة وإيران… إسرائيل تقابل بالتشكيك أي تعامل دبلوماسي مع النظام في طهران”.

الاتفاق السعودي الإيراني شكل صفعة حقيقية لأوهام نتنياهو، حسب تعبير الأيوبي. حيث بدد الاتفاق كل أحلام ومشاريع تل أبيب باختراق الجدار السعودي، عن طريق إقامة علاقات تطبيع مع المملكة. وهو ما يفسر مهاجمة الاتفاق من قبل مسؤولين إسرائيليين، باعتباره كارثة كبرى، وحتى المعارضة الاسرائيلية اعتبرت هذا الاتفاق فشل ذريعة لنتنياهو وحكومته المتطرفة. مؤكدا، على وفاء القيادة السعودية للقضية الفلسطينية ولكل القضايا العادلة في المنطقة. لذا، لا ترجيح لأي عملية تطبيع للعلاقات بين السعودية مع إسرائيل، بمعزل عن استرجاع الحقوق الفلسطينية التي أقرتها الشرعية الدولية.

في المحصلة، لن تعيق المصالحة السعودية الإيرانية محاولات تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، رغم تثقيل مسيرتها. فلا مؤشرات واضحة عن تحول في الاستراتيجيتين السعودية والإيرانية، بما يلغي عوامل التنافس والصراع بينهما. كما أن رؤية المملكة تقوم على تنويع شراكاتها الإقليمية والدولية، بما يحقق لها مزيدا من الأمن ومزيدا أكثر من التنمية والاستثمار والرقي في سلم الاقتصاد العالمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات