المتابع لأروقة السياسية، يدرك ربما أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع قرار إعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران لقبول مثل هذه العودة، فالنظام الإيراني بدأ يشعر مؤخرا بخطر وجودي بسبب تصاعد وتيرة التظاهرات ضده، وزيادة حدة التهديدات الإقليمية من الجانب الإسرائيلي الذي يرغب بفتح حرب مفتوحة ضده بسبب نشاطه النووي.

على الجانب المقابل فإن ابتعاد أو خلاف المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة الأميركية في بعض القضايا، وإدراك الرياض عدم جَدّية الغرب وفشل المساعي الدبلوماسية في احتواء مشاريع إيران العدائية، جعل من إعادة العلاقات الخيار الأقرب على المدى المنظور، فسارعت المملكة لقبول هذه العودة قبل نضوج الشروط الإيرانية.

لكن هذه العودة بدأت تثير التساؤلات حول تأثيرها على مشاريع إسرائيل المتعلقة بالتطبيع مع دول المنطقة، وكانت المملكة العربية السعودية هي الهدف القادم لتل أبيب، لإكمال مشروعها بغية تشكيل حلف “شرق أوسطي” لمواجهة مشاريع إيران العدائية في المنطقة، فكيف ستؤثر إعادة العلاقات بين طهران والرياض على مساعي تل أبيب.

مستقبل العلاقات السعودية الإسرائيلية

الأوساط الإسرائيلية، حاولت خلال الأيام القليلة الماضية التقليل من تأثير عودة العلاقات بين السعودية وإيران، فهي ما زالت تراهن على استمرار مشاريع التطبيع مع دول الشرق الأوسط وتحديدا الدول العربية، وما يدعم هذه المحاولات هو أن عودة العلاقات بين الرياض وطهران، لا تعني بالضرورة أن الخلافات انتهت، فما زالت السعودية هي أبرز المتضررين من تطوير إيران لبرنامجها النووي.

عودة العلاقات هذه، قد تُعقّد إلى حد كبير عملية تطبيع تل أبيب مع الرياض، لكن بالتأكيد لن تُنهي احتماليتها، خاصة وأن إسرائيل نجحت في التطبيع مع العديد من الدول العربية التي لديها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع طهران، فضلا عن الشكوك في جدّية طهران في التعامل مع المخاوف السعودية، المتعلقة بمشاريع إيران في المنطقة.

الباحث في الشؤون الإسرائيلية وجدان عبد الرحمن، رأى أن عودة العلاقات بين الرياض وإيران لن تؤثر على مساعي إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط المتعلقة بمواجهة إيران، مشيرا إلى أن هذه العودة لا تعني نهاية قوة العلاقات السعودية مع المحور الأميركي الإسرائيلي، خاصة وأن هناك العديد من الخلافات السعودية الإيرانية لن يكون حلّها سهلا.

قد يهمك: عندما تتصادم السياسة والدبلوماسية.. دمشق تنصب حواجز أمام تطبيع العلاقات مع أنقرة؟

عبد الرحمن قال في حديث مع “الحل نت”، “لا أعتقد أن الاتفاق بين إيران والسعودية سيؤثر على مساعي إسرائيل في الشرق الأوسط، والدليل على ذلك هو أنّه في السابق كان لإسرائيل علاقات مع بعض الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط بينها الإمارات والبحرين وعُمان، وهذه الدول كانت تربطها علاقات مع إيران خاصة على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي، ولم يؤثر هذا الأمر على التطبيع الإسرائيلي مع هذه الدول”.

المشروع الإيراني

الولايات المتحدة الأميركية تربطها علاقات استراتيجية مع المملكة العربية السعودية، على الرغم من ظهور بعض الخلافات مؤخرا. وهنا أوضح عبد الرحمن أن “الرياض طالبت بإنشاء مفاعل نووي في المملكة، الأمر الذي ترفضه واشنطن حتى الآن”، وفيما إذا وافقت واشنطن على هذا الأمر وكانت إسرائيل جادة في حل القضية الفلسطينية، فإن من الوارد جدا أن نرى قنوات تواصل بين الرياض وتل أبيب خلال الفترة القادمة.

هناك العديد من الأسباب التي ما زالت قائمة للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، خاصة على مستوى الخطر الإيراني، فحتى الآن كلُّ ما يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام من اتفاقٍ بين السعودية وإيران لم يتم، إنما ما حصل هو عودة العلاقات الدبلوماسية، وهذا لا يعني بالضرورة حل جميع الخلافات، أو نجاح السعودية في ضمان أمنها القومي المعرّض للتهديد بسبب برنامج إيران النووي.

وقف مساعي إيران في الحصول على القنبلة النووية هو أبرز ما يجمع الرياض وتل أبيب، فامتلاك طهران لهذا السلاح يعني تهديد كامل لأمن واستقرار المنطقة، وهنا زاد عبد الرحمن بالقول “كذلك فإن الخلافات بين إيران والسعودية ليست فقط سياسية ودبلوماسية ومتعلقة بالنفوذ، هناك أيضا خلافات تاريخية وعقائدية بين الجانبين، فضلا عن التهديدات الإيرانية الأخيرة من خلال ميليشياتها وأذرعها بالمنطقة وعبر المسيّرات والصواريخ البالستية، لذلك ما زالت المملكة مرشحة لتسهيل أي قرار حقيقي من قِبل المجتمع الغربي أو واشنطن لمواجهة هذه المخاطر”.

كذلك فإن المملكة العربية السعودية، قد تحتاج الجانب الإسرائيلي لمساعدتها في الحصول على موافقة الولايات المتحدة الأميركية بشأن البدء بتخصيب اليورانيوم، وهنا وجب التوضيح أن هناك العديد من التعقيدات لتعزيز العلاقات السعودية الإسرائيلية، لكن في المقابل فإن توجد مؤشرات عدة تدعم هذا التقارب خلال الفترة القادمة.

ربما خسرت إسرائيل جولة دبلوماسية في طريقها لتشكيل جبهة إقليمية ضد إيران، وهي التي كانت تأمل أن تسبق طهران إلى الرياض لتعزيز علاقات إسرائيل مع السعودية، لكن لا يبدو أن تل أبيب ستترك الحرب ضد مشاريع إيران في المنطقة، مستغلة وجود العديد من الدول الراغبة في تحجيم النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

مستقبل المساعي الإسرائيلية

في إسرائيل وعلى الصعيد الداخلي، قوبل إعلان الرياض وطهران، إعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين وتنفيذ اتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي، بانتقادات حادة وواسعة داخل تل أبيب، حيث وجّهت هذه الانتقادات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو الذي أعلن سابقا أنه يعمل على إشراك السعودية ضمن تحالف إقليمي ضد إيران.

انتقادات توضح أن الأوساط الإسرائيلية أصبحت قلقة من الالتفاف الإيراني على إسرائيل، وتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، بهدف تجنب الضربة الإسرائيلية التي يتم التحضير لها منذ أشهر، بسبب فشل المساعي الدبلوماسية في السيطرة على برنامج إيران النووي.

هذا الاتفاق سمح بالطبع للمعارضة الإسرائيلية في الهجوم على السلطة، وقد قال  زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، إن “الاتفاق السعودي الإيراني هو فشل تام وخطر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية، وهو انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران”.

يبدو أن على حكومة تل أبيب السعي خلال الفترة القادمة، لتقديم مزيد من التطمينات للرأي العام في إسرائيل، خاصة فيما يتعلق برؤية واضحة مرفقة بجدول زمني وخطوات استراتيجية، من شأنها دفع مشروع مواجهة المخاطر الإيرانية نحو الأمام، وإلا سيكون تحليل المختصينَ عن زعزعة منصب نتنياهو ذاهبٌ ربما باتجاه التّحقق.

هذه التطمينات بدأها الإعلام الإسرائيلي، فبحسب تقرير لموقع “نيوز وان” الإسرائيلي،  فإن كبار المسؤولين السياسيين الإسرائيليين، يقولون إن الاتفاق بين إيران والسعودية لن يؤثر على حرب إسرائيل ضد إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي، فالخطر الإيراني لم يزل، وبالتالي لن يحل الوئام مكان الصدام بين إيران ودول المنطقة.

بالنهاية فإن ردود الفعل حول عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، يبدو أنها مبالغ فيها إلى حدّ ما، فلا الخطر الإيراني سيزول، ولا السعودية ستوافق على استمرار إيران في مشروعها النووي المهدد لأمنها القومي. بالتالي فإن تأثير هذه العودة على المساعي الإسرائيلية قد يكون محدود بشكل كبير، لكن ربما سنرى أن التأثير الأبرز سيكون على المستوى الداخلي، خاصة مع تصاعد الانتقادات الموجّهة لرئيس الحكومة في تل أبيب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة