مع قرب الانتخابات.. لماذا أودعت السعودية 5 مليارات دولار في تركيا؟

مع قرب الانتخابات.. لماذا أودعت السعودية 5 مليارات دولار في تركيا؟

بالتزامن مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، أعلنت السعودية عن إيداع وديعة بقيمة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي التركي، مما أثار تساؤلات عديدة عن الأسباب والدوافع الحقيقي وراء هذا الدعم بعد الاتجاه للاستثمار بدلاً من الضخ المباشر.

هذا الدعم لتركيا يأتي على الرغم مع إعلان السعودية عن تغيير في نهجها المالي مع حلفائها، حيث تتحول الرياض للاستثمار بدلاً من الدعم المباشر، فما هي أهداف السعودية في ذلك، وهل تهدف فعلاً إلى مساعدة تركيا لمواجهة أزمة التضخم والنهوض بالاقتصاد التركي أم أنّ السعودية لها أهداف سياسية واقتصادية أخرى.

حسب ما نشرته وسائل إعلام سعودية وبيانات منشورة منها على موقع “العربية نت”، فقد وقّع رئيس مجلس إدارة “الصندوق السعودي للتنمية”، أحمد بن عقيل الخطيب، في تركيا اتفاقية بقيمة 5 مليارات دولار وديعة لصالح البنك المركزي التركي، وتأتي الاتفاقية تنفيذاً لتوجيهات ملكية.

وكان وزير المالية السعودي محمد بن عبد الله الجدعان، قد أعلن في كانون الأول/ديسمبر الفائت، اعتزام السعودية إيداع المبلغ، ورغم تعافي صافي احتياطات تركيا من النقد الأجنبي بعدما انخفض إلى ما يزيد عن 6 مليارات دولار في الصيف الماضي، عندما سجل أدنى مستوياته بما لا يقل عن 20 عاما، فقد عاود الهبوط وانخفض نحو 8.5 مليار دولار منذ الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد في شباط/فبراير الفائت وأدى إلى مقتل أكثر من 45 ألف شخص فضلا عن تشريد الملايين.

الاحتياطي الأجنبي ينخفض

بيانات للبنك المركزي التركي أظهرت تراجع صافي الاحتياطي الأجنبي حوالي 1.4 مليار دولار إلى 20.2 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 24 شباط/ فبراير الفائت، وتراجعت احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي بشكل حاد في السنوات القليلة الماضية نتيجة للتدخلات في السوق وفي أعقاب أزمة عملة في كانون الأول/ ديسمبر 2021.

كما فقدت الليرة نحو 30 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار العام الماضي و44 بالمئة في 2021، وكانت السعودية قد قدمت مساعدات وأطلقت جسراً جوياً لمساعدة متضرري الزلزال في تركيا وسوريا، ووقعت عقود مشاريع لصالح متضرري زلزال تركيا وسوريا بأكثر من 183 مليون ريال سعودي (48.8 مليون دولار).

حول هذا الأمر يرى الناقد والمحلل السياسي السعودي عمر عبد الوهاب العيسى، في حديثه لـ”الحل نت”، بأنّ هذا الدعم المالي لتركيا يأتي بعد إعلان السعودية مؤخراً عن تغيير في نهجها المالي مع حلفائها وتحول الرياض للاستثمار بدلاً من الدعم المباشر.

في كانون الثاني/يناير الماضي قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أنّ السعودية تغير نهجها في طريقة تقديم المساعدات لحلفائها وتشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية، وأردف الوزير السعودي في تصريحات على هامش مؤتمر “دافوس”: “اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات”.

من هنا يؤكدّ المحلل السعودي عمر العيسى، بأنّ وديعة الـ 5 مليارات دولار أتت بعد قناعة الرياض بأنّ جهود تركيا في تنفيذ إصلاحات واقعية باتت ملموسة، مضيفاً في حديثه بالقول: “نتفق مع من يرون أنّ تركيا تتمتع بإمكانات نمو كبيرة تترافق مع تنفيذ العديد من الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد ساهمت في تحفيز نمو القطاع الخاص ورفع تنافسيته، إضافة إلى تمسك السعودية بمطالبها السيادية العادلة القائمة على ضمانة استفادة الدول من هذه الودائع وحمايتها من أي انحراف يمنع الاستفادة منها على صعيد الدول وشعوبها”.

وديعة دون شروط؟

العيسى يرفض ربط لوديعة السعودية بالانتخابات الرئاسية في تركيا، لكون الدعم يأتي امتداداً للودائع السعودية المماثلة لدول أخرى، مشيراً إلى أنّ السعودية التي تقدم شريان حياة مالي لاقتصادات دول المنطقة المتعثرة، رفضت مؤخراً طلبات من باكستان ومصر وطالبتهما بإجراء إصلاحات معينة.

وقالت “وكالة الأنباء السعودية” (واس)، إنّ رئيس مجلس إدارة “الصندوق السعودي للتنمية” وزير السياحة، أحمد بن عقيل الخطيب، وقع اتفاقية مع محافظ البنك المركزي التركي، شهاب قاوجي أوغلو، “بقيمة 5 مليارات دولار وديعة لصالح البنك المركزي التركي”.

وأكدت الوكالة أنّ “هذه الوديعة تأتي امتداداً للعلاقات التاريخية وأواصر التعاون الوثيقة التي تجمع المملكة العربية السعودية مع الجمهورية التركية وشعبها الشقيق”.

لذا فإنّ الإقراض السعودي لتركيا جاء بحسب رؤية عمر العيسى بدون شروط وهو أمر مثير للاهتمام عقب السياسة الجديدة السعودية دون ربطها بفوز شخص ما في الانتخابات لكون الوديعة أتت بعد أن شهدت علاقات البلدين تغيراً سياسياً ايجابياً، خصوصاً مع حاجة تركيا لمواجهة صعوبات مالية، ما يؤكد حسن نوايا السعودية على حد رؤية العيسى.

مؤخراً، طوى البلدان صفحة خلافات استمرت سنوات في أعقاب مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، عام 2018 بإسطنبول، حيث تبادلت الوفود الرسمية الزيارات، بما في ذلك زيارة قام بها الرئيس التركي أردوغان إلى السعودية.

مما يدعمه هو استبعاد مدير معهد “إسطنبول للفكر”، بكير أتاجان، أن تكون الوديعة السعودية مرتبطة بالانتخابات المقبلة، مؤكداً بأنّ الوديعة السعودية بداية طيبة لإعادة الثقة بين البلدين ضمن إطار تحسن العلاقات، وأنّ الانتخابات موجودة مسبقا ولا يمكن ربط الوديعة بها، مرجعا رأيه لعدة أسباب منها أنّ مبلغ الوديعة غير ضخم وتركيا بحاجة إلى مزيد من المال لإنقاذ الاقتصاد، بالإضافة إلى أنّ استخدام هذه الوديعة قد يستغرق فترة زمنية تتجاوز موعد الانتخابات المقررة في 14 أيار/مايو القادم.

على الرغم من أنّ “تأثيرها الاقتصادي لن يكون كبيرا”، إلا أنّ الوديعة ستقدم لتركيا المساعدة الإنسانية بعد الزلازل الأخيرة التي تعرضت لها البلاد، وكان الرئيس أردوغان أعلن تثبيته لموعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 14 أيار/مايو المقبل على الرغم من الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد الشهر الماضي وأسفر عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص مع سوريا المجاورة.

تركيا تواجه أزمة اقتصادية جعلت من عملتها تحوم حول أدنى مستوى لها أمام الدولار الأميركي مع ارتفاع معدلات التضخم إلى ما فوق 55 بالمئة، وجعلت الأزمة الاقتصادية التي فاقمها زلزال 6 فبراير، العديد من مواطني تركيا البالغ عددهم 85 مليوناً بالكاد يستطيعون شراء السلع الأساسية.

ومن هنا يميل المحلل السعودي عمر العيسى إلى الرأي الذي يعتقد بأنّ هذه الوديعة تأتي كتتويج لتحسن العلاقات بعد جهود ترميمها من القيادتين وعودة مؤشرات التبادل والانفتاح التجاري إلى مستوياتها الطبيعية مع أنّ المشوار لا يزال طويلاً أمام عودة العلاقات لما كانت عليه سابقاً مع أنّ هناك تقارب بالفعل بين الدولتين، ولكن الثقة تزعزعت في فترة سابقة وإعادة العلاقات لما كانت عليه سابقاً يتطلب المزيد من الوقت.

أما المحلل السياسي والخبير الاقتصادي أيمن عبد النور، فيرى في حديث لـ”الحل نت”، بأنّ السعودية تنتهج سياسة رئيس وزراء تركيا سابقًا أحمد داود والتي تتمثل في سياسية تصفير المشاكل، وبالتالي أصبح لها خلال آخر عامين سياسة مختلفة عما كانت عليه في السابق، وتتم تتوجيها أيضاً بتخفيف التوتر مع إيران برعاية صينية يصب ضمن هذا المجال.

وبالتالي تتعامل مع تركيا بحسب ما يذهب إليه عبد النور كدولة إقليمية موجودة لن تنتهي بانتخاب أو عدم انتخاب أردوغان في شهر أيار/مايو المقبل، مشيراً إلى أنّ السعودية تحتفظ بعلاقات جيدة مع حكومة “حزب العدالة والتنمية” ومع أطراف المعارضة التركية، لذلك هي تتعامل مع تركيا كدولة يهمها ألا تسقط اقتصادياً وأن تبقى ذات موقف مستقل ويعمل ضمن الشرق الأوسط بدل من أن تكون ذات تبعية أميركية كاملة مما يقوي موقفها للسعودية في المنطقة، لذلك تخفيف النفوذ الأميركي على منطقة الشرق الأوسط وعلى السعودية يمر بالتعاون بين كل الدول الإقليمية في المنطقة وتقويتها جميعاً بما فيها إيران وتركيا، وهذا هو التوجه السعودي الجديد في المنطقة.

المال له أبعاده السياسية

لاشكّ أنّ المال له أبعادا سياسية مهمة جداً وله أهدافا محددة، فالاقتصاد التركي يعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة جداً، وعلى رأسها انخفاض أو تراجع في الليرة التركية، ومسألة الزلزال والحاجة إلى إعادة الإعمار، وبالتالي هذه مسائل في غاية الأهمية بالنسب لتركيا في الظروف التي تعيشها.

و\هذا ما يذهب إليه المحلل والكاتب السياسي، الدكتور ناجي شراب، مؤكداً في حديث لـ”الحل نت”، بأنّ الوديعة السعودية مرتبطة أيضاً بالانتخابات التركية وتقوية ودعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكذلك فإنّ هناك مصلحة سعودية في استمرار أردوغان كرئيس لتركيا، في ظل بوادر تحسن ولقاءات للعلاقات السعودية-التركية بعد تجاوز أزمة الصحفي جمال خاشقجي وغلق هذا الملف الذي يأخذ بعين الاعتبار.

يمكن القول أنّ هناك دور جديد للسعودية مع تصدر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المشهد السياسي في بلاده، وهو يعتبر دوراً محورياً ومؤثراً، بحسب رؤية المحلل ناجي شراب، وخصوصاً في مجال القوة الاقتصادية، والسعودية تدرك وتعرف الدور الإقليمي الكبير والقوي والمؤثر والمحوري لتركيا، وبالتالي هناك اكتمال لعملية الدور الإقليمي بين الطرفين، فعندما تكون السعودية بعلاقاتها مع تركيا قوية هذا يدعم الموقف السعودي-التركي، في مواجهة قضايا كثيرة كما رأينا في مسألة إيران في علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية.

الوديعة السعودية يمكن أن تفهم في إطار المساعدة لمواجهة المشاكل التي يوجهها الاقتصاد التركي والنهوض به، وخصوصاً أنّها تأتي بالتزامن مع اقتراب الانتخابات التركية، وبالتالي يعدّ ذلك دعماً للاقتصاد التركي ودعم لقرارات أنقرة بحسب رؤية شراب، وفي نفس الوقت دعم للقرار السعودي بأنّه عندما تكسب دولة محورية مؤثرة بمثابة تركيا فإنّك تضيف دور دولة إلى دور دولة أخرى.

هذه الوديعة تتواكب مع الدور الجديد الذي تسعى إليه السعودية في عهد محمد بن سلمان باعتباره الحاكم الفعلي حالياً، فهذه السياسة ليست هي الأولى من نوعها فقد أودعت السعودية من قبل ودائع وسندات في الخزانة الأميركية وفي مصر وفي أكثر من دولة، الذي يأتي في إطار إحياء الدور السعودي في المنطقة، وفي هذا السياق يضيف المحلل السياسي ناجي شراب قائلاً :”لكونها دولة قوية قادرة على لعب دور مهم فهي من الدول الكبرى اقتصادياً، وبالتالي القدرة الاقتصادية للسعودية تسمح لها بذلك والهدف من ذلك التأثير في السياسة التركية والإقليمية، لكون تركيا تعدّ دولة محورية ومؤثرة، كما أنّ الوديعة هي رسالة لواشنطن في تأكيد على أنّها دولة مهمة ومحورية لا يمكن تهميشها”.

شراب يؤكد بأنّ السعودية تهدف إلى تحقيق التوازن في العلاقات على المستوى العربي والإقليمي، وهذا يتفق مع طموحاتها الهادفة إلى أن تكون الدولة المحورية والقيادية الأولى في المنطقة، لكن السعودية تنقصها كثير من عوامل القوة الإقليمية المهمة والمؤثرة بحسب أساسيات ومقومات الدولة الإقليمية التي تريد أن تكون مؤثرة وتلعب دور مهم وريادي.

السعودية تسعى إلى إكمال هذا الدور الريادي والمهم الذي تقوم به بعدة أدوار على رأسها بالدور التركي والمصري، الأمر الذي يؤدي لشكيل تكتل إقليمي تكون السعودية على رأسه وهي المؤثرة، في هذا السياق يمكن أن تفهم الوديعة السعودية لتركيا، باعتبار أنّ الاقتصاد أحد مصادر القوة الصلبة، والمال كما يقال: “لبن السياسة”، مع التأكيد على تلك الأهداف السياسية واضحة لتركيا، خصوصاً في وقت الانتخابات وتراجع شعبية أردوغان، بالإضافة إلى الملف السوري الذي يأخذ بالاعتبار ومنها عودة دمشق إلى العالم العربي، فهناك ملفات عالقة بين الرياض وأنقرة يجب حلها وتريد السعودية التأثير في الملف السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات