بعد سنوات ليست بالقليلة من الخلافات حول تصدير نفط إقليم كردستان أدت إلى توقف صادراته مؤخرا، أعلن رئيسا الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، أمس الثلاثاء، توقيع اتفاق استئناف تصدير نفط الإقليم.

فمنذ العام 2014، شكّل بيع الإقليم النفط دون الرجوع لبغداد مشكلة لم تُحل طيلة تلك السنوات الماضية، واستمرت كونها إحدى أهم النقاط الخلافية بين الحكومتين الاتحادية والإقليم، إذ تتجدد مع كل مرحلة سياسية جديدة تخوضها البلاد، وهكذا تعقّدت المشكلة إلى أن صُدر قرار التحكيم الدولي الأخير، والذي التزمت به تركيا، لتتوقف إمدادات النفط من كردستان لميناء “جيهان” التركي.

الخلافات حول صادرات كردستان من النفط بين الإقليم وبغداد، مرت بمنعطفات عدة، وطيلة تلك السنوات دفع المواطنون الأكراد تكاليف باهظة عن ذلك، تمثلت بطوابير كبيرة من السيارات على محطات الوقود التي تبيع لتر البنزين ضعفي السعر المطروح في باقي المحافظات العراقية، بسبب امتناع بغداد عن إرسال حصة الإقليم، إضافة إلى عجز الإقليم عن تسديد مستحقات الموظفين، بعد أن قررت بغداد أيضا عدم إرسال المرتبات لهم، ما لم يتوقفوا عن تصدير النفط.

تفاصيل توقيع اتفاق استئناف تصدير نفط كردستان

في غضون ذلك، جاء التوقيع عقِب إغلاق تركيا في الربع الأخير من الشهر الماضي، خط أنابيب يمتد من شمال العراق إلى “جيهان”، بعد أن قالت هيئة التحكيم الدولية إنه لا ينبغي لسلطات حكومة إقليم كردستان تصدير النفط من محطة البحر الأبيض المتوسط دون موافقة بغداد.

بغداد اتهمت أنقرة، في تلك القضية بأنها تخالف أحكام اتفاقية خط الأنابيب لعام 1973، والتي تنص على وجوب امتثال الحكومة التركية لتعليمات الجانب العراقي فيما يتعلق بحركة النفط الخام المصدّر من العراق لجميع مراكز التخزين والتصريف والمحطة النهائية، والتي يجب أن تتم عبر شركة وطنية تديرها بغداد.

اقرأ/ي أيضا: “خان الذهب“.. دراما عراقية تقترب من المتابع وتبتعد عن الواقع

التصدير كان قد توقف فعليا منذ إصدار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في 25 آذار/مارس الماضي، حكما لصالح بغداد يقضي بإيقاف تصدير إقليم كردستان النفط عبر تركيا لعدم وجود إذن من بغداد.

إلى ذلك، وفي تفاصيل الاتفاق النهائي، فإن بغداد ستتولى عملية الإشراف الكامل على تصدير النفط من حقول الإقليم، وهو ما يسمح باستئناف تصدير النفط مجددا عبر ميناء “جيهان” التركي، وإعادة إرسال بغداد لمستحقات الإقليم من المرتبات والوقود، ما يعني فعليا انتهاء أزمة الوقود والرواتب التي أرّقت مواطني الإقليم طيلة تلك السنوات.

عقب توقيع الاتفاق، وفي مؤتمر صحافي عقده كلّ من السوداني، ورئيس حكومة إقليم كردستان البارزاني، في بغداد، قال السوداني، إن الاتفاق يصب في مصلحة العراقيين جميعا، فيما أوضح البارزاني أن الاتفاق مهم لجميع العراقيين، وأن السوداني راعى جميع العراقيين في الاتفاق الذي سيشكل الأساس لقانون الموازنة وستنعكس أسسه في قانون النفط والغاز.

الاتفاق يتضمن أربعة بنود، الأول منها، بحسب المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي،  تصدير 400 ألف برميل من النفط يوميا من إقليم كردستان عبر شركة النفط الوطنية “سومو”، وتسمية ممثل عن الإقليم في الشركة، مبينا أن هذا يحدث للمرة الأولى في منصب معاون لرئيس شركة “سومو” كما هو مقترح.

أما البند الثاني، فتضمن تشكيل لجنة رباعية بواقع ممثلَين اثنين من وزارة النفط الاتحادية واثنين آخرين من وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان، تكون مهمتها الإشراف على بيع النفط المستخرج من الإقليم في الأسواق العالمية، إلى حين إصدار الموازنة أو الاتفاق على تسريع قانون النفط والغاز، وفق العوداي.

إعادة المفاوضات وفتح حساب بنكي مشترك

العوادي بيّن، أن البند الثالث يتعلق باتفاقات إقليم كردستان مع 4 شركات عالمية، إذ إن الكثير من بنود هذه الاتفاقيات تشمل نقاطاً قانونية ملزمة. وفي هذا الصدد طالب الإقليم بموجب الاتفاق مع بغداد بالاستعانة بخبراء من وزارة النفط الاتحادية لتذليل التفاوض مع هذه الشركات، بهدف تطبيق الاتفاق الجديد.

في حين أن البند الرابع، بحسب ما أشار إليه العوادي، فإنه يتضمن فتح حساب بنكي تحت إشراف الحكومة الاتحادية، حيث طالبت بغداد بأن يكون الحساب في “البنك المركزي” العراقي، وعدلت الصيغة بأن يكون الحساب في البنك ذاته أو في مصرف معتمد من “البنك المركزي”، بما يخول رئيس حكومة كردستان بصلاحية الصرف تحت رقابة ديوان الرقابة المالية الاتحادي فيما يتعلق فقط بالموازنة الاتحادية لعام 2023.

اقرأ/ي أيضا: بعد حادثتي بغداد والأنبار.. أسباب وأرقام صادمة وراء انهيار المباني المتكرر في العراق؟

هذا وسيتم تضمين الاتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في مسودة مشروع الموازنة التي ذهبت إلى البرلمان، في إشارة إلى موازنة العام الحالي المالية وحصة الإقليم منها.

بحسب مستشار الحكومة العراقية، حسين علاوي، حاليا يجري التباحث حول المسارات الفنية بين وزارة النفط الاتحادية ووزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان حول آليات العمل المشترك، سواء في قضية تصدير النفط أو مسودة قانون النفط والغاز التي يشرف عليها رئيس الوزراء من جهة، ومن جهة أخرى يعمل على إدارة هذه النقاشات من قبل مجلس الطاقة عبر وزير النفط.

بذلك، اعتبر علاوي أن الحوارات تجري لتطبيق مسار الاتفاق السياسي بين الحكومة الاتحادية والقوى السياسية في إقليم كردستان، وهذا بالتالي يضمن لأول مرة بعد 20 عاما مسودة أولية لقانون النفط والغاز.

يشار إلى أن قانون النفط والغاز المعطل في “البرلمان” العراقي منذ دورته الأولى، عام 2005، يُعد أيضا واحدا من أبرز تلك النقاط التي حصل بشأنها اتفاق مبدئي بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان.

القانون ينص على أن مسؤولية إدارة الحقول النفطية في العراق يجب أن تكون مناطة بشركة وطنية للنفط، ويشرف عليها مجلس اتحادي متخصص بهذا الموضوع، لكن منذ عام 2003 تختلف بغداد وأربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، على موضوع إدارة حقول الإقليم النفطية.

حيثيات الخلاف على تصدير النفط

وسط ذلك، تقول بغداد إن الإقليم لا يصرّح بمبالغ تصدير النفط الحقيقية ولا يسلّم تلك المبالغ إليها، بينما تقول كردستان إن الصادرات من الحقول النفطية في أراضيه يجب أن تخضع لإدارته، سواء من ناحية منح التراخيص للاستكشافات الجديدة، أو إدارة الحقول الموجودة أصلا، أو التحكم في الإنتاج والتصدير للوجهات التي يختارها، أو التعاقد على الشراء والتطوير.

لكن في مقابل ذلك، لدى الإقليم قانون خاص بالنفط، ويشير إلى أن وزارة النفط في الإقليم أو من تخوله تتولى مسؤولية التنظيم والإشراف على العمليات النفطية، وكذلك كل النشاطات التي تتعلق بها من ضمنها تسويق النفط، وأيضا التفاوض وإبرام الاتفاقات وتنفيذ جميع الإجازات ومن ضمنها العقود النفطية التي أبرمتها حكومة الإقليم.

غير أنه في نيسان/أبريل الماضي، قضت المحكمة الاتحادية العراقية بأن قانون النفط الكردستاني، المقر والفاعل منذ عام 2007 “غير دستوري”، وبعد قرار المحكمة (أعلى سلطة قضائية بالعراق)، عينت وزارة النفط الاتحادية، شركة المحاماة الدولية “كليري غوتليب ستين”، و”هاملتون” للتواصل مع بعض شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان لبدء مناقشات لجعل عملياتها تتماشى مع القانون العراقي المعمول به.

تلك التحركات من الحكومة الاتحادية ببغداد، أدت فيما بعد إلى انسحاب شركة “شلمبرغير” لخدمات حقول النفط، العام الماضي، من إقليم كردستان، التزاما بقرار المحكمة الاتحادية، وقبل أن تعود بغداد لتكسب قضيتها ضد تركيا.

يُشار إلى أن إقليم كردستان يحصل على نسبة من الموازنة العراقية يمكن لحكومة الإقليم أن تنفقها على القطاعات الخدمية والتشغيلية والاستثمارية، بدون الرجوع لبغداد، فيما تتكفل الموازنة الاتحادية أيضا بدفع رواتب موظفي الإقليم.

على هذا النحو، فإن المستفيد الوحيد من اتفاق استئناف تصدير النفط والغاز هم المواطنون الأكراد الذين سيتمكنون بعد ذلك من الحصول على الوقود دون معاناة أو تكاليف مضاعفة، وذلك بالإضافة إلى ما سيحققه إعادة دفع الرواتب للموظفين من عودة تدفق الأموال إلى الأسواق، ما يحقق انتعاشة اقتصادية للإقليم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات