في حادثين منفصلين، أعلنت مديرية الدفاع المدني في العراق، انهيار مبنيين قيد الإنشاء في محافظتي بغداد والأنبار، أمس الأحد، مشيرة إلى وقوع عدد من الإصابات بين عمال البناء.

إعلام المديرية أفاد في بيان تلقى موقع “الحل نت” نسخة منه، بانهيار بناية قيد الإنشاء، مخصصة لـ “مول” في منطقة زيونة وسط العاصمة بغداد، مبينا أن الحادثة وقع أثناء أعمال البناء، ما أسفر عن إصابة 8 عمال نجحت فرق المديرية في إنقاذهم من تحت الركام.

في غضون ذلك، أعلنت مديرية الدفاع، عن وقوع انهيار ثان في مبنى لـ “مول” قيد الأنشاء بمحافظة الأنبار، مبيّنة أن الحادث وقع في الطابق الرابع من المبنى أثناء أعمال صب السقف، فيما تم نقل المصابين إلى المستشفى بعد تقديم الإسعافات الأولية لهم، دون تفاصيل عن أعدادهم وشدة إصاباتهم.

ظاهرة انهيار المباني

في الآونة الأخيرة، تكررت حوادث انهيار المباني في العراق بشكل لافت، وكان أبرزها انهيار مبنى المختبر الوطني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمنطقة الكرادة وسط بغداد، ما تسبب بمقتل عدد من الأشخاص، وأثار ضجة واسعة بالبلاد. 

في حين كانت مديرية الدفاع المدني قد أعلنت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إحصائية صادمة عن وجود 2500 مبنى آيل للسقوط في بغداد والمحافظات، الأمر الذي شكّل تهديدا حقيقيا لحياة العراقيين.

اقرأ/ي أيضا: أثار جدلا سياسيا وعشائريا.. ما قصة مسلسل “الكاسر” الذي أوقف بثه بالعراق؟

مدير إعلام وعلاقات الدفاع المدني العميد جودت عبد الرحمن، قال في تصريحات صحفية، إن مديرية الدفاع المدني وبعد حادثة انهيار مبنى المختبر الوطني في بغداد ولإجراءات تتعلق بالسلامة العامة، أجرت حملة لحصر الأبنية والدور الآيلة للسقوط في بغداد والمحافظات كافة.

حيث يوجد، بحسب العميد جودت، 2517 بناية آيلة للسقوط في بغداد والمحافظات، مؤكدا مفاتحة وزارة الداخلية ووزارة الاعمار والاسكان والبلديات وأمانة بغداد لتقييم ضرر هذه الابنية وتقدير خطورتها طبقا لنظام الطرق والأبنية رقم 44 لسنة 1935 المعدل المادة 59 منه.

هذا وتمثل المباني المخالفة لشروط السلامة والمباني المتقادمة، تهديدا حقيقيا لحياة العراقيين، وقد حذرت مديرية الدفاع المدني العراقية في وقت سابق، من انهيارات قد تحدث في المباني الحكومية والأهلية في البلاد، فيما أكدت متابعتها الملف وسعيها لمحاسبة المخالفين للشروط الخاصة بإنشاء المباني.

يُشار إلى أن غالبية المباني التي شُيّدت في السنوات الأخيرة في العراق ويجري تشييدها حاليا غير مطابقة للمواصفات النوعية، ويجري بناؤها من قبل الأهالي، من دون أن تكون هناك عمليات كشف عليها من قبل الجهات المسؤولة.

حول أسباب انهيار المباني، أوضح مختص بمجال العمارة، إن المختبرات الأهلية وبعض الحكومية تشهد عدم دقة الفحوصات الهندسية للمواد الإنشائية نتيجة غياب الدور الفني والرقابي لنقابة المهندسين على المكاتب الاستشارية ومحاسبة غير المجازة منها وأعمال نسخ التصاميم بدون خلفية علمية وإعداد تصاميم من قبل مهندسين غير مؤهلين.

خيارات متبقية 

بالتالي لا توجد آلية صحيحة وواضحة لاعتماد تصاميم هندسية ضمن ضوابط منح إجازات البناء والترميم، حيث يتوجب تدقيق التصاميم المقدمة من قبل المالك من طرف ثالث معتمد وموثوق تابع للبلدية مع إلزام المالك على التعاقد مع مكاتب استشارية للإشراف على التنفيذ.

لكن هذه المكاتب الاستشارية يجب أن تكون معتمدة من قبل دوائر الدولة ذات الاختصاص ومؤمنة ماليا لضمان التعويضات في حال سوء التنفيذ أو المشاكل الناتجة عنه، بالتالي فإن هناك مشكلة في غياب السيطرة النوعية على معامل تجهيز الخرسانة وتجهيز مواد البناء.

اقرأ/ي أيضا: مسلسل “دفعة لندن“.. يثير غضب العراقيين ويشعل جدلا مع الكويتيين

يضاف إلى ذلك ضعف الجانب الفني والخبرات وقلة الدورات والتوعية الهندسية من قبل نقابة المهندسين باتجاه كوادر المكاتب الاستشارية وإلزامهم بتقديم عقود حقيقية لكوادرهم إلى جانب عدم تفعيل القوانين التي تصنف عمل المكاتب الاستشارية ومتابعتها والتي تحدد الأجور الاستشارية وتحديد المعتمدة منها فالكثير من المكاتب لها اجازة إشراف ولكنها تعد تصاميم انشائية والمعد غالبا ما يكون غير انشائي.

إلى ذلك، كانت لجنة النزاهة النيابية، قد أكدت فتح ملف منح إجازات الاستثمار للمختبرات والمستشفيات الأهلية، مبيّنة أنه على هيئة الاستثمار الوطنية مطالبة بتوضيح آلية إعطاء إجازات الاستثمار للمختبرات والعيادات والمستشفيات الأهلية.

خصوصا، أن ما حدث من انهيار مبنى للعيادات الطبية بسبب هندسي يدعو إلى إعادة النظر بكل الموافقات التي تمنحها هيئة الاستثمار، لاسيما فيما يتعلق بإضافة بناء على المباني المتهالكة، التي تستوجب الحصول على الموافقات الهندسية من أمانة بغداد أو المحافظة ضمن خطط مدروسة وليست عشوائية.

في الآونة الأخيرة، انتشرت بشكل واسع ظاهرات إنشاء المشافي والمختبرات الأهلية لعدم قدرة القطاع الحكومي على سدّ حاجة مواطني البلاد إلى الرعاية الصحية، الأمر الذي يربطه البعض بالفساد الذي نخر الدولة العراقية ما بعد 2003، ما أضعف القطاع الصحي والرقابي بشكل كبير، وخلق بؤرة فساد من الصعب السيطرة عليها.

الفساد العراقي

العراق يشهد  منذ 2003 وضعا اقتصاديا متقلبا، ولا سيما مع اعتماده بنسبة تزيد على 94% في موازناته العامة على مبيعات النفط، ورغم أن موازناته شهدت طفرة متزايدة منذ الغزو الأميركي للبلاد، فإن هذه الموازنات المليارية لم تنعكس إيجابا على الوضع العام في البلاد.

العراق يصنف ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، إذ احتل المرتبة 157 عالميا بين 180 دولة ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية العام الماضي 2021، مما يؤكد أن البلاد تعاني من مشكلة متفاقمة دون أن تحدد المنظمة أرقاما دقيقة لحجم الفساد في البلاد.

لا ينكر المسؤولون العراقيون وجود فساد مستشر في الدولة، إذ إن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي كان قد كشف في أيلول/ سبتمبر 2014 عن وجود نحو 50 ألف موظف وجندي في وزارة الدفاع العراقية يتلقون رواتبهم دون أن يكون لهم وجود على أرض الواقع، أما في آب/ أغسطس 2015 فكشف عادل عبد المهدي الذي كان يشغل حينها منصب وزير النفط أن الموازنات العراقية منذ 2003 ولغاية 2015 بلغت 850 ملیار دولار، وأن الفساد في العراق أهدر 450 ملیار دولار.

في أيلول/سبتمبر 2021، كشف رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح في مقابلة متلفزة، أن أموال العراق المتأتية من النفط منذ 2003 تصل لنحو ألف مليار دولار، لافتا إلى أن التقديرات تشير إلى أن الأموال المنهوبة من العراق إلى الخارج تقدر بنحو 150 مليار دولار، مشددا على أن العراق يعمل على استعادتها من خلال مطالبته العالم بتشكيل تحالف دولي لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.

من جهتها، تقر الحكومة العراقية بوجود الفساد في مؤسساتها، وكانت وثيقة استقالة وزير المالية العراقي علي علاوي في آب/أغسطس 2022، قد كشفت عن بعض ذلك، إذ جاء في نصها نجحت الحكومة في وضع إستراتيجية جريئة للإصلاح الاقتصادي والإداري، ومع ذلك، فإن الإستراتيجية لم تحقق الأثر المنشود بعد في وقف الانحدار في القدرات الإدارية وفعالية القطاع العام أو في تغيير المحاور الاقتصادية للبلد بشكل جذري.

علاوي أضاف كذلك، لم تنجح الحكومة في ضبط الفساد ثم الحد منه. الفساد وحش متعدد الرؤوس وقد حفر في السنوات العشرين الماضية جذورا عميقة في البلاد، لا يمكن السيطرة عليه -فضلا عن اقتلاع جذوره، إذا لم تكن هناك إرادة سياسية وإجماع على القيام بذلك، إذ لا يزال الفساد مستشريا ومنهكا وواسع الانتشار”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات