في ظل الغلاء الفاحش الذي يعيشه السوريون في الداخل، إذ ارتفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة وسط انعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين، خصوصا لذوي الدخل المحدود، الأمر جعل الوصول إلى احتياجات ومستلزمات العيد صعبا على نسبة كبيرة من الأُسر.
كذلك، نتيجة لارتفاع أسعار جميع السلع في الأسواق السورية، انخفض معدل الطلب والشراء، وفضلت العائلات شراء الأنواع الشعبية وغير المكلفة من سكاكر العيد، بدلا من الأنواع باهظة الثمن ذات الجودة المتوسطة والعالية. لقد اعتاد السوريون شراء ضيافة العيد كطقوسٍ من طقوس الاحتفال بالأعياد، ويبدو أن عيد الفطر هذا العام شهد تغييرا جذريا مثل شهر رمضان، الذي غابت العديد من العادات والتقاليد والطقوس فيه، نتيجة الإحجام عن شراء العديد من المواد الغذائية، بسبب تدهور الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي فُرض على السكان.
أسعار “خيالية”
بالنظر إلى أن المواطنين اعتادوا على شراء الحلويات والسكاكر في الأعياد، بوصفها طقسا لا يتجزأ منه، إلا أن هذا الطقس شهد تغييرا وتحوّلا سواء لناحية الأنواع أو الكميات بما فرضه الواقع المعيشي الصعب على الناس.
في محافظة حلب السورية تباينت أسعار السكاكر والحلويات من حيث الأنواع المتوسطة والممتازة، إذ سجل سعر كيلو الراحة الممتازة 150 ألف ليرة والأنواع المتوسطة بين 40 – 108 آلاف، أما الشوكولا فيتراوح سعرها بين 70 – 120 ألف للأنواع الجيدة وبين 35 – 50 ألف للأنواع الشعبية، وفق تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الاثنين.
بينما تراوح سعر الكيلو من هريسة اللوز بين 50 – 75 ألف ليرة للنوع الممتاز وبين 20 – 35 ألف ليرة للأنواع الشعبية، في حين كانت أسعار الكرميلا بين 20 – 22 ألف ليرة والبسكوت بين 18 – 28 ألف ليرة، أما الحلويات العربية فتراوح سعر الكيلو منها بين 150 – 160 ألف ليرة، وسجل كعك العيد والأقراص بعجوة 22 ألف ليرة، في الأسواق الشعبية والبرازق 30 ألف ليرة، وكرابيج بجوز 45 ألف ليرة والبتيفور بأنواعه 22 ألف ليرة بشكل وسطي.
هذه الأسعار تُعتبر “خيالية” مقارنة بالرواتب والأجور، التي لا تتجاوز الـ 165 ألفا، وبالتالي العديد من السوريين تخلّوا عن بعض الطقوس في سياق استقبال عيد الفطر، إذ عزف نسبة كبيرة منهم عن شراء الحلويات التي ارتفع ثمنها إلى أضعافها، ولا سيما الحلويات العربية.
لذلك، صار الاكتفاء بشراء سكاكر العيد، الخيار الأفضل بالنسبة لهم، ولكن لا تتوفر جميع الأنواع أمامهم، حيث زادت أسعار السكاكر أيضا بشكل مهول، أي أن الإقبال زاد على الأنواع الشعبية من هذه السكاكر، وهو ما يتناسب مع الظروف المعيشية الحالية، وقد لا يتمكن البعض من الوصول إلى هذه الأنواع، نظرا لأن العديد من السوريين يسعون لتأمين لقمة العيش ولا يمكن لهم تدبير أكثر من ذلك.
حركة البيع “متراجعة”
في المقابل، تحدث بعض أصحاب محال بيع السكاكر للموقع المحلي، وقالوا إن حركة البيع متراجعة في هذا العيد أسوة بغيره، مشيرين إلى أن الإقبال على الأنواع الشعبية أكثر من غيرها نظرا لانخفاض سعرها كما أن الأهالي يسألون عن الأنواع التي يكون عدد قطعها أكثر، ورغم ذلك يشترون ربع احتياجهم، مضيفين بأن الأهالي كانوا يشترون ما يكفيهم لمدة أسبوع فقط.
في حين يؤكد رئيس “الجمعية الحرفية للمعجنات والحلويات والسكاكر والمرطبات والشوكولا” في حلب محمود مزيد، أن الأهالي يشترون الضروري في ظل ارتفاع أسعار السكاكر والحلويات التي ارتفعت بنسبة 100 بالمئة عن العام الماضي، فالصنف الذي كان سعر الكيلو منه 100 ألف صار ثمنه 200 ألف والسبب في الارتفاع هو دخول أصناف ومكسرات مثل الفستق الحلبي الذي وصل سعر الكيلو منه إلى 225 ألفا.
مزيد يتفق مع آراء أصحاب المحال التجارية بأن إقبال السكان أكثر على شراء الأنواع الشعبية من الحلويات والسكاكر والشوكولا، مشددا في السياق ذاته على أن أصحاب المحال وفي ظل المنافسة خفّضوا من نسبة أرباحهم وبما يتماشى مع القوة الشرائية.
أما في إطار الإقبال على شراء الحلويات تزامنا مع قدوم عيد الفطر، أكد رئيس “الجمعية الحرفية للحلويات والمرطبات السورية” بسام قلعجي، في وقت سابق أنه ضعيف جدا، متابعا “بالكاد نستطيع القول إن نسبة المبيع 30 بالمئة فارتفاع الأسعار حرم الناس من متعة شراء ضيافة العيد التي يُعتبر وجودها أساسيا في مناسبات كهذه، مرجعا سبب ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية وحوامل الطاقة وإيجارات المحلات والأمبيرات.
استبدال الحلويات بـ”السكاكر”!
نحو ذلك، وتزامنا مع الغلاء الجامح في الأسواق، وتحديدا أسعار الحلويات، بات الإقبال عليها خجولا وضعيفا مقارنة بالأعوام السابقة، حيث لجأ عدد من السوريين إلى استبدال “السكاكر والشوكولا والكراميلا” بالحلويات بوصفها أقل تكلفة.
العديد من أصحاب محال السكاكر والبن والشوكولا في دمشق، أكدوا لبعض الصحف المحلية، أن حركة الشراء والإقبال على شراء السكاكر والشوكولا جيدة حيث تصل نسبة المبيع لديهم إلى 60 بالمئة، مرجعين بذلك تناسب السعر مع الجميع، فكيلو السكاكر يبدأ بنحو 20 ألفا وهو مقبول مقارنة بأسعار الحلويات في الأسواق.
أما عن الأنواع التي يشتريها الناس، فيقول التجار، أصحاب المحال “الزبون بيعمل تشكيلة بـ 50 ألفا أو 60 ألفا حسب قدرته المادية ولكنها تشكيلة جيدة بأنواعها وجودتها”. في حين أكد بعض المواطنين على أنهم سيشترون هذا العام السكاكر والشوكولا بدلا من الحلويات، بسبب عدم قدرتهم على شراء الحلويات،
في الواقع، موجة الغلاء هذه طالت كل مستلزمات العيد، فبعض الأُسر لم تستطيع حتى شراء الأنواع الشعبية من سكاكر العيد، ليقتصر استقبالهم في هذا العيد على القهوة المرة والشاي والمعجنات والعصائر ذات النوعية الرديئة. ولولا حصول نسبة كبيرة من الأُسر في سوريا على الحوالات المالية الخارجية، لما استطاعوا شراء مستلزمات العيد، حيث بات مشهد الطوابير على شركات الحوالات كثيفا خلال الأسبوع الماضي وحتى الأسبوع الجاري، إذ إن هذه الحوالات أنقذت السوق من الركود.
حيث تُعد الحوالات الخارجية في شهر رمضان والأعياد مسألة إلزامية، ويُفضل معظم السوريين من المغتربين في مختلف أنحاء العالم أن يرسلوا الحوالات إلى سوريا في هذه الأوقات، مما يعني أن قيمة الحوالات الشهرية في رمضان والأعياد قد تصل لمئات من ملايين الدولارات.
عددٌ من التجار والبائعين في الأسواق يقولون بأن نسبة الزيادة في مبيعاتهم خلال الفترة الماضية، قُدّرت بنحو 30 بالمئة مقارنة بالأيام السابقة التي شهدت ركودا واضحا لعمليات الشراء بسبب نضوب مدخرات المتسوقين وعدم توافر المال الكافي لديهم نتيجة نفقات شهر رمضان.
التجار والبائعين عزوا إقدام المتسوقين على الشراء، بارتفاع نسبة الحوالات الخارجية الواردة إليهم كتبرعات ومساعدات أو مساهمات مالية دورية، متوقعينَ زيادة عدد الحوالات خلال الأيام القليلة القادمة.
أحوال السوريين في الداخل يُرثى لها، فبعضهم يحتفل بأبسط الأشياء والمستلزمات في الأعياد والمناسبات، ومنهم من لا يستطيع تأمين حتى كيلو واحد من ضيافة العيد، خاصة من النازحين في كافة المحافظات السورية، ويبدو أن أكثر الفئات حظا في سوريا هم من يتلقون حوالات خارجية، والتي تعتبر متنفسا جيدا، رغم أنها لا تعتبر الداعم الأساسي الذي يلبي جميع احتياجات الأُسر، نظرا لارتفاع تكاليف المعيشة إلى مستويات مهولة.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.