على إثر الوضع الاقتصادي المتدهور منذ سنوات عديدة في سوريا، أصبح جزء كبير من السوريين بالداخل يعتمدون على الحوالات الخارجية من مساعدات أسرهم ومعارفهم وأصدقائهم المقيمين في الخارج، حيث يتم إرسال مبالغ إما شهرية أو في كل مناسبة، بغية تمكّن أهاليهم الموجودين بالداخل السوري، الاحتفال وشراء بعض الحاجات الضرورية لهم.

عادة تزداد هذه الحوالات في شهر رمضان من حيث المبالغ المرسلة وحجم الشريحة التي تغطيها لأسباب تتعلق بثقافة أغلبية الشعب السوري التي تحضّ على زيادة الإنفاق في هذا الشهر، وفي هذا الصدد تقول تقارير محلية بأن الحوالات الخارجية الواردة إلى الأهالي أنعشت الأسواق مع اقتراب عيد الفطر، بعد فترة ركود من جراء ارتفاع الأسعار ونسب التضخم وتراجع القدرة الشرائية لأغلبية السكان.

إنعاش في الأسواق

بحسب تقرير سابق لمركز “جسور للدراسات”، يُقدَّر عدد المستفيدين من هذه التحويلات بأكثر من 5 ملايين نسمة متوزّعين على مختلف مناطق البلاد وبمبالغ شهرية أو شِبه شهرية تتراوح ما بين 125 و150 مليون دولار شهريا. وتُعد الحوالات في هذا الشهر مسألة إلزامية، ويُفضل معظم السوريين من المغتربين في مختلف أنحاء العالم أن يدفعوا هذه الصدقات في سوريا مما يعني أن قيمة الحوالات الشهرية في رمضان قد تصل لأكثر من 200 مليون دولار تتوزع بشكل رئيسي في شمال سوريا.

صحيفة “الوطن” المحلية، نشرت تقريرا اليوم الخميس، وتقول فيه إن أسواق مدينة حلب شهدت في الأيام الأخيرة تحسنا ملحوظا في الطلب على السلع والمواد المختلفة لمناسبة العيد، بعد ضخ أموال الحوالات الخارجية القادمة لنحو ثلث مواطني المدينة.

تنامي حركة التسوق بالأسواق الرئيسة في حلب، وكذلك الأسواق الشعبية، ملاحظ بشكل كبير، وخصوصا في فترتي ما قبل الإفطار وما بعده، حتى أن بعض الأسواق استجابت للطلب المتزايد على بضائعها بافتتاح محالها التجارية إلى فترة السحور التي تشهد إقبالا من المتسوقين الذين يفضلون الخروج إليها في غير أوقات الازدحام المعتادة، وفق الصحفية المحلية.

عددٌ من تجار وبائعي الألبسة ومستلزمات العيد، يقولون بأن نسبة الزيادة في مبيعاتهم خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، قُدّرت بنحو 30 بالمئة مقارنة بالأيام السابقة التي شهدت ركودا واضحا لعمليات الشراء بسبب نضوب مدخرات المتسوقين وعدم توافر المال الكافي لديهم نتيجة نفقات شهر رمضان.

البائعون عزوا إقدام المتسوقين على الشراء، بارتفاع نسبة الحوالات الخارجية الواردة إليهم كتبرعات ومساعدات أو مساهمات مالية دورية، متوقعين زيادة عدد الحوالات بشكل واضح خلال الأيام المتبقية من شهر الصوم وقبيل عيد الفطر.

مصدر الحوالات الخارجية

في المقابل، قدر متعاملون في الأسواق للصحيفة المحلية نسبة الأهالي الذين يحصلون على مساعدات مالية عن طريق الحوالات بحوالي ثلث عدد السكان، وخاصة القاطنين منهم في الأحياء الشعبية ممن ركبوا موجة النزوح إلى ألمانيا نهاية 2015، وقبلها إلى تركيا، ثم بعد ذلك إلى مصر والعراق ودول الخليج العربي، وهي الدول التي تتبوأ الترتيب الأول في سلّم أعداد السوريين خارج البلاد ممن يبادرون لمساعدة ذويهم في الداخل.

المصدر ذاته نقل عن “أبو عبدو”، القاطن في حي الهلك شرقي حلب، وهو أب لطالبتين جامعيتين وطالب في الثالث الثانوي العلمي، أنه لولا الحوالات التي ترسلها شهريا ابنته التي تعمل مع زوجها في مدينة أربيل/هولير بإقليم كردستان العراق لما تمكّن من تلبية نفقات عائلته ولا مستلزمات شهر رمضان ولا حاجيات العيد.

أما “محمد. ه” من سكان حي أغيور “أقيول” شرق المدينة أيضا، فيؤكد أن مصروف عائلته، المكونة من 5 أشخاص، يعتمد بشكل رئيس على الحوالات التي يرسلها إليهم ابنه الذي غادر قبل عامين للعمل في ورشة ألبسة بمصر. ولفت إلى أنه استلم حوالة قبل يومين تعادل 100 دولار من ابنه ليبدأ رحلة شراء المواد الضرورية للعيد، ومنها ألبسة أطفاله.

فيما لفت “أحمد. ت” إلى أن الكثير من أبناء حيّه السكري، يعيشون على الحوالات التي يرسلها أبناؤهم ممن سافروا إلى ألمانيا وتركيا خلال سنوات الحرب، وبمعدل 100 يورو لكل عائلة شهريا، مضيفا المبلغ مقبول للوفاء بتكاليف الحياة في ظل انسداد أفق الحصول على رواتب مجزية في القطاعين العام والخاص توازي ارتفاع الأسعار الجنوني لجميع أنواع المواد الغذائية والسلع على اختلاف أنواعها.

أبناء حلب من المقيمين خارجها وخاصة في الدول الأوروبية، يؤثرون إرسال صدقات الفطر إلى ذويهم وأقاربهم في المدينة قبيل عيد الفطر، ما يمكّنهم من تحسين حالتهم المادية وشراء ما يلزمهم للعيد، وهو ما ينعكس إيجاباً على الأسواق في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل كل عام.

الحوالات المالية.. “المنقذ الوحيد”

نحو ذلك، أحد سكان العاصمة دمشق، تحدث لموقع “الحل نت”، عبر اتصال هاتفي، وقال إن الحوالة الخارجية المالية هي التي أنقذته في شهر رمضان وقبيل عيد الفطر، ولولاها لما تمكن من شراء حاجات أسرته في هذا الشهر، بجانب مستلزمات العيد أيضا.

كذلك، نوه إلى أن الحوالات تأتيه في كل شهر ومناسبة من أبنائه المغتربين في الخارج، وأضاف أن “حوالي المليونين ليرة سورية كانت تكلفة شراء مستلزمات شهر رمضان الضرورية، أما حاجات العيد من حلويات والسكاكر والقهوة، فقد بلغت قرابة المليون أيضا، نظرا لغلاء الأسعار بشكل كبير، وتراجع مستوى الليرة أمام النقد الأجنبي”.

العديد من الخبراء يرون أن معظم العائلات السورية اليوم، وخاصة مَن لديهم أبناء وأقرباء في الدول الأوروبية والخليجية، لولا الحوالات الخارجية التي تُرسل لهم في كل شهر ومناسبة تقريبا، لما تمكّنوا من تمرير حياتهم المعيشية وشراء أي شيء من مستلزمات المناسبات والأعياد.

أما النسبة القليلة المتبقية من السوريين الذين لا تأتيهم حوالات مالية، حيث ليس لديهم أحد مقيم في الخارج، فإنهم أما يعملون بأعمال شاقة لتمضية العيد أو يبقون محرومين من بهجة شهر رمضان والعيد معا، نظرا لتدني مستوى الرواتب والأجور مقارنة بالواقع المعيشي الصعب، ويكتفون بالصدقات وغيرها من المساعدات المحلية المتواضعة.

مما لا شك فيه، إن هذه الحوالات تنعكس على تحسين درجة المعيشة لعدد واسع من السكان السوريين. حيث تُستخدم الحوالات بشكل رئيسي في تمويل احتياجات الأسرة من السلع الغذائية. كما يُمكن أن تنعكس بشكل إيجابي وبدرجة أقل من سوق الأغذية على سوق الألبسة الجاهزة التي يقبل الناس على شرائها قبيل عيد الفطر أو في عيد الأضحى، مما ينعش حركة الأسواق ويولد مداخيل للعاملين في أسواق السلع الأساسية ويرفع من سرعة دوران النقود. بالتالي يزيد الضغط على الأسعار باتجاه ارتفاعها.

في العموم، تعتبر الحوالات الخارجية منفذا جيدا للعائلات في سوريا، لكن لا يمكن اعتبارها على أنها تلبي جميع احتياجات أسرهم، نظرا لارتفاع تكلفة المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، بحيث تصبح تكلفة المعيشة الشهرية لأسرة سورية مكونة من أربعة أشخاص تتطلب أكثر من 3 ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 410 دولارات، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم المغتربين، خاصة وأن متوسط ​​تكلفة المعيشة في ارتفاع مستمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات