في خضم الارتفاع المتواصل للأسعار في سوريا، ما زالت المبررات كما هي، من تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي إلى حقيقة أنها أزمات ومشاكل اقتصادية عالمية، وليست مقتصرة على دمشق فقط، بالإضافة إلى اتهام التجار بالجشع والاستغلال.

لكن مقارنة بالدول الأخرى، لا سيما دول الجوار، ثمة ارتفاع غير منطقي في الأسعار بسوريا، حيث أن أسعار العديد من السلع، وخاصة المواد الغذائية الأساسية، هي الأغلى في سوريا مقارنة بلبنان أو الأردن أو العراق. كما جاءت في العديد من التقارير المحلية وعلى لسان مسؤولين حكوميين بدمشق الذين أقرّوا بأن الأسعار في سوريا، مقارنة مع الدول العربية هي الأغلى، وأن الفروق تزيد عن النصف. وفي الواقع، هذا أمر مثير للاستغراب ويدعو للتساؤل.

ارتفاع لأكثر من 100 بالمئة

نحو ذلك، بيّن عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم، أن أسعار معظم المواد ارتفعت خلال شهر رمضان الحالي بنسبة تجاوزت 100 بالمئة مقارنة بأسعارها خلال شهر رمضان من العام الماضي، مشيرا إلى أن العامل الرئيسي في ارتفاعها هو سعر الصرف الذي شهد العديد من حالات الارتفاع خلال العام الماضي، إضافة إلى مشاكل وتعقيدات “المنصة” التي أثّرت على الأسعار لذا يجب العمل على إلغائها بشكل كامل وسريع، وفق ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الخميس.

أكريم يقول أن معظم المواد متوفرة خلال شهر رمضان الحالي لكن المشكلة تكمن في أن الأسعار لا تتناسب مع مداخيل ورواتب المواطنين وثمة فجوة كبيرة بينها وبين دخله. وهذا الرأي يتفق معه معظم الخبراء والمحللين والأهالي في عموم المحافظات السورية.

بحسب منظوره يرى أن هناك ارتفاعا غير منطقي بسعر مادة الزيت النباتي في السوق حيث تجاوز سعر الليتر الواحد 18 ألف ليرة في حين أنه يباع في لبنان بسعر 10 آلاف ليرة الأمر الذي أدى إلى ازدياد حالات التهريب مؤخرا من لبنان إلى سوريا نتيجة لفارق السعر الكبير وهذا الأمر ينعكس بالفائدة على التاجر اللبناني وليس على التاجر السوري.

في وقت سابق اعتبرت “جمعية حماية المستهلك السورية” أن أسعار المواد في الدول المجاورة أرخص من الأسواق السورية. وهذا يعود لوجود السوق السوداء الموازية لمؤسسات “السورية للتجارة”، والاحتكار الموجود وخاصة المواد الاستراتيجية من سكر وزيت وأرز.

قد يهمك: التمور غادرت موائد السوريين.. ما علاقة السعودية وسعر الصرف؟ – الحل نت 

الخبراء يقولون إن هذا الأمر نتيجة طبيعية لعدم فتح الحكومة لباب الاستيراد لمن يرغب وخصوصا المواد الأساسية والضرورية، ونسبة كبيرة من المواد المتوفرة في السوق أغلى من دول الجوار، وبدون فتح باب الاستيراد أمام جميع التجار وعدم حصرها بأشخاص محددين، التابعين بشكل غير مباشر لمسؤولين كبار بالحكومة، لن يتراجع هذا الفارق الموجود بين سوريا والدول المجاورة.

هذا بالإضافة إلى ضعف الإنتاج المحلي الذي لا يغطي حاجة السوق، ومن ثم اللجوء إلى الاستيراد، وهذا ما يتسبب برفع تسعيرة المنتج، فضلا عن أن تكاليف النقل المرتفعة جدا بسوريا مقارنة بالدول المجاورة التي لا تعاني من أزمة محروقات مثل سوريا، فضلا عن ضعف استقطاب التجار والمستثمرين، نظرا لعدم توافر البيئة الملائمة لهم.

بينما بالدول المجاورة فهناك إنتاج محلي للعديد من السلع الأساسية كاف لحاجة مواطنيها، ويتوفر فيها المحروقات والكهرباء والخدمات العامة ككل، التي من شأنها دعم وتعزيز المشاريع الزراعية والحيوانية المحلية بشكل كبير، بينما في سوريا فدعم الإنتاج المحلي لا يكاد يكون معدوما.

الحكومة شريكة التجار؟

المسؤول الحكومي يلقي باللوم على الحكومة السورية في اختلاقها للأزمات وارتفاع للأسعار، حيث يقول إن قرارات عدم السماح باستيراد بعض السلع وبما فيهم مادة الزيت النباتي لكل من يرغب من التجار وعدم حصرها بأشخاص محددين، منوّها إلى أنه من المفترض أن يكون التدخل الإيجابي من “المؤسسة السورية للتجارة” وليس العكس.

إضافة إلى ذلك، يجب على المؤسسات الاستهلاكية الحكومية تخفيف الأعباء عن أكتاف المواطنين وليس تعميق الفجوة أكثر، ودليل على ذلك، قول أكريم “من غير المنطقي لها أن تأخذ دور ومكانة التجار وأن تقوم بكل أعمالها كما تفعل اليوم”.

هذا الحديث يبيّن ويعزز الفرضية القائلة بأن المؤسسات الحكومية شريكة مع التجار في استغلال ظروف وأوضاع المواطنين، من حيث ارتفاع الأسعار، لدرجة أنها أصبحت أغلى من الدول المجاورة.

كما أن عضو “غرفة تجارة دمشق” فايز قسومة، قال مؤخرا إن تجربة حكومة دمشق في تحرير الأسعار جزئيا فاشلة، والغلاء أصبح لا يوصف، لذا يجب أن تلجأ الحكومة إلى ما وصفه بـ “تكبير الاقتصاد، من خلال تأمين حوامل الطاقة وإنتاج أعظمي وتشجيع للصادرات لزيادة الرواتب بشكل متتال”، مشيرا إلى أنه يجب أن تُرفع الرواتب حتى مليون ليرة.

رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق، عبد العزيز المعقالي، قال في تصريح سابق إن أسعار المواد الغذائية في البلاد مرتفعة بنحو 40 بالمئة وربما أكثر عن أسعار المواد ذاتها في معظم الدول العربية، واعتبر أن الإجراءات والتصريحات الحكومية من أكثر العوامل التي تسهم في خلق فوضى في الأسواق والأسعار ورغم وجود ظروف دولية ترافقت مع الحرب الأوكرانية، إلا أن جملة الإجراءات والتعقيدات الحكومية وحالة التلاعب في السوق من بعض التجار لها الأثر الأكبر في ارتفاعات الأسعار الأخيرة، والتي قُدّر أنها تجاوزت خلال الأيام الأخيرة 50 بالمئة لبعض المواد والسلع الأساسية وخاصة المواد الغذائية.

فساد وتلاعب

مطلع العام الجاري، تحسّنت الليرة السورية مقابل الدولار قليلا قبل أن تعاود للارتفاع لاحقا، إلا أن الأسعار في الأسواق السورية ظلت ثابتة ولم تتغير أو تنخفض. وحينها قال أمين سر “جمعية حماية المستهلك” عبد الرزاق حبزة، إنه خلال الفترة السابقة التي ارتفع فيها سعر الصرف وتجاوز عتبة 7 آلاف ليرة للدولار الواحد، عزف التجار عن التوزيع للأسواق، الأمر الذي أدى إلى حصول ندرة بتوافر المواد، مضيفا أن التاجر عندما يشعر بقرب ارتفاع في سعر الصرف يرفع الأسعار بشكل فوري لكنه لا يقوم بتخفيض الأسعار عند انخفاضه لأنه يعتبر نفسه خاسرا.

بالتالي هذا يقود بالمرء للقول بأن القرارات الحكومية وضعف الرقابة والتموين، كانت السبب في تعميق الأزمات الاقتصادية للسوريين، لا سيما بعد تعديل سعر الصرف بما يعادل السوق السوداء، ورفع أسعار المحروقات، التي انعكست على أسعار مختلف السلع والخدمات، فضلا عن رفع الدعم الحكومي عن المزيد من شرائح المجتمع، وزيادة الضرائب على مختلف الفعاليات التجارية.

بالنظر إلى أن السورين يواجهون صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، وبالتالي هذا دفع بنسبة كبيرة من العائلات السورية بتجنب العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل، والمصروف، فضلا عن تقنين الوجبات الغذائية اليومية، والأمور المعيشية الأخرى.

يبدو أن حكومة دمشق، غير قادرة على تنفيذ وعودها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية بأسعار معقولة، حيث فشلت وزارة التموين السورية، في ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، وذلك تزامنا مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد النفطية، والتكاليف التشغيلية على المنتجين، فضلا عن الانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية، واستمرار استغلال وتلاعب التجار بالسلع من كل حدب وصوب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات