حالة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار تشهدها الأسواق السورية، خاصة منذ بدء شهر رمضان. وهذا الغلاء الفاحش أثّر على كثير من مختلف الأنشطة والعادات الاجتماعية وأوجه النشاط الاقتصادي كافة. وفي حين كان يلجأ السوريون إلى شراء المواد التي تعتبر من طقوس رمضان، أضحت العديد منها بما في ذلك التمور، حُلما بعيد المنال، بعد أن صار ثمنها يفوق التوقعات، وبعيدا عن متناول أيديهم، بسبب ارتفاع الأسعار الذي يصفونه بالجنوني، وقلة مداخيلهم بعد تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار.

أسعار التمور في الأسواق السورية شهدت ارتفاعا كبيرا مع بداية شهر رمضان، حيث وصل سعر الكيلو من بعض الأصناف إلى 100 ألف ليرة سورية، في حين اتهم بعض المسؤولين بالحكومة السورية الفروق بسعر الصرف بالوقوف وراء ارتفاع أسعار التمور.

أسعار تفوق الخيال

في السياق، تعتبر التمور من الأكلات اليومية للغالبية بالنسبة السوريين الذين اعتادوا على تناولها في شهر رمضان، إلا أن ارتفاع الأسعار مؤخرا، جعل من شراء كيلو أو حتى نصف كيلو تمر يتطلب ميزانية كبيرة أو راتب شهر كامل تقريبا، لم يعد بالإمكان توفيرها، للغالبية العظمى من السوريين.

أسعار التمور ارتفعت بشكل كبير مع بداية شهر رمضان، على الرغم من منح 500 إجازة لاستيراد التمور من السعودية قبيل الشهر الفضيل إضافة إلى التمور العراقية والإماراتية، وذلك حسب تقرير نشرته صحيفة “الوطن” مؤخرا، إذ تبدأ أسعار التمور في الأسواق من 10 آلاف ليرة لأقل الأنواع جودة وتصل إلى 50 ألف ليرة للصنف الأول.

عضو لجنة تجار ومصدّري الخضر والفواكه في دمشق محمد العقاد، قال إن ارتفاع أسعار التمور مرتبط بسعر الصرف على اعتبارها مادة مستوردة، علما أن التمر المستورد ذو جودة متوسطة باعتبار أن التمر العالي الجودة يصل سعر الكيلو منه إلى قرابة 100 ألف ليرة، لافتا إلى أن التمر الذي يباع بـ 10 آلاف ليرة سورية، هو من أسوأ الأنواع وأقلها جودة وهو مجهول المصدر، وفق ما نقلت عنه صحيفة “الوطن” المحلية، يوم الثلاثاء الماضي.

قد يهمك: “الفطر بديلا للحوم”.. كيف غيرت بدائل الأطعمة تقاليد السوريين في رمضان؟ – الحل نت

هذا وتُقدّر أسعار التمور في الأسواق السورية للكيلو الواحد بـ 100 ألف ليرة  للجودة العالية و 50 ألف ليرة للصنف الأول. أما التمور الخضري والمجدول وهي أردنية المنشأ فتقدر بـ 30 ألف ليرة سورية، والتمور المجهولة المصدر وذات النوعية الرديئة فتقدر بـ 10 آلاف ليرة.

أسباب الغلاء

طيلة السنوات الماضية كانت أسعار التمور في تصاعد ولا سيما خلال شهر رمضان، حيث الإقبال الكبير عليها، ودائما ما كانت حجج حكومة دمشق ترتبط بقرارات منع استيراد المادة التي كانت تصل إلى سوريا من دول الخليج، قطر والإمارات، إلا أنه وخلال الفترة الماضية سمحت الحكومة بالاستيراد.

لكن على الرغم من السماح باستيراد التمور من السعودية، فإن الكميات المستوردة قليلة جدا بسبب قلة الإقبال على الاستيراد، وفق ما يقوله العقاد، مبيّنا أن سوريا تستورد التمور من الأردن والسعودية والإمارات والعراق، وأن أكثر الأنواع المتوفرة حاليا بالأسواق هي التمر الخضري والمجدول ذو المنشأ الأردني، ويصل سعر الكيلو من هذين النوعين إلى 30 ألف ليرة، واصفا الإقبال على شراء التمر بالضعيف مقارنة بالأعوام السابقة.

من جانبه، اعتبر عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، أن أسعار التمور في سوريا منخفضة مقارنة بسعر استيرادها، لكنها مرتفعة بالنسبة لدخل المواطن، مبيّنا أن لسعر الصرف تأثير بنسبة 70 بالمئة على السعر النهائي للمادة، فضلا عن الرسوم الجمركية والضرائب، وتكاليف النقل التي ارتفعت بسبب أزمة المحروقات، بجانب شحّ الكهرباء.

لذلك يبدو أن الأمر كله مرتبط بخطط الحكومة غير المدروسة التي تسبب الأزمات وتزيد من الأعباء المعيشية على المواطنين، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الرواتب والمداخيل التي بالكاد تقدر بـ 160 ألف ليرة سورية، أي بنحو 15 دولارا.

بطبيعة الحال إذا كان راتب الشخص بهذه القيمة فلن يتمكن من شراء أي صنف من السلع الغذائية، وليس فقط التمر، وهنا يجب على الحكومة إعادة النظر في قيمة الرواتب بدلا من التذرع بعوامل أخرى حول ضعف الطلب على الأسواق في سوريا بحسب مراقبين.

هذا وسبق أن طالبت “غرفة صناعة دمشق” باستثناء مادتي الجوز والتمر من قرار منع الاستيراد الذي صدر في آب/أغسطس 2021، لعدم وجود كميات كافية تغطي السوق المحلية من هذه المواد، لأن سوريا بلد غير منتج للتمور أصلا، إلا أن الحكومة لم تستجيب وكانت “غرفة تجارة دمشق” تتذرع بإيقاف استيراد المواد غير الأساسية لمدة ستة أشهر في كل مرة، حفاظا على سعر صرف العملة السورية، مبررة في ذات الوقت بالظروف الاقتصادية الحرجة التي تشهدها المنطقة والعالم بأكمله وليس فقط سوريا.

في نفس العام قررت “وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية” السورية، إيقاف استيراد 20 مادة لمدة ستة أشهر حينها، مبررة قرارها باستجابة لطلب “مصرف سوريا المركزي”، بتخفيض قيمة فاتورة المستوردات الوطنية الإجمالية، ووفق الأولويات المُعتمدة بمقدار القيمة المطلوب تأمينها من قِبله لتمويل مستوردات القمح خلال الفترة المقبلة، وبهدف ترشيد الاستيراد والحد من استنزاف القطع الأجنبي. إلا أن كل هذه الخطط لم تحقق نتائج إيجابية، بل ومعدل ارتفاع الأسعار كان في تصاعد مستمر، بمعنى آخر، يبدو أن الغلاء في سوريا مرتبط بتدهور الليرة السورية بالدرجة الأولى وهذا ما يحد ويقلل من فرص السوريين من الحصول على حياة أفضل، وسط عجز الحكومة برفع قيمة الرواتب بالتزامن مع ارتفاع الدولار أمام الليرة.

خطط ملتوية

على إثر ارتفاع الأسعار بشكل عام ولا سيما التمور خلال الفترة الماضية، ضعُف الإقبال عليها كثيرا، الأمر الذي من شأنه تنشيط  ظاهرة السلع والمنتجات المغشوشة والفاسدة والمنتهية الصلاحية، بهدف تسويقها وبيعها بسعر أقل تزامنا مع ضعف القدرة الشرائية للمواطنين. وشهدت هذه الظاهرة انتعاشا كبيرا في السوق السورية خلال السنوات الماضية وحتى الآن، وبالطبع أسباب ذلك عديدة، وأهمها غياب الرقابة وتزايد الفساد والرشوة من الجهات الرقابية الحكومية، بالإضافة إلى تصاعد معدلات الفقر.

في الأشهر الماضية ضُبطت كميات كبيرة من التمور الفاسدة والموبوءة بالحشرات كانت معروضة للبيع في الأسواق السورية وتحديدا العاصمة دمشق. وعلى الرغم من إعلان دمشق استمرارها في ملاحقة الشركات والمعامل والتجار الذين يبيعون المواد الفاسدة والمغشوشة، إلا أن هذه البضائع لا تزال منتشرة ومتداولة في الأسواق، وكانت السبب في وقوع الكثير من السوريين ضحية حالات تسمم والإصابة بالعديد من الأمراض والأوبئة، فهذه البضائع يمكن أن تكون ذات آثار صحية خطيرة كأمراض المعدة وغيرها.

الخبراء يقولون إن ثمة العديد من الحلول والخطط والمقترحات من قبل خبراء اقتصاديين على طاولة الجهات المسؤولة لحلحلة الأوضاع المعيشية المأزومة، لكن صدّها بمبررات غير منطقية يقف في طريق تطبيقها على أرض الواقع، وفق تقارير محلية سابقة.

إذ لطالما شدد الخبراء الاقتصاديون وحتى المسؤولين في غرف التجارة ووزارة التموين وحماية المستهلك على ضرورة تعويض فاقد القدرة الشرائية للدخل دوريا وتنشيط عجلة الاقتصاد في ظل أوضاع اقتصادية متعثرة في وجه الجميع لأسباب يشوبها الكثير من الضبابية، فإطلاق العجلة الاقتصادية يجب أن يبدأ بخلق طلب على المنتجات والذي، إن وُجد يكون في حدوده الدنيا، لعدم وجود مقدرة شرائية للدخل، متسائلين عن تمسك الجهات المسؤولة وإصرارها بإطلاق تصريحات كـ “إبر مخدر” واهمة لا تستطيع أن تُخرج المواطن من عنق زجاجة سوء الوضع المعيشي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات