التحديات التي تواجهها البشرية في مكافحة التغيّر المناخي، أصبحت أكبر من أي وقت مضى، هذا ما قاله رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، هوسونغ لي، منتصف شباط/ فبراير الماضي، خلال اجتماع شارك فيه 195 بلدا لوضع اللمسات الأخيرة على تقرير قاتم عن تداعيات التغيّر المناخي.

دراسة حديثة أظهرت أن التغيّر المناخي ضاعف احتمالات حدوث جفاف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية “20 مرة على الأقل”، محذرة من أن حدوث جفاف للتربة كالذي شهدته أوروبا والصين وأميركا قد يتكرر مرة كل 20 سنة.

لكن آثار وتهديد التغيّر المناخي، هو أضعاف على القارة السمراء، الإفريقية، مع تهديد متزايد يشكله الإرهاب على مقدرات القارة. ففي القرن الإفريقي يتسبب الجفاف الحاد الناتج عن التغيّر المناخي في مجاعات واسعة النطاق، يفاقم ذلك أنشطة الجماعات الإرهابية بالمنطقة وعلى رأسها حركة “الشباب” الصومالية التي تستهدف عمدا جهود الإنقاذ والمساعدات الإنسانية.

تغير المناخ يُجوّع إفريقيا

تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، الصادر الأحد الماضي، أشار إلى أن 22 مليون شخص حاليا يعانون من أزمة جوع حادة بعد أربعة مواسم متتالية فاشلة في دول منطقة القرن الإفريقي، أبرزهم جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال. في حين دعا مسؤولون في المنظمة الأممية، للاستعداد للصدمة التالية سواء كان ذلك الجفاف أو الفيضان القادم.

وفق محللين في مشروع التهديدات الحرجة التابع لـ”معهد أميركان إنتربرايز”، فإن “تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم الظروف المزعزعة للاستقرار التي يستغلها تنظيما داعش والقاعدة، في مناطق القارة المختلفة”، وفقا لصحيفة “الشرق الأوسط“.

كما أن التغيّرات المناخية وما يصاحبها من تداعيات متعلقة بانتشار التصحر وموجات الجفاف تؤدي إلى التأثير على الأمن الغذائي في كافة أرجاء القارة، وتسبب في موجات هجرة جماعية للبحث عن الغذاء والماء، بجانب زيادة الاضطرابات والصراعات بين الجماعات المهاجرة وبين السكان الأصليين، مع زيادة معدلات الفقر والبطالة وسهولة التنقل بين الدول الإفريقية إلى استغلال الجماعات الإرهابية هذا العامل في اجتذاب مزيد من العناصر، مستفيدة من هشاشة النظم الأمنية، طبقا للخبراء.

أما دولة الصومال فتواجه أخطر كارثة إنسانية منذ أكثر من عقد، حيث ينتظر الصوماليون معرفة ما إذا كان خبراء الإغاثة سيعلنون رسميا عن المجاعة في الأسابيع المقبلة. وشهدت البلاد آخر مجاعتين كبيرتين عامي 1992 و2011، تسببتا في مقتل نصف مليون شخص، وكانت المجاعتان أيضا نتاج الجفاف الذي فاقم الحرب نتائجه.

قد يهمك: خطة أوروبية لوضع سقف لأسعار الغاز.. ما النتائج؟

العوائق والمخاطر

في إطار العوائق والتحديات في إيصال المساعدات الأممية الإنسانية، تُعد حركة “الشباب” الصومالية، أكبر عائق أمام جهود الإغاثة الدولية، وبحسب ما قاله مراقبون، فإن عناصرها “يرسلون مفجرينَ انتحاريينَ ويجندون الأطفال بالقوة ويعتدون على المزارعين ويمنعون جماعات الإغاثة من الوصول إلى المناطق الأكثر تضررا”.

قوات الأمن الصومالية تخوض عملية أمنية ينفذها جهاز المخابرات والأمن الوطني، أدت إلى مقتل عدد من أعضاء “حركة الشباب” وأعلنت قيادة القوات الأميركية في إفريقيا “أفريكوم”، مقتل عدد من مسلحي “حركة الشباب” في غارة جوية أميركية بطائرة مسيّرة، مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

أما في سياق مخاطر التغيّر المناخي، فإن خطر المجاعة أحد أكثر المخاوف المرتبطة بموجة الجفاف في المنطقة. ووفقا لتقارير لجنة “الإنقاذ الدولية” المتخصصة في رصد ودرء الكوارث الطبيعية، فإن ثلاث من دول القرن الإفريقي وهي إثيوبيا وكينيا والصومال، تعتبر موطنا لنحو 70 بالمئة من الأشخاص الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي في العالم.

تقرير لموقع “اندبندنت“، أشار إلى أن حالة الصراع المسلح الناتجة عن التغيّر المناخي ظاهرة بدأت ملاحظاتها في كل من نيجيريا والنيجر ومالي خلال السنوات الخمس الأخيرة عند مناطق تراجع حزام السافانا أيضا، وهو مما يعني إضافة أعباء أمنية إضافية على هذه الدول وغيرها التي تعاني أصلا انتشار الظاهرة الإرهابية على أراضيها، خصوصا أن بعض التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم “الشباب” في الصومال، باتت تحرص على حيازة مناطق توفر المصادر المائية، وتضع ذلك هدفا لها للتأثير في حياة السكان من ناحية، وإضعاف الحكومة من ناحية أخرى.

كما أن ظاهرة تغيّر المناخ مسؤولة جزئيا عن ظاهرة النزوح الداخلي في إفريقيا، حيث يهجر السكان مناطقهم المحلية بحثا عن الماء، وهربا من ارتفاع معدلات الرمال حول بيوتهم، ولعل الهجرة من شواطئ بحيرتي السنغال تشاد، وكذلك بحيرة فيكتوريا بما عكسته من تأثير بجفاف أجزاء ضئيلة من نهر النيل، يُعد تجسيدا لما يطلق عليه الهجرة البيئية، طبقا لـ”اندبندنت”.

في الأثناء حذرت الأمم المتحدة في تقرير نُشر قبل نحو أسبوع من أنه بدون الاستثمار العاجل في التخفيف من حدة تغيّر المناخ والتكيف معه، فإن بلدان منطقة الساحل الإفريقي تخاطر بعقود من الصراع المسلح والنزوح، والتي تفاقمت بسبب تداعيات التغيّر المناخي، من ارتفاع درجات الحرارة وقلة الموارد وانعدام الأمن الغذائي.

غابرييلا بوشر، المديرة العامة لمنظمة “أوكسفام” الدولية، قالت في تصريح سابق حول الموضوع، “لم يعد تغيّر المناخ مجرد قنبلة موقوتة، بل قنبلة تنفجر أمام أعيننا مباشرة”، مشيرة إلى أن “ملايين الأشخاص الذين يعانون بالفعل من الصراع المستمر والأزمات الاقتصادية يفقدون الآن سبل عيشهم بسبب كوارث الطقس القاسية والظواهر المناخية المتطرفة والتغيرات المتتالية”.

قد يهمك: ملايين الدولارات.. ما فائدة الدعم الدولي للعراق لمواجهة تغييرات المناخ؟

المخاطر الصحية

في سياق مخاطر التغيّر المناخي على الصحة الجسدية، فإن الاحترار له تداعيات على انتشار بعض الأمراض، منها الملاريا التي توسع انتشارها في كينيا أخيرا من ثلاث بؤر إلى 13 بؤرة، وهناك تحذيرات من منظمة “الصحة العالمية” بتأثر كل من تنزانيا وروندا بهذه الظاهرة بسبب انتقال العدوى.

بحسب بعض الدراسات البيئية، فإن هذه الظواهر ستكون لها عدد من التداعيات، منها مثلا أنه في الوقت الذي يتعزز فيه الأمن الغذائي لدول الشمال للكرة الأرضية، فإن المجاعات ونقص الغذاء سيكون من نصيب دول الجنوب، ولعل ذلك قد انعكس في إفريقيا التي يعاني فيها 17 مليون شخص المجاعة، خصوصا في مناطق شرق إفريقيا وبين دول الساحل.

قد يهمك: صراعات سياسية “إطارية” وراء حرائق مطار بغداد الدولي؟

أرقام “مهولة”

في المقابل، رصد تقرير عن البنك الدولي في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن قارة إفريقيا ستتأثر أكثر من غيرها بتغيّر المناخ، وتوقع هجرة ما يصل إلى 86 مليون إفريقي داخل بلدانهم بحلول 2050. وبحسب التقرير، تظهر البيانات الخاصة بالبلدان في غرب أفريقيا وحوض بحيرة فيكتوريا، أن مزيدا من المناطق الساخنة للهجرة المناخية يمكن أن تظهر في وقت مبكّر بحلول عام 2030، ويخلص التقرير إلى أنه بدون إجراءات ملموسة تتعلق بالمناخ والتنمية، يمكن لغرب إفريقيا أن تشهد إجبار ما يصل إلى 32 مليون شخص على النزوح داخل أراضيها بحلول عام 2050.

هذا وتعتبر منظمة “أوكسفام” أن زيادة حدّة مثل هذه الظواهر الجوية المتطرفة وعواقبها تعكس أيضا أوجه اللا مساواة في العالم، فتقول، “ففي حين أن الأشخاص في البلدان الفقيرة أقل قدرة على التعامل مع عواقب تغيّر المناخ، فإن بلدانهم تُعد من بين البلدان الأقل إسهاما في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عالميا”.

منظمة “أوكسفام” تستشهد بالدول الإفريقية كالصومال وكينيا والنيجر وبوركينا فاسو وجيبوتي ومدغشقر وزيمبابوي، كنقاط ساخنة لأزمة المناخ، إلى جانب أفغانستان وغواتيمالا وهايتي. هذا وقد تأثرت هذه البلدان بشكل واضح بالظواهر الجوية المتطرفة في العقدَين الماضيين، وفقا للدراسة، التي تؤكد أن ما مجموعه 48 مليون شخص في هذه البلدان العشرة يعانون الآن من التهديد الحاد بمواجهة الجوع.

من جانبها، قالت المديرة الإقليمية لبرنامج الغذاء العالمي، كورين فلايشر، مؤخرا “الآن هناك نزوح أكثر بعشر مرات في جميع أنحاء العالم بسبب تغير المناخ والصراعات المسلحة، وهما موضوعان مترابطان. نحن قلقون حقا بشأن التأثير المزدوج لكل من وباء كورونا وتغير المناخ والحرب في أوكرانيا”.

قد يهمك: أميركا وإسرائيل تبحثان مناورات تحاكي هجوماً على إيران.. الفرص والتداعيات

إضعاف الاقتصاد

هناك الكثير من التداعيات الاقتصادية المتوقعة للموجة الحالية والتي يمكن تلخيصها في فشل الموسم الزراعي، وضعف المردود العلفي من المراعي الطبيعية، الأمر الذي سيؤدي إلى نفوق الحيوانات. إلى جانب التداعيات الاجتماعية المحتملة، حيث حدوث انخفاض حاد في مدخول المزارعين والرعاة، وبالتالي انتشار الفقر وما يتبعه من نزوح وسوء تغذية بجانب ترك الأطفال للمدارس والعمل في مِهن هامشية لدعم ميزانية أُسرهم.

في آخر تقاريرها لهذه السنة، سلطت منظمة “أوكسفام” الضوء على أزمة المجاعة في العديد من المناطق التي تأثرت بشدة بالتغيّرات المناخية. مبرزة أن الاحتباس الحراري يتسبب في حدوث المزيد من الظواهر الجوية القاسية. حيث نوّهت الدراسة إلى أن المناطق التي تشهد أشد أزمات المناخ عبر العالم، والتي تعتبر الأكثر تضررا من الظواهر المناخية الشديدة. يعاني عدد هائل من الأشخاص في هذه المناطق من تهديد بالمجاعة، مما قد يؤدي إلى حركة نزوح وأنماط متعددة من الهجرة غير النظامية.

كذلك، تقرير أصدره “البنك الإفريقي” للتنمية، يتوقع فيه استمرار التباطؤ الاقتصادي في دول شرق إفريقيا ليحوم النمو حول 4 بالمئة العام الجاري، بسبب تداعيات المناخ وتوافر الطاقة والآثار المستمرة لـ”كوفيد 19″ والآثار السلبية للتوترات الجيوسياسية وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جانب الصراعات والتوترات الإقليمية.

التقرير نوّه إلى أنه بسبب هذه العوامل، شهدت بلدان المنطقة البالغة 13 دولة ضغوطا تضخمية متزايدة، لا سيما في قطاع الأغذية والوقود، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، بسبب هبوط العملات الوطنية، والفيضانات والجفاف، وتقلص الإنتاج الزراعي، وكساد النشاط التجاري، وانخفاض تحصيل الإيرادات، موضحا أنه مع إعادة فتح الاقتصادات على مستوى العالم يمكن أن تخف حدة الآثار السلبية في العام المقبل بمعدل نمو متوقع يبلغ 4.7 بالمئة، مما يعيد وضع شرق إفريقيا كأفضل أداء في النمو بين مناطق القارة.

التقرير الصادر بعنوان “دعم المرونة المناخية وانتقال عادل للطاقة”، أضاف أن أكثر العوامل التي تُضعف نمو 13 دولة في منطقة شرق إفريقيا، تغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات، كما وتقدر فجوة تمويل المناخ في شرق إفريقيا بمتوسط حوالي 60 مليار دولار سنويا للفترة 2020-2030، معتبرا أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والسندات الخضراء، وضمانات المخاطر الجزئية والائتمان الجزئي، وتعويضات الكربون، وتجارة الطاقة الإقليمية، تمثل بعض التدابير التي يمكن أن توفر تمويلا بديلا لتغير المناخ.

بدوره، أفاد وزير المالية التنزاني مويجولو لاميك نشيمبا، إن عوامل تعطيل سلاسل التوريد الإقليمية والدَّين العام والمناقشات العامة بشأن الحاجة إلى سياسات الإنفاق لصالح الفقراء كانت أكثر العوامل تأثيرا على المنطقة، وأنه على الرغم من الزيادة في الاستثمارات في البنية التحتية، إلا أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتسريع تطوير البنية التحتية المستدامة، بما في ذلك الطاقة المتجددة لدعم التصنيع وتحفيز النمو الشامل، داعيا إلى تعبئة موارد إضافية لتوسيع نطاق الحصول على الطاقة، مشيرا إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تتمتع بموارد هائلة من الطاقة المتجددة لإضاءة القارة بأكملها.

المديرة العامة لشرق إفريقيا في “البنك الإفريقي” للتنمية، نينا نوابوفو، أكدت أن ضعف منطقة شرق إفريقيا أمام آثار تغيّر المناخ مثل الجفاف والفيضانات، يمكن أن يعيق الانتعاش الهش في المنطقة، ما يدعو لاتخاذ تدابير سياسية عاجلة لبناء مرونة الاقتصاد الكلي من خلال تنويع الاقتصادات لتحمل الصدمات.

في المجمل، فإن الاتحاد الإفريقي يعد ظاهرة التغيّر المناخي من أهم التحديات التي يواجهها كمؤسسة قارية تسعى إلى استقرار دولها، وهو ما يجعل الظاهرة ترقى إلى مستوى تهديدات الفقر والحروب والنزاعات الأهلية. إلى جانب أنه سيُسهم في حدوث تغيّر عالمي عميق، إذ من المتوقع أن تشكل هذه التغيّرات مخاطر حقيقية على السلم والأمن الدوليين، لذلك من المتوقع أن تتطلب هذه التغيّرات إجراءات داخل منظومة “الأمم المتحدة”.

قد يهمك: مركز متقدم للمغرب في مؤشر الطاقة المتجددة.. ما دوره في مواجهة أزمة البلاد النفطية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.