أزمة الطاقة من جديد على طاولة الدول الغربية بعد نحو تسعة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا. هذه الأزمة حملت تبعاتها على القارة ودفعت الساسة الأوروبيين إلى إعادة رسم نهج السياسة الخارجية في مجالات عدة على رأسها الاقتصادية وما يتعلق بالطاقة.

مفوضة الطاقة الأوروبية، كادري سيمسون، أعلنت أن المفوضية اقترحت، يوم أمس الثلاثاء، العمل بوضع حد أقصى لسعر الغاز لمدة عام بدءا من الأول من كانون الثاني/يناير عند 275 يورو لكل ميغاوات ساعة، بجانب أن المفوضية تأمل أن يساعد وضع سقف للأسعار الدول الأعضاء على كبح أسعار الطاقة للمنازل والشركات التي وصلت إلى مستويات قياسية هذا العام بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، التي ضاعفت كلفة المعيشة لدى السكان، وفقا لـ”رويترز”.

الخطة الأوروبية

من المفترض أن يناقش وزراء الطاقة في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، المقترحات يوم غد الخميس 24 تشرين الثاني/نوفمبر.

الخطة تستهدف تقليص عائدات موسكو النفطية إلى مستوياتها قبل غزوها لأوكرانيا، مع الحفاظ على استمرار وجود الخام الروسي في السوق العالمية، لتجنب المزيد من الارتفاع في الأسعار، خصوصا عندما يبدأ الحظر الأوروبي على واردات النفط الروسية مطلع الشهر المقبل.

حيث إنه بموجب الخطة، ستحظر مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا تقديم الخدمات البحرية لشحنات النفط الروسي، ما لم يتم بيع النفط بأقل من الحدِّ الأقصى المحدد. وتأمل الدول الغربية الاستفادة من سيطرتها على كثير من خدمات التأمين البحري، والتمويل، والشحن البحري في العالم لإملاء شروط مبيعات النفط الروسية.

بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، يأتي على رأس قضايا مستوى سقف السعر، مطالبات من دول مثل بولندا وليتوانيا، بسقف أقل بكثير من المقترح، بحيث يكون مقاربا لسعر الإنتاج الذي يقدره مسؤولون بولنديون بنحو 20 دولارا للبرميل الواحد.

أوليج أوستينكو، المستشار الاقتصادي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أفاد بدوره أنه “إذا طبَّقت الحد الأقصى للسعر عند 60 أو 65 دولارا، فهذا يبدو معقولا من وجهة نظر حلفائنا. لكن من وجهة نظرنا، فإننا نود أن نرى الحد الأدنى الممكن، وهو التكلفة الحدية للإنتاج”.

قد يهمك: هيمنة فرنسية.. لندن تخسر السوق المالية في أوروبا؟

توافق كلي؟

في إطار مباحثات وزراء الطاقة في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي يوم غد الخميس، يجب الاتفاق على صيغة الحد الأقصى ومستوى سقف الأسعار، بالإضافة إلى حجم الفجوة بين سعر بورصة “تي.تي.إف” وأسعار الغاز الطبيعي المسال العالمية، كما ويجب أن تتفق الكتلة بالإجماع على مسألة سقف السعر، وهو ما يحذر دبلوماسيون من صعوبته، في وقت تسعى مجموعة السبع إلى إقرار ذلك بالتزامن مع اجتماع سفراء الاتحاد الأوروبي.

إن فكرة الحد الأقصى للسعر أدت إلى خلافات متواصلة بين دول التكتل، حيث إن بلجيكا واليونان وإيطاليا وبولندا من بين الدول الأعلى صوتا في المطالبة بوضع سقف لسعر الغاز، لكن ألمانيا، أكبر اقتصاد في التكتل، تتزعم المعارضة.

حيث قالت ألمانيا، إن وضع سقف للأسعار قد يجعل من الصعب جذب إمدادات الغاز التي تشتد الحاجة إليها ويقلص الحوافز للحد من استهلاك الغاز، في وقت يتعين خلاله على الدول تقليص الاستهلاك والعثور على بدائل للإمدادات الروسية، طبقا لـ “رويترز”.

قد يهمك: تمديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية أربعة أشهر.. ما تأثيره على أزمة الغذاء العالمية؟

سقف الأسعار

في سياق متّصل، اقترحت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، وضع سقف لأسعار المشتقات في تعاقدات الشهر المقبل في بورصة “تي.تي.إف” التي مقرها هولندا وهي معيار للأسعار في أوروبا.

وفق وثائق للمفوضية، فإن تطبيق سقف الأسعار سيبدأ إذا تجاوز سعر التسوية في البورصة لتعاقدات الشهر المقبل 275 يورو للميغاوات ساعة لمدة أسبوعين وإذا كانت أسعار “تي.تي.إف” أعلى بمقدار 58 يورو عن السعر المرجعي للغاز الطبيعي المسال لمدة 10 أيام تداول متتالية في غضون أسبوعين.

بالتالي إذا استوفيت هذه الشروط، فلن تُقبل أي صفقات أعلى من السقف المحدد، كما ولن يؤثر ذلك على التجارة خارج البورصة التي قالت المفوضية إنها صمام أمان لعمليات التسليم الحيوية بينما لن تستحوذ على الأرجح على أي حصة كبيرة من التجارة.

أما عن رأي السوق، فقد كتب “اتحاد بورصات الطاقة الأوروبية” (يوروبكس) إلى المفوضية قائلا إن الخطة قد تشكل خطرا كبيرا على الاستقرار المالي والإمدادات في أسواق الطاقة الأوروبية.

“يوروبكس” أفاد أن الحد الأقصى قد يؤدي إلى توقف المرافق العامة عن الشراء والبيع، في ما يسمى التحوط، لإنتاجها من الغاز واستهلاكها ويدفعها أكثر نحو التداول خارج البورصة من دون الخضوع لسقف معين مما يفاقم أخطار الطرف المقابل، وأن الحد الأقصى قد يجعل من الصعب على المرافق جذب إمدادات الغاز الطبيعي المسال.

المتعاملون اعتبروا أن ذلك قد يقلص سيولة صفقات عقود الشهر التالي ويؤدي إلى زيادة التداول في منتجات أخرى مثل عقود اليوم المقبل، في حين قالت سيمسون إن الآلية مصممة بعناية لتكون فعالة، مع عدم تعريض أمن الإمدادات وعمل أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي والاستقرار المالي للخطر، وفق “رويترز”.

قد يهمك: أبرز ملفات قمة “أبيك”.. تهديدات كوريا الشمالية حاضرة؟

النتائج

في إطار نتائج هكذا إجراءات، ذكرت سيمسون حين أعلنت الاقتراح أنه لا يوجد حل سحري لخفض الأسعار. أما عقود بورصة “تي.تي.إف” الهولندية للشهر التالي يتم تداولها مقابل 120 يورو لكل ميغاوات ساعة، لكنها وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال اليوم فوق 340 يورو لكل ميغاوات ساعة هذا العام. ومستوى 275 يورو هو سقف أعلى مما توقعه البعض، فقد اقترح دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي في السابق نطاقا يتراوح بين 150 و180 يورو لكل ميغاوات في الساعة.

غير أنه صُمم سقف السعر ليكون حلا مؤقتا، تريد المفوضية معيارا بديلا أكثر استدامة لأسعار الغاز في أوروبا، وطلبت من منظمي الطاقة في الاتحاد الأوروبي تدشين مثل هذا المعيار بحلول 31 آذار/مارس 2023.

في المقابل، اقترحت المفوضية وضع سقف لسعر الغاز الروسي في أيلول/سبتمبر الماضي لكنها تخلت عن الفكرة بعد مقاومة من دول وسط وشرق أوروبا التي شعرت بالقلق من احتمال أن ترد موسكو بقطع الغاز الذي ما زالت ترسله إليها، وبالتالي اعتمدت أوروبا على روسيا للحصول على ما يقرب من 40 بالمئة من احتياجاتها من الغاز قبل غزو موسكو لأوكرانيا. وانخفضت هذه الحصة إلى نحو ثمانية بالمئة مع قطع روسيا الإمدادات عن أوروبا.

تاليا، وبالنظر إلى هذا الانخفاض، قال دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي إن تحديد سقف للسعر لن يؤثر كثيرا في خفض أسعار الغاز في أوروبا، وسيمثل بشكل أكبر تحركا جيوسياسيا لخفض عائدات موسكو.

كذلك، خفض الاتحاد الأوروبي مقترحه الخاص بالعقوبات لوضع حد أقصى لسعر صادرات النفط الروسية من خلال تأخير تنفيذه، واقترح الاتحاد الأوروبي إضافة فترة انتقالية مدتها 45 يوما لتحديد السعر الأقصى، وفقا لوثيقة اطلعت عليها “بلومبرغ“.

“بلومبرغ” ذكرت في وقت سابق، أنه من المقرر أن يجتمع الدبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي بهدف الموافقة على الحد الأقصى. ومن المتوقع أن يناقش الدبلوماسيون أيضا مستوى الأسعار في الاجتماع. وإذا أيدوا الاقتراح، يمكن أن يعلن الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع عن الحد الأقصى.

الولايات المتحدة دفعت حلفاءها في أوروبا إلى تعديل حزمة من العقوبات النفطية، بهدفين؛ إبقاء النفط الروسي في السوق لتجنب الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، وفي الوقت عينه تحد من عائدات موسكو، حسب “بلومبرغ”.

الوثيقة تنص على أن السفينة التي تنقل “عمدا” النفط الروسي أو المنتجات البترولية فوق الحد الأقصى سوف يُحظر عليها تلقي الخدمات المتعلقة بعملية النقل لمدة 90 يوما بعد تاريخ تفريغ البضائع المشتراة فوق سقف السعر.

على مدى أشهر من الجدل بشأن طريقة التصدي لقفزة في أسعار الغاز، بعد غزو روسيا لأوكرانيا، قال معارضون لفكرة تحديد سقف سعري، إنها قد تؤدي لزيادة الاستهلاك، وتجعل المشتريات صعبة وتتسبب في مخاطر قانونية متعلقة بالعقود القائمة.

قد يهمك: الأضخم في تاريخها.. موازنة الجزائر جرعة تفاؤل أم عجز جديد؟

روسيا تهدد بخفض الغاز

فيما تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها للاتفاق على تحديد سقف لسعر النفط الروسي بحد أقصى يصل إلى 60 دولارا للبرميل، اليوم الأربعاء وفرض قيود طارئة على أسعار الغاز الطبيعي، لمنع مزيد من الضرر الذي يلحق بالاقتصاد الأوروبي، هددت روسيا بتقييد إمدادات الغاز المتجهة إلى غرب أوروبا عبر خط الأنابيب الوحيد الذي لا يزال يربط المنطقة، محذرة بأنها قد تخفض التدفقات التي تمر عبر أوكرانيا ابتداء من الأسبوع المقبل.

شركة “غازبروم”، التي تحتكر خطوط أنابيب تصدير الغاز في روسيا، أوكرانيا، اتهمت بسرقة إمدادات الغاز المتجهة إلى مولدوفا من خلال خطوط الأنابيب التي تمر عبر أراضيها، وحذرت من أنها قد تخفض الإمدادات اعتبارا من 28 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حسبما أفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.

على الرغم من أن الإمدادات الروسية المتجهة إلى مولدوفا لا تمثل سوى نسبة صغيرة من إمدادات الغاز التي تمر عبر أوكرانيا، إلا أن أي تهديد لمسار خط الأنابيب المتبقي الذي ينقل الإمدادات إلى أوروبا الغربية من المرجح أن يؤدي إلى زعزعة أسواق الطاقة مع بداية فصل الشتاء.

توم مارزيك مانسر، من مؤسسة “آي سي آي إس” لاستشارات الطاقة، أفاد لـ”فاينانشيال تايمز” إنه على الرغم من أن تهديد “غازبروم”، في الوقت الحالي، موجه فقط إلى الإمدادات الروسية المتجهة إلى مولدوفا عبر أوكرانيا، من المرجح أن يشعر التجار بالقلق من أن يكون ذلك تمهيدا لمزيد من التخفيضات.

مانسر بيّن أن التقليص الكبير للإمدادات الروسية عادة ما يحدث مع التهديدات بخفض حجم الإمدادات بكمية صغيرة في البداية، مُشيرا إلى أن اتهام أوكرانيا بتحويل مسار الإمدادات يحاكي أزمة الغاز التي حدثت في عام 2009، عندما خفضت روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا كرد فعل.

قد يهمك: موزمبيق تدخل نادي مصدري الغاز.. هل يعزز الغاز الإفريقي أمن الطاقة في أوروبا؟

خيارات أخرى

خيارات عدة في أوروبا بحسب الساسة والإعلام منها خفض استخدام الغاز، حيث اتفق وزراء الطاقة في دول الاتحاد على تخفيض طوعي بنسبة 15 بالمئة اعتبارا من آب /أغسطس وحتى آذار/مارس 2022، مقارنة بمتوسط الاستهلاك السنوي خلال الفترة من 2017 إلى 2021، كما تم طرح على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل من أجل خزين الغاز.

صحيفة “نيبسزافا” المجرية اليسارية الليبرالية كتبت في أحد أعدادها السابقة، أن الاتحاد الأوروبي يواجه أشهرا صعبة للغاية، والسؤال الأكبر هو ما إذا كان سيتمكن من الحفاظ على الدعم الشعبي للعقوبات ضد روسيا. وشككت الأحزاب الشعبوية اليمينية في الشعور بالإجراءات العقابية ضد موسكو. ستكون الأشهر القليلة القادمة أكبر محنة للاتحاد الأوروبي. ولكن إذا نجح في البقاء وإصلاحه من خلال تدابير استباقية، فقد يصبح أقوى من أي وقت مضى.

هذا التحدي يراه الأستاذ غوريس، على أنه من التحديات الأصعب على مستوى وحدة الاتحاد لكنه يرى أنه لا خيارات أمام دول الاتحاد. العمل بشكل جماعي هو خيار مؤيدو أوروبا موحدة، ولكن هو أيضا خيار الخلاص، حيث إنه من دون هذا التعاون المتماسك ككتلة واحدة، ستتوجه الدول إلى الحلول الفردية وهذا يعني خلق حالة من الفوضى، كما حصل نوعا ما في بداية الجائحة في العام 2020 لكن هذه المرة بشكل موسع وأكبر قد يؤثر على كتلة الاتحاد ككل.

 فكرة التنسيق ونقل الغاز بين الدول كتلك بين فرنسا وألمانيا فكرة بناءة، ليس فقط في مواجهة الأزمة الاقتصادية والطاقية، وإنما أيضا في مواجهة صعود اليمين الواضح والمتسارع في أوروبا، بحسب غوريس، والذي يرى أن السياسات الخارجية في أوروبا ليست ذات فعالية ومصلحة حقيقية للشعوب الأوروبية.

حتى الآن لا يوجد موقف واحد في أوروبا، حيث إن النرويج مثلا ترفض وضع سقف للأسعار أو البيع بأقل من سعر السوق، والذي بات مرتفعا بطبيعة الأحوال، يعكس هذا الحال الفوضى الموجودة على المستوى العالمي والتي ستنذر بسلسلة من الصعوبات العالمية التي قد لا تنتهي قريبا.

العالم يمر بمراحل مفصلية في سياساته، ووجوده في ظل أزمات متتابعة تُعيد رسم وجه العالم السياسي لكن يبقى الجانب الاقتصادي صاحب الأثر الأكبر إلى جانب الآثار الاجتماعية، تعتبر أزمة الطاقة الحالية من اللحظات الحرجة التي تعرفها أوروبا، والتي ستحدد في قادم السنين شكل التعاون والتنسيق بين الدول خاصة مع مخلفات سياسية محتملة متمثلة بصعود يمين سيستغل الظروف المستجدة من أجل توسيع قاعدته الشعبية على حساب الأزمات والتحولات السياسية والاقتصادية.

قد يهمك: القفز نحو الأمام.. الصعود الإندونيسي وتحولات ميزان القوى الاقتصادية في شرق آسيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.