في الوقت الذي يواجه العراق تحديات التغير المناخي بوصفه أحد أكثر الدول تأثرا بتغيرات المناخ، يتبادر إلى الأذهان السؤال حول جدوى الدعم الذي يتلقاه لمواجهة هذه التحديات، وإلى أين تذهب الأموال التي تقدمها الدول لبغداد للعمل على مشاريع تخفف من تلك التأثيرات، بخاصة وأن هناك عدد من الدول الأوروبية والمنظمات الدولية قدمت دعما ماليا كبير للحكومة العراقية.

أخرها، منحت دولة السويد منحة مالية إلى العراق قدرها 10.2 ملايين دولار، لدعم جهوده في تخفيف آثار التغيرات المناخية ودعم تطوير الزراعة في وسط وجنوب البلاد، وذلك بحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية “واع“، عن الوكيل الفني لوزارة الزراعة ميثاق عبد الحسين، أمس الخميس.

عبد الحسين أكد أن، “السويد قدمت منحة للعراق بمقدار 10.2 ملايين دولار للتقليل من آثار التغير المناخي“، مضيفا أن “المنحة تدعم الأُسر في وسط وجنوب العراق لتطوير برامج الزراعة الذكية وتحسين إدارة المياه وتعزيز القدرة على الصمود للمجتمعات الزراعية“.

المنحة السويدية تأتي ضمن التزام السويد دوليا تجاه مساعدة الدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، حيث تلتزم الدول الأقل ضررا من تأثيرا التغير المناخي بمساعدة الدول النامية في إفريقيا والشرق الأوسط لمواجهة تلك التحديات، ويُعد ذلك من أهم الوسائل للتخفيف من حدّة  تغيرات المناخ.

ويُعد العراق من أكثر دول العالم تأثرا بتغير المناخ، ما يستدعي الحاجة إلى مواجهة تبعات الأزمة، ما يعني أن الزراعة في البلاد قد تكون عرضة لأجواء متطرفة صيفا وشتاء، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” وبرنامج “الأغذية العالمي“.

اقرأ/ي أيضا: صراعات سياسية “إطارية” وراء حرائق مطار بغداد الدولي؟

تأثيرات المناخ على العراق

من المرجّح أن تبعات تغير المناخ ستؤثر على الفئات الأشد فقرا، وسط تضاؤل الحيازات الزراعية للمزارعين، وفي ظل عدم تبني الجهات المختصة أنظمة زراعة وري ذكية تتواءم مع المخاطر التي يتعرض لها القطاع الزراعي في البلاد بسبب التغير المناخي، فضلا عن الاستمرار في استخدام المواد التي تزيد من الانبعاثات الضارة، وعدم التحرك حول مصادر الطاقة النظيفة.

إضافة إلى ذلك، يعاني العراق منذ سنوات من انخفاض متواصل في الإيرادات المائية عَبر نَهري دجلة والفرات، وفاقم أزمة شح المياه كذلك تدني كميات الأمطار الساقطة في البلاد على مدى السنوات الماضية.

يعتمد العراق في تأمين المياه أساسا على نهري دجلة والفرات، وروافدهما التي تنبع جميعها من تركيا وإيران، وتلتقي قرب مدينة البصرة جنوب العراق لتشكل شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.

وفقا لتقرير منظمة الـ “يو أن دي بي” البريطانية، فأن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة هطول الأمطار والملوحة وتكرار العواصف الرملية والترابية، هي من التحديات التي يواجهها العراق بسبب التغير المناخي، في الواقع، تم تصنيف العراق على أنه خامس أكثر دولة معرّضة لأخطار تحديات تغير المناخ في العالم من حيث انخفاض توافر المياه والغذاء ودرجات الحرارة القصوى، مما سيؤثر سلباً على إمدادات الغذاء والمياه والضمان الاجتماعي والصحة في العراق.

نتيجة لذلك، وبحسب وزير البيئة العراقي السابق، جاسم الفلاحي، فإن “7 ملايين عراقي مهددون بعدم الحصول على احتياجاتهم من المياه في السنوات المقبلة“، وهو ما دفع المملكة المتحدة إلى تقديم دعم بقيمة 5.7 مليون دولار أميركي، وإلى جانب حكومة كندا بحوالي 1.18 مليون دولار أميركي، لانتقال العراق إلى الطاقة النظيفة، ولدعم مبادرات التدريب التي ستوفر على مدى العامين المقبلين دعما شاملا للوزارات العراقية ذات الصلة بشأن إدارة الموارد المائية في سياق تغير المناخ.

اقرأ/ي أيضا: عقيل عباس: العملية السياسية العراقية ميّتَة سريرياً ولا مستقبل للنفوذ الإيراني

الفساد يعطل المعالجات المناخية في العراق

غير أن هذه الأموال لم تلقى طريقها إلى تحقيق مشاريع تذكر، على الرغم من أن هذه الملايين ليست إلا نذر يسير من ملايين أخرى حصلت عليها الحكومة العراقية لن لا توجد إحصائية لها، بحسب ما يقول الباحث في منظمة “الأمل” العراقية، علاء السراي.

ويضيف في حديث لموقع “الحل نت“، إن “عمل المنظمات في العراق هو أحد أكبر أبواب الفساد، سواء على المستوى الشخصي والرسمي، إذ أن المنظمات توفر أموالا كبيرة لدعم المشاريع التي تخدم كل شرائح المجتمع العراقي، إلا أن العاملين في المنظمات والمسؤولين عليها يتخذونها مصدر ثراء شخصي، وهو ما يتسبب بفقدان أغلب الأموال للمصالح الشخصية، ولذلك لو ركّزنا جيدا في عمل المنظمات في العراق لوجدناه ضمن أكثر الأنشطة حول العالم، لكنه لم يحقق ما كان يُفترض تحقيقه على الميدان“.

السراي تابع أيضا، أن “طبيعة عمل المنظمات يتم عبر القنوات الرسمية، أي بالتعاون مع مؤسسات الدولة العراقية، والوزارات والحكومات المحلية، وبغض النظر عن الوضع الأمني في أغلب المناطق التي هي في دائرة اهتمام المنظمات الدولية، فأن فساد الحكومات المحلية والدوائر الحكومة دفع بأغلب المنظمات وأهمها إلى تعليق أعمالها بسبب الابتزاز الذي تتعرض له في تلك الدوائر“.

وأردف بالقول، إن “الجماعات المسلحة على الأرض هي الأخرى تعيق عمل المنظمات، بالتالي هذا هو السبب الأساسي في عدم تحقيق نتائج فعلية في كل المشاريع وليست المشاريع التي تتعلق بتغييرات المناخ“، مبيّنا أن “عادة ما تقوم الدول التي تهتم في مثل هذه القضايا بعقد شراكات من البلدان التي تحتاج إلى دعم وتقدمها إلى تلك البلدان عبر القنوات الرسمية من خلال منظماتها، على اعتبار هي من تكون الجهة المتابعة والمراقبة على الأرض سير تلك الأموال“.

خطورة التغير المناخي في العراق تهدد حياة المواطنين بصورة عامة والمزارعين بصورة خاصة، مع زيادة العواصف الرملية؛ إذ شهدت البلاد 122 عاصفة ترابية خلال 283 يوما في سنة واحدة، والمحتمل أن تصل الأيام المغبرة إلى 300 يوم خلال العام، في ظل غياب حكومي مريب.

تجليات تأثيرات المناخ على العراق

جفاف الأهوار أحد أهم مخلفات التغيرات المناخية في العراق بظل الإهمال الحكومي؛ إذ اختفت مساحات مائية واسعة جدا من هور الحويزة الواقع على الحدود مع إيران، وهور الجبايش، الذي يُعد مقصدا سياحيا إلى الجنوب.

غياب شبه تام للأمطار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وانخفاض مستوى المياه المتدفقة من الأنهار التي تنبع من إيران وتركيا، كان سببا للجفاف، ما أرغم بغداد على تقنين استخدام احتياطاتها.

انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة تصل إلى 73 بالمئة، وكذلك عدم التوازن السكاني بنسبة 70 بالمئة في المناطق الحضرية، أدى إلى تراجع الزراعة، بحسب ما صرّح به المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، سامي ديماس، في وقت سابق.

حيث بلغت نسبة التصحر في العراق نحو 70 بالمئة، والنسبة قابلة للزيادة ما لم تبدأ الحكومة العراقية بحملات تشجير واسعة في جميع المحافظات. بحسب وزارة التخطيط.

يُذكر أن العراق فَقَد قرابة 100 ألف دونم، من الأراضي الصالحة للزراعة خلال السنوات الأخيرة، بسبب التغير المناخي الذي حدث عالمياً، فضلاً عن الاستخدام الجائر للتربة جراء الزراعة المتكررة ونظام الري الذي سبب تملّح التربة، ناهيك عن غياب الغطاء النباتي. وفق إحصاءات الأمم المتحدة.

اقرأ/ي أيضا: مساعي العراق الدولية لوضع حد للاعتداءات الإيرانية.. ما فرص النجاح؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.