بعد المواجهات العنيفة الأخيرة بين “حركة الجهاد الإسلامي” وإسرائيل، والتي بدأت فجر الثلاثاء الماضي بضربات جوية إسرائيلية على قطاع غزة والتي أسفرت عن سلسلة اغتيالات طالت عدة قيادات عسكرية في “سرايا القدس” الذراع العسكري لـ”حركة الجهاد الإسلامي”، وسقوط نحو 30 شخصا على مدار خمسة أيام متواصلة من القتال، توصّل الجانبان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة مصرية وسط ترحيب دولي.

الهجوم الإسرائيلي هذه المرة استهدف عناصر من “حركة الجهاد الإسلامي”، ويعتبر أعنفها ومماثل لما حدث في آب/أغسطس 2022، عندما تم استهداف قيادات في “سرايا القدس”، وكان أبرزهم قادة سابقون للمنطقة الشمالية تيسير الجعبري “أبو محمود” والمنطقة الجنوبية خالد منصور “ابو منصور”.

هذا ويبدو أن سلسلة الاغتيالات اليوم هي استراتيجية إسرائيلية تقوم عليها في تحقيق بعض الأهداف التكتيكية. وتدعيما لهذه الفرضية، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، يوم أمس الأحد، أن بلاده تمكّنت من تغيير المعادلة في العملية العسكرية الأخيرة في قطاع غزة، وقال في مستهل جلسة الحكومة “أنهينا الليلة الماضية بنجاح القتال الذي دام خمسة أيام ضد منظمة الجهاد الإسلامي الإرهابية. قبل بدء العملية، التعليمات التي وجهتها مع وزير الدفاع للجيش والشاباك لُخّصت في كلمتين، المبادرة والمفاجأة”.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول دلالات وسر توقيت اغتيال تل أبيب لقادة من “حركة الجهاد الإسلامي”، إضافة إلى أهداف تل أبيب من استهداف قيادات في الذراع العسكرية للحركة. وشكل رد الأخيرة ضد إسرائيل في الفترات المقبلة، سواء من احتمالات حدوث تصعيدات أكبر أو كيف سيكون شكل المواجهة القادمة.

سلسلة اغتيالات إسرائيلية

نحو ذلك، هاجمت إسرائيل قطاع غزة بعشرات الطائرات التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وقامت بتحييد ثلاثة من قيادات “حركة الجهاد الإسلامي” بسلسلة غارات، وهم جهاد غنام “أبو محمد” وطارق عز الدين “أبو محمد” وخليل البهتيني “أبو هادي” عبر عملية عسكرية في وقت واحد، وبشكل متزامن في مدينة غزة ورفح وشرق مدينة غزة.

“حركة الجهاد الإسلامي”- إنترنت

هذه الاغتيالات جاءت على طريقة مماثلة لما تم فيها اغتيال الجعبري، الذي اغتالته إسرائيل في 5 من آب/أغسطس 2022، باستهداف منزله في برج فلسطين وسط حي الرمال بمدينة غزة. كذلك اغتيل عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الجنوبية ومسؤول الوحدة الصاروخية في اليوم التالي لاغتيال الجعبري عام 2022، عبر غارة جوية على منزل سكني كان يتحصّن به في مدينة رفح جنوب القطاع.

اليوم اغتيل أحد القادة الثلاثة الذين اغتالتهم إسرائيل فجر التاسع من أيار/مايو الجاري، وهو جهاد الغنام، أمين سر المجلس العسكري، بجانب خليل البهتيني وهو عضو المجلس العسكري، وخلف الجعبري في قيادة المنطقة الشمالية وتمثيل “سرايا القدس” في غرفة العمليات المشتركة ويصف جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “شاباك”، البهتيني بأنه رجل الظل.

بجانب طارق عز الدين، الذي وصفته “سرايا القدس” بأحد قادة العمل العسكري للسرايا بالضفة. وفي فجر يوم الخميس اغتالت تل أبيب، عضو المجلس العسكري وقائد الوحدة الصاروخية، علي غالي، عبر قصف شقة كان يوجد بها في مدينة حمد جنوب القطاع، بجانب تصفية أحمد أبو دقة القيادي في الحركة، حسبما أفادت وكالة “رويترز” للأنباء.

كما ونشر الجيش الإسرائيلي فيديو لعملية اغتيال القيادي العسكري في “حركة الجهاد الإسلامي” إياد الحسني، الذي أعلنت الحركة عن مقتله في قطاع غزة يوم الجمعة الماضي، ويُظهر الفيديو لحظة استهداف شقة تقع في حي النصر داخل قطاع غزة، ليغطي الدخان المكان بشكل كثيف، وفق قناة “العربية“.

الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عزام شعث، يقول إن مواجهة إسرائيل مع “حركة الجهاد الإسلامي”، واستهداف قادتها في مطلع عملياتها العسكرية تأتي لاعتبارات عديدة، أهمها سعي رئيس الحكومة الإسرائيلية، والمتهم بالضعف في مواجهة التنظيمات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، لإرضاء أعضاء حكومته من اليمينيين المتطرفين، خاصة، بن غفير وسموتريتش.

دلالات اغتيالات القادة

شعث أردف في حديثه لموقع “الحل نت”، أن الاستهداف الإسرائيلي جاء لإرضاء قوى المعارضة الإسرائيلية من جانب آخر، ولاستعادة قوته والحفاظ على موقعه في رئاسة الحكومة، بعدما تراجعت أسهمه في استطلاعات الرأي في الشهور الأخيرة لمصلحة وزير الدفاع الإسرائيلي السابق وعضو “الكنيست” بيني غانتس، على خلفية أزمة التعديلات القضائية.

هذا فضلا عن أن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل أرادا استعادة قوة الردع في مواجهة الفلسطينيين التي فقدتها إسرائيل في المواجهات الأخيرة، خاصة المواجهة المحدودة التي انطلقت بعد وفاة خضر عدنان في السجون الإسرائيلية، وإضعاف قدرات الفصائل الفلسطينية في القطاع، بالإضافة إلى القدرات العسكرية لـ”حركة الجهاد الإسلامي” على نحوٍ خاص، باعتبارها المهدد الأساسي لاستقرارها، وفق شعث.

استدلالا لذلك، أضاف شعث، “إعلان إسرائيل مع انطلاق هجماتها العسكرية أنها تستهدف حركة الجهاد دون حركة حماس، التي جرى تحييدها في جولة المواجهة الأخيرة، وقد اشتغلت إسرائيل طيلة ساعات الهجوم على سياسة التفرقة والتجزئة والتحييد. يضاف إلى ذلك كله، تنصل إسرائيل من تعهداتها لخفض التوتر في قمتي العقبة وشرم الشيخ”، على حد تعبير شعث.

من جانبها رحب “البيت الأبيض” و”وزارة الخارجية الأميركية”، يوم السبت الماضي، باتفاق وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين وغزة، مع إشادة بدور مصر في التوصل إلى الاتفاق الذي ينهي تصعيدا استمر لخمسة أيام في قطاع غزة.

كما وشكر “البيت الأبيض” الجهود الدبلوماسية المحورية للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في التوصل للاتفاق، فيما أشادت “وزارة الخارجية الأميركية” في بيان  بدور مصر  الحاسم في التوسط في اتفاق وقف إطلاق النار.

تصعيدات أكبر؟

بالعودة إلى حديث نتنياهو في مستهل جلسة الحكومة، حيث أردف “بالأمس هنأت رئيس الأركان ورئيس الشاباك أيضا بكلمتين، أحسنتم عملا، مشيدا بالأداء الذي وصفه بالممتاز”، متابعا “بمبادرة كاملة ومفاجئة، أفشلنا قيادة الجهاد الإسلامي في غزة بكاملها. لقد دمرنا 17 مقرا للجهاد، وقضينا على العشرات من الإرهابيين، وضربنا مستودعات للصواريخ والقذائف، وأحبطنا خلايا بصواريخ مضادة للدبابات وأكثر من ذلك”.

نتنياهو اعتبر أن “أعداء إسرائيل اليوم، في غزة وخارجها، يدركون الآن أنهم حتى لو حاولوا الاختباء، يمكننا الوصول إليهم في أي وقت. تم تعزيز هذا الاعتراف بشكل كبير في العملية الأخيرة. قمنا بتغيير المعادلة”.

تحليل لموقع “إندبندنت” البريطانية، أشار إلى أن هذا الهجوم يُعتبر مخططا مسبقا وذلك منذ شهر رمضان الماضي بعد إطلاق الصواريخ من غزة في أعقاب أحداث المسجد الأقصى، لكن تقرّر تأجيل العملية وتنفيذها في وقت مناسب. من الواضح أن نتنياهو خضع للضغوط الأمنية من داخل الحكومة المصغرة، وفي إشارة لها دلالتها بأن الحكومة الإسرائيلية ومن الآن فصاعدا ستتبنى موقفا تصعيديا وليس تهادنيا، على رغم الرسالة الإيجابية التي جرى توجيهها للوسطاء الإقليميين وإلى المبعوث الأممي قبل المواجهة الأخيرة التي انتهت منذ أيام.

كما يبدو أن ثمة تيارين داخل الحكومة المصغرة برزا بعد اجتماع مجلس الحكومة المصغر خلال الساعات الأخيرة، ويُفهم من تصريحات رئيس الوزراء نتنياهو وهو الأرجح في التصعيد والمواجهة ويقوده “شاباك” و”أمان” في مقابل تيار سياسي يدعو إلى التهدئة وعدم الاتجاه نحو التصعيد في الوقت الراهن تخوفا من انفتاح المشهد الأمني، ودخول إسرائيل في مواجهة غير محسوبة، وهو ما يعني أن إسرائيل غير متّفقة في التعامل السياسي أو الأمني في القطاع وتجاه “حماس” و”الجهاد” معا.

آثار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة- “إنترنت”

بعد أن توقفت المواجهات بوساطة مصرية، تظل ردود “الجهاد الإسلامي” والدخول في مواجهة جديدة مع إسرائيل، مرهونة بانصياع الأخيرة لشروط التهدئة وتقيدها بها. كذلك الالتزام من قبل الحركة. الخروقات التي حصلت في السنوات الماضية بين إسرائيل والحركة، غير مستبعد فرص العودة إلى مواجهة جديدة بين قطاع غزة وإسرائيل. وفي تقدير شعث، أن المواجهة القادمة بين الطرفين ربما تنشب على خلفية أحداث في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، مع قرب مسيرة الأعلام الإسرائيلية أو اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى وتعزيزها للاستيطان، أو على خلفيات الاستهدافات في الضفة الغربية، وفي كل الأحوال ستكون “حركة الجهاد الإسلامي” رأس الحربة في هذه المواجهة.

يوم أمس الأحد، قال الجيش الإسرائيلي إن مسلحين فلسطينيين أطلقوا صاروخا على جنوب إسرائيل، فيما عزا مصدر بالغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية، الأمر إلى خلل فني. ويأتي إطلاق النار الجديد بعد أقل من 24 ساعة من التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و”حركة الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة.

هذا ويتوقع العديد من المراقبين أن تواصل إسرائيل استراتيجية سياسة الاغتيالات، وفق خطة تجفيف المنابع التي تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية بناءً على توصيات أجهزة المعلومات ولا سيما “شاباك”.

كما أن العملية العسكرية الأخيرة التي استهدفت قيادات في “حركة الجهاد الإسلامي” مؤشر على ذلك. لكن مع استمرار هذا النهج مع الحركة، قد يدفعها لرد مماثل ثم تتحول إلى مواجهة مفتوحة وخطيرة.

بالنظر إلى أن مرجعية “حركة الجهاد الإسلامي” هي طهران، فإن ردها سيكون في خضم معادلات كبرى تتغير في المنطقة، فبعد التقارب الإيراني السعودي وتخوف تنظيمات إقليمية تابعة لإيران تتصدرها حركتي “الجهاد” و”حماس” و”حزب الله”، من التداعيات السلبية المؤثرة التي قد يكون لها تأثير خطير ومباشر على ما سيحدث، فإن باب التصعيد مرجّح للغاية، وسط الأوضاع غير المستقرة في إسرائيل، وبالتالي خيار مواجهة جديدة مع القطاع ممكن في الوقت الحالي، وليس لها نهاية خلال الفترة المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات