يبدو أن إيران، بحسب الاتهامات الأميركية الأخيرة، لا تريد للجهود الدولية المتفاعلة بشكل كبير مع الحرب في اليمن، التوصل إلى اتفاق سلام شامل، بين “التحالف العربي” بقيادة السعودية، وجماعة “الحوثيين” المدعومة إيرانيا، على الرغم من اقترابها من ذلك، إذ لا تزال طهران مستمرة في دعم جماعة “الحوثي” بتوريد الأسلحة والمخدرات التي تغذّي الصراع في اليمن، رغم اتفاقها مع السعودية على إعادة العلاقات الدبلوماسية مؤخرا.

فبعد اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية في الثالث من آذار/مارس الماضي، على إعادة العلاقات الدبلوماسية المنقطعة منذ العام 2016 بين الجانبين، كان يُفترض أن تسير جهود التوصل إلى سلام شامل في اليمن بسرعة كبيرة وبعيدا عن أي تحديات يمكن أن تعرقل ذلك، بخاصة وأن الكثيرين رأوا أن الملف اليمني يمثل الاختبار الحقيقي لنجاح المصالحة بين الدولتين اللتين تخوضان حروبا بالوكالة في رُقع جغرافية متعددة، على رأسها اليمن.

بالفعل، سارت الأمور في بدايتها على ذلك النحو، وزار وفدا سعوديا برئاسة السفير السعودي محمد آل جابر، بجانب وفد عماني، العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة الموالية لإيران، وأجرى في لقاء نادر مع مهدي المشاط، رئيس “المجلس السياسي الأعلى” في حكومة “الحوثيين” غير المعترف بها دوليا، مفاوضات كان يفترض أنها ستؤدي إلى تجديد الهدنة بين الحكومة اليمنية الشرعية و”الحوثيين” المنتهية منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قبل أن يعود الفتور ليسيطر على الأجواء بعد تصاعد مؤشرات فشل المفاوضات.

اتهامات أميركية لإيران

وسط ذلك، اتهم كل من المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ ووزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، أمس الخميس، إيران بالاستمرار في دعم جماعة “الحوثيين”، وذلك خلال حديثه عن زيارته الأخيرة إلى المنطقة، قائلا إن إيران مستمرة في توريد الأسلحة والمخدرات التي تسهم في تأجيج الحرب، التي اندلعت في 2014 وأدت لواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.

حيث يواصل الإيرانيون في هذا الصراع تهريب الأسلحة والمخدرات، بحسب ليندركينغ، الذي قال؛ نشعر بقلق بالغ إزاء استمرار هذا النشاط رغم الفوائد التي قد تترتب على الاتفاق السعودي الإيراني، لذلك أعتقد أن علينا أن نراقب ذلك.

المبعوث الأميركي أضاف، أن الاتفاق السعودي الإيراني لا يكفي وحده لإنهاء الصراع الذي لا يمكن تسويته إلا من خلال التفاوض بين الأطراف اليمنية، مستدركا؛ لا أعتقد أننا وصلنا إلى خط النهاية، فهناك الكثير من التحديات وكمّ هائل من عدم التناغم ما بين الأطراف اليمنية، بالتالي هذه مشاكل بحاجة إلى توحيد كافة الجهود للوصول لحل دائم لها، ونحن مصممون على ذلك.

على غرار ذلك، يقول المختص بالشأن اليمني، محمود الطاهر، إنه يوميا يتم إحباط عملية تهريب مخدرات أو أسلحة إيرانية في طريقها إلى “الحوثيين”، وهو ما يجب أن تعلمه الولايات المتحدة الأميركية المنتشرة استخباراتيا في معظم دول الشرق الأوسط والعالم، مؤكدا أن إيران مستمرة في دعم “الحوثيين” سواء من حيث السلاح أو الخبراء.

المخادعة الإيرانية

الطاهر وفي حديث لموقع “الحل نت”، أوضح أن، دلالة توقيت هذا الاتهام الأميركي إلى الدور الإيراني في دعم “الحوثيين”، يؤشر توجها أميركيا، بأن هناك خديعة إيرانية للسعودية، أرادت الولايات المتحدة الأميركية أن تكشفها، لافتا إلى أن إيران لا يمكنها دعم عملية سلام كاملة في اليمن ما لم يكن هناك تحقيق لطموحاتها وتحقيق انتصارها في اليمن على السعودية ودول الخليج العربية.

عناصر من الحوثيين/ (AFP)

المختص في الشأن اليمني لفت إلى أن، إيران تريد بعد إثبات نصرها على السعودية والخليج العربي، أن تتعامل مع اليمن كما تتعامل مع الملف السوري، فبعد إحكام قبضتها على سوريا والتعامل معها كواحدة من المحافظات الإيرانية، لاسيما فيما يخص التحكم بملف سياستها الخارجية والداخلية، وإدارة العمليات العسكرية، تدفعها الآن للعودة إلى جامعة الدول العربية، بالتالي أن إيران تدفع اليمن في ذات النسق.

الطاهر أشار إلى أن، إيران تتخذ نسقا معينا في التعامل، حيث تدعي إعلاميا وأمام الملأ دعما لعملية السلام وللجهود السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، لكن سرا هي من تدير الصراع، مبيّنا أنه في حال أرادت إيران إثبات حسن موقفها من إنهاء الحرب، فعليها أولا طرد ممثل “الحوثيين” من إيران، والاعتراف بالحكومة الشرعية، لكنها لا تريد ذلك، مشيرا إلى أنها تريد استسلاما في اليمن ولا تريد تحقيق سلام فعلي.

أما فيما يتعلق بإمكانية انعكاس ذلك على مستوى المصالحة الإيرانية السعودية، بيّن الطاهر أنه، على ما يبدو أن الاتفاق قد تم في مصلحة الجانبين، وأنهما يرغبان في أن تستكمل المصالحة بينهما، بيد أن العلاقة بينهما ستشهد صراعا كبيرا، ببساطة لأن إيران تحاول خداع الجميع في ذلك، وهذا ما على الدول العربية أن تدركه.

جهود دولية لحل أزمة اليمن

إلى ذلك، وعلى الرغم من أن التقارب السعودي الإيراني خلق دفعة قوية لإنهاء الحرب التي تسببت خلال السنوات الثماني الماضية بأسوأ أزمة إنسانية في اليمن والعالم، حسبما وصفتها “الأمم المتحدة”، وأسفرت عن سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى اليمنيين من المدنيين وأطراف النزاع في جبهات القتال، إلا أن هناك شكوك كبيرة تدور حول تحقق ذلك، بخاصة فيما يتعلق بالتزام “الحوثيين”.

أميركيا تتهم إيران باستمرار دعم الحوثيين في اليمن/ إنترنت + وكالات

بيد أن ذلك يأتي في الوقت الذي عُرفت فيه الجهود الجارية لتحقيق السلام في اليمن زخما إيجابيا طيلة الفترة الماضية، كان من أبرز مظاهرها إتمام صفقة تبادل كبرى للأسرى بين “الحوثيين” والسلطة الشرعية، وذلك في الوقت الذي صرّح فيه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، خلال إحاطة له أمام “مجلس الأمن الدولي” قبل أسبوعين، أن اليمن أمام فرصة تاريخية لتحقيق السلام، محذرا من إمكانية ضياعها في حال لم تُقدم أطراف الصراع على المزيد من التنازلات.

يشار إلى أن، المبعوثين الأميركي والأممي إلى اليمن تيم ليندركينغ وهانس غروندبرغ، قد استئنافا الأسبوع الماضي، تحرّكاتهما إلى المنطقة وسط حديث عن “اتفاق جديد” يمهّد لتسوية سياسية يمكن التوصل من خلالها إلى اتفاق شامل لوقف الحرب.

هذا ويعاني اليمن منذ نحو تسع سنوات من حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وقوات “الحوثيين”، المدعومين من إيران والمسيطرينَ على عدة محافظات منذ 2014.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة