القطاع الطبي في سوريا يعاني العديد من المشاكل والعقبات، سواء من حيث هجرة الكوادر الطبية، أو ندرة المواد والمستلزمات، بالإضافة إلى تدهور التجهيزات الطبية، خاصة في المستشفيات الحكومية التي تتكرر الأعطال فيها من وقت لآخر، ولا سيما جهاز الـ “طبقي محوري”.

بعيدا عن التدهور العام في هذا القطاع المتداعي كغيره من القطاعات في سوريا، البلد الممزق منذ أكثر من عقد، ونتيجة قلة الاهتمام وعدم دعم الحكومة السورية لقطاع الممرضين، خاصة من حيث زيادة الرواتب والأجور وإجبارهم على العمل لساعات إضافية دون تعويض مادي، فقد صار عددهم في انخفاض كبير وفقدت المشافي أكثر من نصف كوادرها من الممرضين، بسبب هجرة نسبة كبيرة منهم إلى خارج البلاد. وهذا التدهور في قطاع الممرضين أثّر سلبا على القطاع الصحي ككل، إذ بات انتحال صفة الممرض أمرا دارجا في المشافي بسوريا، مؤخرا، وهو ما أدى إلى ظهور الأخطار الطبية بكثرة.

“انتحال صفة ممرض”!

هذا التردي في واقع الممرضين انعكس سلبا على القطاع الطبي، إذ باتت الأخطاء الطبية تتكرر في المشافي ولا سيما خلال الآونة الأخيرة وأدى بعضها إلى نتائج كارثية لم تنتهِ مع وفاة المريض، إذ تتمحور الكثير من الشكاوى التي وصلت الصحيفة المحلية حول انتحال موظفين إداريين صفة ممرض وقيامهم بمهام الممرض في بعض المشافي والمستوصفات.

من أسباب هذا التدهور بقطاع التمريض وباقي المهن الصحية، عدم تفعيل دور نقابة التمريض والمهن الصحية، الأمر الذي أدى إلى عدم القدرة على وضع ضوابط لتحديد مهام العاملين في المهنة من خلال منح تراخيص مزاولة المهنة على سبيل المثال، بالإضافة إلى عدم منح الممرضين تعويضات ومكافآت أسوة بغيرهم من العاملين في المجال الطبي. وهذا ما جعل استمرارهم في العمل مهمة مستحيلة، خاصة بعد الضغوط والمخاطر التي تعرضوا لها إبان تفشي وباء” كورونا” دون الحصول على أي تعويضات، ما دفع الكثيرين منهم إلى الاستقالة، حسبما يوضح تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء.

الصحيفة المحلية تقول إنها تواصلت مع العديد من الممرضين وأصحاب المِهن الصحية والجميع أكد مظلوميته، حيث قال التقني الشعاعي سعد الدين الكردي، إن واقع القطاع مخالف للمرسوم رقم “38” لعام 2012 والمتعلق بإنشاء نقابة للتمريض والمِهن الصحية، حيث لم يتم انتخاب نقيب للتمريض حتى الآن ولم يتم إقرار النظام الداخلي المالي للنقابة.

فيما تساءل عدد من الممرضين، حول حاجة المرسوم إلى 12 سنة لكي يطبق، وإلى متى سيبقى الممرضون من دون صندوق تقاعد، ولماذا لا يتم منحهم راتبا تقاعديا من النقابة أسوة بالمنتسبين إلى النقابات الأخرى، لافتين إلى أن ثمة من يعرقل التعليمات التنفيذية لمرسوم إحداث نقابة التمريض سواء من المجلس المؤقت أو من بعض الجهات الأخرى. هذا يعني أن حقوق هذه الفئة في القطاع الصحي مهضومة لأدنى المستويات.

كما تساءل الممرضون عن أسباب استثنائهم من القرارات التي منحت تعويضات ومكافآت مادية لأطباء العناية والتخدير والطوارئ والأُسرة والطب الشرعي والمعالجة والمخدرينَ والمعالجينَ ومشافي الأورام والصيادلة، مع طبيعة عمل وحوافز 75 بالمئة شهريا من دون أن يشملهم مثلا تعويضات كهذه، مضيفين “أين العدالة والمساواة وعدم التمييز بين كل الموظفين ممن يتحملون ذات المخاطر”.

قد يهمك: قلبات كالبورصة.. هذه هي أسعار الخضار بعد الارتفاع الذي يسبق العيد في سوريا

بعض المصادر الخاصة من أحد المشافي الحكومية بدمشق، أكدت لموقع “الحل نت”، أن أجور الممرضين في المشافي الحكومية يقارب الـ 140 ألفا، بجانب بعض “الإكراميات” من المرضى والزوار. أما في المشافي الخاصة فإن المداخيل والأجور أيضا متدنية ولا تتناسب مع الجهد الذي يبذلونه، إذ تتراوح عدد ساعات العمل لنحو 14 ساعة مقابل 200 ألف ليرة سورية شهريا، أي نحو 26 دولارا وهو أجرا لا يكفي للحاجات الغذائية اليومية لأكثر من خمسة أيام.

لطالما طالب الكادر التمريضي بضم مهنته إلى المهن الشاقة والخطرة لما يتعرضون له من ظروف عمل صعبة وقاهرة تمثلت آخرها بالأعمال الإنسانية المجهدة في ظل وبائي “كورونا والكوليرا” وعمليات الإنقاذ والإسعاف، إلا أن كل هذه الشكاوى والمطالب لم تلقَ آذانا صاغية.

الحكومة تتسبب بهجرة الكوادر الطبية؟

في الواقع، فإن كل هذه الأسباب التي جاءت نتيجة عدم اهتمام الجهات الحكومية المعنية بهذه الفئة في القطاع الصحي، والتي لها دور رئيسي في المستشفيات والمراكز الطبية، أدت إلى هجرة نسبة كبيرة منهم. وكما أكدت مصادر صحفية محلية في السابق، أن العشرات من فئات عدة ضمن قطاع الصحة وتحديدا فئة الممرضين، في عدة محافظات سورية يتقدمون بطلبات استقالة من العمل، نظرا لتدني الدخل مقارنة بالواقع المعيشي وخاصة فيما يتعلق بأجور النقل والمواصلات التي باتت تثقل كاهل الموظفين كافة ممن يقطنون بمناطق بعيدة عن أماكن عملهم.

لا يخفى على أحد أن وجهة هجرة الممرضين باتت نحو العراق ولبنان وليبيا واليمن وحتى مناطق “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، التي تعد الأفضل مقارنة بمناطق حكومة دمشق، بحثا عن أجور أعلى تتناسب مع عملهم المجهد وخبرتهم. ويبدو أنه في حال عدم تحسن الواقع المهني للممرضين، فإن خيار الاستقالة أو ترك العمل والهجرة سيكون الحل الوحيد لمواجهة ظروف الحياة المعيشة القاهرة.

هذا وتعاني معظم الكوادر الطبية في المشافي الحكومية التابعة لـ”وزارة الصحة السورية” من كثرة المناوبات التي تصل إلى 4 أو 5 مناوبات أسبوعيا، ما يحرم معظمهم من إمكانية العمل والتمرين في المشافي الخاصة وتأمين دخل إضافي، فضلا عن انتشار الفساد والمحسوبية في تأمين المسكن لهم.

الهجرة الواسعة في أعداد الممرضين، أكدته العديد من المؤسسات الحكومية والتقارير الصحفية المحلية، ومنهم “وزارة الصحة السورية” و”رابطة التخدير وتدبير الألم” في “نقابة الأطباء”، حيث أقروا بأن عدد الأطباء في سوريا بدأ يقل بشكل واضح، مقدّرين أن الكادر الطبي خسر أكثر من 60 بالمئة من كوادره، فضلا عن أن بعض الاختصاصات الطبية في البلاد  كالطب الشرعي وجراحة الأوعية والكلية والتخدير، باتت تواجه خطر الزوال بسبب استمرار هجرة الكوادر إلى الخارج.

قرارات حكومية “شكلية”

من وجهة نظر الممرضين في سوريا، فإن تشكيل وزير الصحة الدكتور حسن الغباش، للجنة لزيادة تعويضات الممرضين برئاسة الدكتور أحمد ضميرية منذ نيسان/أبريل 2022 التي لم تجتمع إلى الآن ولم تقر شيئا، فقد كان تشكيلها شكليا من أجل إسكات الممرضين عن المطالبات المستمرة لحقوقهم.

هذا وعبّر الممرضون عن شعورهم بالغبن والظلم نتيجة التمييز غير المسوّغ بينهم وبين بقية الطاقم الطبي في المشافي على الرغم من أن الممرضين هم أساس العمل في كل مشفى، ويقومون بأعمال مجهدة وكثيرة، مؤكدين أن حرمانهم من حقوقهم سيدفعهم إلى التقاعد المبكر كما حصل في مشفى الأطفال في دمشق والمشافي الأخرى، أو إلى السفر خارج القطر حيث فقدت المشافي الكثير من كوادرها من دون أن تحرك الجهات المعنية ساكنا.

الممرضون أوضحوا بأن القرار رقم “36” منح الأطباء تعويضا شهريا شمل جميع الاختصاصات الطبية، إلى أنه لم يدرج في أي بند من بنود ما يخص الممرضات والممرضين سواء مكافأة أم طبيعة عمل، رغم الأعمال المجهدة التي يقومون بها ورغم أن نظام المناوبات ينطبق عليهم.

غير أنه تم إيقاف قانون الأعمال المجهدة رقم “346” لعام 2006 أيضا، أي السنة بسنة ونصف السنة والشامل لتمريض المشافي، من دون وجود أي توصيف وظيفي لمهنة التمريض وعدم شمول العاملين بالتمريض بالوجبة الغذائية رغم قيامهم بأعمال خطرة في ظل انتشار وباء “كوفيد-19” وأزمة السير والتنقل وكذلك دورهم خلال الأزمة.

إجمالا، يشهد القطاع الطبي في مناطق سيطرة الحكومة السورية، أوضاعا سيئة، تتمثل بالإهمال في تقديم الرعاية اللازمة للمرضى، بالإضافة إلى تدني مستوى رواتب الكوادر الطبية، وتحديدا فئة الممرضين. ولا يبدو أن الجهات المعنية، قادرة على المحافظة على ما تبقى من هذه الكوادر، لا سيما مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد، فما زال الأطباء المتبقيين يبحثون عن فُرص للهجرة، وفي الوقت نفسه تنعكس هذه الهجرة على السوريين الذين يعانون في حالات المرض والحاجة للعلاج خاصة مع انتشار العديد من الأمراض والأوبئة، إلى جانب الكوارث الطبيعية، مؤخرا، مثل الزلزال المدمّر الذي ضرب شمال سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات