قرار الحكومة السورية السماح بمنح قروض بالعملة الأجنبية لتمويل مشاريع الاستثمار التنموي أحدث ضجة في المجتمع الاقتصادي، مع تعليقات إيجابية وسلبية بعد القرار. 

مدير مفوضية الحكومة لدى المصارف في “بنك سوريا المركزي”، عصمت يوسف، أقر برد الفعل هذا والمخاوف بشأن ندرة النقد الأجنبي. حيث أوضح أن البنك يجري دراسات ائتمانية لمقدمي طلبات القروض، ودراسة مصادر الدخل من النقد الأجنبي والتدفقات النقدية، وتنفيذ ضوابط وضمانات محددة لضمان استخدام المقترض للقرض للغرض المقصود منه.

إلا أن يوسف ينفي أن يكون القرار قد اتّخذ لإثبات عكس الادعاءات حول ندرة النقد الأجنبي، مشيرا إلى أن هناك نُظم قائمة لمنح هذه القروض، فضلا عن مؤشرات التحسن الأخيرة وضرورة النقد الأجنبي لدعم المشاريع الاستثمارية في ظل قانون الاستثمار المعدّل، فما تفاصيل هذا القرار وتأثيره المحتمل على الاقتصاد السوري.

لا اقتراض من المركزي

خطوة الحكومة السورية بالسماح بمنح قروض بالعملة الأجنبية لتمويل مشاريع استثمارية تنموية أثارت ضجة داخل مكونات المجتمع السوري، بين مؤيد للقرار، وآخرون يرون أن النتيجة سلبية حتما بناء على معطيات سابقة.

المصرف التجاري السوري - "صفحة المصرف في فيسبوك"
المصرف التجاري السوري – “صفحة المصرف في فيسبوك”

أحد الشواغل الرئيسية التي أُثيرت هو ندرة النقد الأجنبي في البلاد والمخاطر المحتملة لمنح القروض في مثل هذا السيناريو. لكن مدير مفوضية الحكومة لدى المصارف في “بنك سوريا المركزي”، أكد أن البنك يجري دراسة ائتمانية لكل طالب قرض، وكذلك دراسة مصادر الدخل بالعملة الأجنبية والتدفقات النقدية. كل ذلك يتم وفق ضوابط وضمانات محددة يقدمها المقترض للبنك المانح، مع متابعة دقيقة لضمان استخدام القرض للغرض الذي مُنح من أجله.

يوسف وبحسب حديثه لصحيفة “تشرين” المحلية، أمس الاثنين، بيّن أن البنوك لا تستطيع اللجوء للاقتراض من “البنك المركزي” لمنح قروض بالعملة الأجنبية. ويجب أن يكون مصدر التمويل حصريا من مواردها الذاتية، مما سيشجّع البنوك على لعب دورها في العملية الاقتصادية وتحفيز المواطنين على التعامل مع البنوك كقنوات رسمية تضمن لهم الثقة والأمان في جميع تعاملاتهم المالية.

قرار السماح بمنح القروض بالعملة الأجنبية لا يهدف إلى إثبات عكس ما يتم تداوله من حديث عن فقدان الخزينة للنقد الأجنبي بحسب يوسف. بل هو تشجيع المشاريع الاستثمارية التي قد تحتاج إلى النقد الأجنبي وتحسين مؤشرات الانفتاح والتحسّن الاقتصادي في سوريا.

فوائد تفوق 50 ألف دولار

الشرط الأساسي لمنح القرض بالقطع الأجنبي، هو أن كل منشأة أو مشروع مسموح له بتقاضي عائدات بالقطع يمكن منحه قرضاً بالقطع لغايات محددة، وهذا شرط أساسي لمنح القرض، شريطة أن يعيد القرض بنفس العملة التي مُنح بها، أو إحدى العملات المقبولة، كاليورو على سبيل المثال وهذا عائد للبنك المانح للقرض.

مدير المفوضية أشار في حديثه إلى أن الفائدة التي ستطبق على قروض القطع الأجنبي هي الفائدة المعمول بها في البنك، فعلى سبيل المثال إذا كان البنك يمنح فائدة على الودائع بالقطع الأجنبي بنسبة 3 بالمئة فمن الطبيعي أن يتقاضى فائدة 4.5 أو 5 بالمئة؛ لأن البنك مؤسسة ربحية.

وبما يخص التعثر في سداد القرض لأي سبب من الأسباب، فقد عدَّ يوسف أن التعثر هو حالة استثنائية وليست رئيسة، لذلك يتوجب على البنك المانح أن يضع جميع السيناريوهات قبل منح القرض، وأن يتحوط لمثل هذه الحالات عبر الضمانات والمنح بمراحل وغيرها من الإجراءات.

أما عن إمكانية تأثير هذا النوع من القروض على سعر الصرف، لم يخفِ مدير المفوضية تأثيره في حال استخدام القرض بطريقة خاطئة، وهنا أوضح أنها تقع على عاتق السلطة النقدية مسؤولية مراقبة ومتابعة تنفيذ القرارات التي تصدرها، وكذلك المصارف، وفي حال أساء المقترض استخدام القرض بطرق خاطئة فإنه سيكون “أمام منعكسات لا تُحمد عقباها”.

فيما يتعلق بسقوف القروض الممكن منحها بالقطع الأجنبي، تحدث يوسف عن الضوابط الاحترازية التي وضعها مجلس النقد والتسليف في موضوع الإقراض، والتي أكدت أنه لا يجوز منح الشخص مع مجموعته المترابطة أكثر من 25 بالمئة من أموال البنك الخاصة، هذا بالنسبة للقروض بالليرة.

أما فيما يتعلق بالقطع، فهناك دراسة ائتمانية يقوم بها البنك المانح، وتختلف مدتها من بنك لآخر، وحسب المشروع، فهي تطول عندما يكون المشروع قيد التأسيس عن المشروع القائم والذي يحتاج إلى تطوير.

تأثير منح القروض بالعملة الأجنبية

قرار الحكومة السورية منح قروض بالعملة الأجنبية للسوريين، أثار ردود فعل متباينة في المجتمع الاقتصادي، حيث يأتي القرار وسط تعثر الوضع الاقتصادي وانهيار الليرة السورية وندرة النقد الأجنبي في البلاد.

العودة إلى إقراض المواطنين - "فرانس برس"
العودة إلى إقراض المواطنين – “فرانس برس”

فبينما يرى البعض في القرار خطوة إيجابية نحو تشجيع الاستثمار في مشاريع التنمية، أثار آخرون مخاوف بشأن المخاطر المحتملة التي تنطوي عليها منح القروض بالعملة الأجنبية. فمع ندرة تدفق العملات الأجنبية في البلاد، هناك مخاوف من أن البنوك قد تكافح لتأمين الأموال اللازمة لتقديم هذه القروض.

على الرغم من تأكيدات مدير مفوضية الحكومة لدى المصارف في “بنك سوريا المركزي”، لا يزال البعض متشككا في جدوى منح القروض بالعملة الأجنبية في المناخ الاقتصادي الحالي. أثّر انهيار الليرة السورية وندرة النقد الأجنبي بشدة على القوة الشرائية للسوريين وجعل من الصعب على الشركات بشكل متزايد تأمين الأموال التي تحتاجها للاستثمار في مشاريع التنمية.

سعر صرف الدولار في دمشق، ارتفع بمقدار 25 ليرة خلال الساعات الماضية أي بنسبة تقارب 0.33 بالمئة، واستقر عند سعر شراء يبلغ 7625، وسعر مبيع يبلغ 7700 ليرة للدولار الواحد، بمدى يومي بين 7650 و7700 ليرة.

بالنسبة إلى إدلب، فقد ارتفع سعر صرف الدولار فيها بمقدار 100 ليرة عن آخر إغلاق أي بنسبة تقارب 1.30 بالمئة، واستقر عند سعر شراء يبلغ 7770، وسعر مبيع يبلغ 7820 ليرة سورية للدولار الواحد، بمدى يومي بين 7720 و 7820 ليرة.

وعليه، يبقى أن نرى كيف سيؤثر قرار الحكومة السورية بمنح قروض بالعملة الأجنبية على اقتصاد البلاد المتعثر. في حين أنه قد يوفر دفعة قوية للاستثمار في مشاريع التنمية، لا يمكن تجاهل المخاطر المرتبطة بمنح القروض بالعملة الأجنبية في وقت الاضطرابات الاقتصادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات