السودان الذي يسير على طريق هش ومحفوف بالمخاطر تجاه الحكم المدني منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق عمر البشير في عام 2019، يتجه نحو التقسيم مع تعثر الهدنة بين الجانبين العسكريين، في رابع محاولة لوقف القتال، الذي اندلع في 15 نيسان/أبريل الجاري، ولكن الطرفين لم يلتزما بالهدنات السابقة.

العديد من الخبراء والسياسيين المطّلعين على الوضع عن كثب، يخشون أن السيناريو الأسوأ في مأزق السودان الحالي هو أن الفصيلين المتنافسين قد يجرّان البلاد إلى صراع يذكرنا بسوريا أو ليبيا، باستثناء أن السودان يحتوي على كثافة سكانية أعلى، لكن ما هي العواقب المحتملة لأن يصبح السودان مثل سوريا أو ليبيا.

حرب الجنرالين بالخرطوم ودارفور

في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط”، أمس الأربعاء، ذكر جيفري فيلتمان المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى القرن الإفريقي، أن ما يجري في السودان ليست حربا أهلية، بل هو قتال بين جنرالين ومؤسستيهما، حيث اتخذا 46 مليون مدني سوداني رهينة توقّهما إلى السلطة.

استمرار الاقتتال سيؤدي إلى تقسيم السودان - إنترنت
استمرار الاقتتال سيؤدي إلى تقسيم السودان – إنترنت

كما أشار فيلتمان، إلى أنه كلّما طال القتال فإن هؤلاء الجيران واللاعبين الخارجيين قد يبدأون بالتدخل لصالح الجنرال الذين يرغبون برؤيته يسير في حرب طويلة. وإذا بدأ اللاعبون الإقليميون يقدمون دعما ملموسا للجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، فهذا سوف يؤجج القتال، وقد يؤدي إلى نزوح هائل سيصل إلى الدول المجاورة.

في معرض إجابته عن أكبر تخوّف لدى الساسة في السودان، أجاب فيلتمان أن “يتحوّل القتال الداخلي بين الخصمين إلى أمر مشابه لسوريا أو ليبيا، مع فارق أنه سيحصل في بلاد عدد سكانها أكبر بكثير”. 

فيما وافق كاميرون هدسون المدير السابق لمكتب المبعوث الأميركي الخاص للسودان، هذا الطرح ضمنيا، مضيفا “أخاف أن يصبح السودان مثل ليبيا، تحكمه مجموعات من الميليشيات المسلحة، أو كسوريا، مع تدمير كامل للمدن الأساسية في إطار جهود إنهاء قوات الدعم. وفي الحالتين، لقد عادت طريق السودان للحكم المدني إلى ما قبل مرحلة وجود البشير في السلطة”.

في اليوم الأخير من الهدنة بالسودان الخميس، ومع مباحثات مرتقبة في جوبا لتجديدها، تتواصل الاشتباكات وتبادل الاتهامات بارتكاب خروقات بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، بحسب الطرفين وشهود عيان.

ومع الساعة الأولى من الجمعة تنتهي هدنة 72 ساعة، وأعلن الجيش موافقة مبدئية على مشاركة ممثل عنه في مباحثات مرتقبة بجوبا عاصمة دولة جنوب السودان، برعاية “الهيئة الحكومية للتنمية” (إيغاد)، للتفاوض حول مبادرة لتمديد الهدنة 72 ساعة إضافية، فيما تلتزم “الدعم السريع” الصمت حيال هذه المبادرة.

خطر الانزلاق نحو التقسيم

قد يلعب تأجيج المشاعر العرقية والإقليمية الانفصالية أدوارا مركزية مع إعادة اندلاع المواجهات بين طرفي النزاع في السودان، بحسب ما يراه الخبير في شؤون منطقة شمال إفريقيا، عباس تيجاني، خلال حديثه لـ”الحل نت”.

مركبة تابعة للجيش السوداني في مدينة بورتسودان شرقي البلاد (الفرنسية)
مركبة تابعة للجيش السوداني في مدينة بورتسودان شرقي البلاد – “وكالة فرانس برس”

السودان وطبقا لتيجاني، يديره سلسلة كاملة من الصراعات الأهلية والعرقية أو الحركات الانفصالية، وهذا أدى سابقا وسيؤدي حاليا إلى تكلفة بشرية واقتصادية واجتماعية محتملة، إلى جانب النزوح الداخلي الواسع النطاق أو أوضاع اللاجئين.

بينما تستمر المفاوضات من أجل السلام وتقرير المصير والإصلاحات الديمقراطية على الجبهات الدولية، يواصل أصحاب المصلحة المحليون واللاعبون على الأرض تجاهل العمليات الدستورية العاجلة للعودة السلمية لاتباع نظام حكم مدني، والذي يمنع من الناحية الوظيفية السودان من الانزلاق نحو حرب أهلية كما حصل في سوريا وليبيا.

أسوأ المخاوف بشأن الوضع في السودان بحسب تيجاني، هو خطر اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد، ومزيد من الأزمة الإنسانية، وزعزعة الاستقرار الإقليمي. وإذا خرجت الأزمة في السودان عن السيطرة، فقد يكون لها عواقب بعيدة المدى على المنطقة وخارجها.

العواقب المحتملة لأن يصبح السودان مثل سوريا أو ليبيا وفقا لما يعتقده الصحفي السوداني، أحمد يوسف، خلال حديثه لـ”الحل نت”، هي وخيمة ويمكن أن تؤدي إلى صراع طويل يمتد لعقود كمال يحدث في البلدين المذكورين، فضلا عن الكارثة الإنسانية، وربما تهديد أمني للتجارة العالمية خصوصا على ضفة البحر الأحمر. 

علاوة على ذلك، فإن الصراع يمكن أن يقسّم البلاد إلى منطقتين إحداها تابعة للخرطوم بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وأخرى في دارفور تابعة لقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

السودان في أزمة؟

الجيش استطاع السيطرة على قواعد ومراكز قوات “الدعم السريع” في 17 من ولايات البلاد البالغ عددها 18 ولاية، إما عبر المواجهات العسكرية أو الاستسلام كما حدث في بعضها، ودمّر وسيطر على كل قواعد ومقار قوات “الدعم السريع” في الخرطوم.

حركات مسلحة في دارفور بمدرعات ومركبات (رويترز)
حركات مسلحة في دارفور بمدرعات ومركبات (رويترز)

في المقابل، انتشرت قوات “الدعم السريع” في مواقع حكومية عدة في الخرطوم وغالبية مقار الشرطة التي انسحبت منها، ولديها انتشار في عدة أحياء وطرق رئيسية في العاصمة وأم درمان والخرطوم بحري، ولا تزال تحتفظ بوجود جزئي في مطار الخرطوم.

لكن مع دخول الحرب يومها الثاني عشر، تم إجلاء الدبلوماسيين والرعايا الأجانب، وتزايدت حركة النزوح واللجوء إلى دول الجوار وخصوصا مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، مما يشكل ضغطا اقتصاديا عليها، ومضاعفة معاناة هذه الدول بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها.

التناقضات بين الأطراف المتنافسة على السلطة أدت إلى اشتباكات مسلحة بين الجيش وما يسمى بقوات “الدعم السريع”. وتشير سرعة التصعيد وحجم القتال إلى أن البلاد تواجه الآن احتمالا حقيقيا لوقوع حرب أهلية، والتي يمكن أن تؤجل إلى أجل غير مسمى انتقال السلطة إلى الحكومة المدنية، مما يجعل السودان أحد أكثر البقاع سخونة في العالم بالنسبة للكثيرين خلال السنوات القادمة.

الأحداث الجارية هي نتيجة وصول التناقضات بين المجموعتين العسكريتين إلى نقطة حرجة، بالنظر إلى أن الأخيرة فشلت في كبح جماح طموحاتهما السياسية في الوصول إلى السلطة الكاملة في البلاد.

بناءً على الافتراضات المذكورة، يمكننا أن نستنتج أن القوى الخارجية ستشارك في الصراع بشكل أساسي في سياق تسويته، حيث لا توجد جهات فاعلة عالمية ولا إقليمية مهتمة بتصعيد الأزمة في السودان. ومع ذلك، لا يمكن للوساطة الخارجية أن تضمن الحل السريع للنزاعات بين الأطراف المتحاربة في السودان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات