على ما تبدو أن الحرب التي اندلعت منذ أكثر من أسبوع بالسودان في طريقها إلى التوسع، بحسب ما تشير إليه المعطيات على الأرض، حيث تُسارع الدول إلى إجلاء بعثاتها في الساعات المقبلة القليلة، وتتصاعد التحذيرات من انزلاق الحرب إلى مراحل الاقتتال القبلي، ما يمكن أن يعيد البلاد تحت طائلة البند السابع وفق ميثاق “الأمم المتحدة”.

تلك المخاوف تتنامى في ضوء التقارير التي ظلت تقدمها البعثة الأممية إلى “مجلس الأمن”، والتي تشير إلى الوضع المتأزم بالسودان ومخاوف الانفلات الأمني الشامل والاتجاه نحو حرب أهلية تهدد وحدة وأمن واستقرار السودان، ومن ثم الأمن الإقليم والدولي.

أما البند السابع فيتكون من 13 مادة تختص بوقوع أعمال تهدد السلم والأمن، أو وقوع عدوان بين الدول أو داخل الدولة الواحدة، ويعطي “مجلس الأمن” الحق في اتخاذ عدة قرارات من بينها فرض عقوبات اقتصادية أو تجارية أو دبلوماسية، كما يتيح تشكيل قوات مسلحة للتدخل، وإحالة ملف القضية بالكامل إلى المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي حدث في قضية دارفور في السودان، وهو ما يحذر بعودته مجددا.

هدنة مؤقتة بظل غياب السلام عن السودان

في الأثناء، أعلن الجيش السوداني في بيان، اليوم الثلاثاء، موافقته على هدنة لمدة 72 ساعة بوساطة أميركية وسعودية، وذلك بدءا من منتصف ليل 25 نيسان/أبريل، في حين قالت قوات “الدعم السريع”، أمس الاثنين، إنها وافقت على وقف إطلاق النار بعد وساطة أميركية لتسهيل الجهود الإنسانية.

من جهته، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن في وقت سابق من يوم الاثنين، موافقة طرفي النزاع في السودان على وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من الثلاثاء، وقال؛ عقب مفاوضات مكثفة على مدار الساعات الثماني والأربعين الماضية، وافقت القوات المسلحة السودانية وقوات “الدعم السريع” على تنفيذ وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد ابتداء من منتصف ليل 24 نيسان/أبريل، ويستمر لمدة 72 ساعة.

اقرأ/ي أيضا: أردوغان يواجه الانتخابات بالأحزاب الصغيرة.. دليل على تراجع شعبيته؟

مع ذلك، فإن الحرب المستمرة تنذر بعودة السودان إلى ما عاشه لسنوات طويلة، عندما دفع عدم الاستقرار في البلاد إلى وضعه تحت طائلة الفصل السابع منذ النظام السابق برئاسة الرئيس الراحل عمر البشير، حينما فرض “مجلس الأمن” على السودان الفصل السابع بالقرار 1769 في 31 تموز/يوليو 2007، لحماية المدنيين في دارفور وتيسير وصول المساعدات الإنسانية إليهم. 

ذلك جاء علاوة على العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على البلاد منذ عام 1997، والتي شملت تجميد أموال وحظر سفر بعض منسوبي النظام السابق، ثم تبعها حظر على واردات السلاح للسودان، قبل أن تقرر “الأمم المتحدة” في حزيران/يونيو 2017، أن إقليم دارفور انتقل من مرحلة الحرب إلى إعادة البناء والإعمار والتنمية.

وفقا لذلك صدر قرار “مجلس الأمن” رقم 2363 القاضي بسحب نحو نصف قوات “يوناميد” الهجينة بين قوات “الأمم المتحدة” و”الاتحاد الإفريقي”، والتي وصل تعدادها في أوجها إلى 26 ألف جندي وفاقت ميزانيتها السنوية مليار دولار، خلال 12 شهرا، على أن يسحب النصف الآخر تدريجيا إلى أن يكتمل خروج البعثة نهائيا في 29 حزيران/يونيو 2020.

تعليقا على تلك المخاوف والتحذيرات، يقول الباحث في الشأن السياسي حيدر الجواري، في حديث لموقع “الحل نت”، إن المعطيات تشير إلى أن فشل الوساطات في خلق هدنة محلية في السودان، ربما ستدفع باتجاه طول أمد الاقتتال والذي من الممكن أن يتطور إلى حرب داخلية. 

ملامح الفصل السابع وإمكانية عودته

بناء على ذلك، فإن جميع المؤشرات الحالية التي تلوح في الأفق لا تنم عن أي هدنة قريبة وهذا ما يجعل إمكانية عودة السودان من البند السادس حاليا إلى البند السابع في حال أصبحت السودان منطقة اقتتال داخلي تثير قلقا إقليميا ودوليا. 

من مظاهر الحرب في السودان/ إنترنت + وكالات

بالتالي، بحسب الجوراني، فإن عودة السودان إلى البند السابع يعني فشل في المرحلة الانتقالية التي من المفترض أن تتم بسلام بين العسكر والمدنيين، إلا أن وضع البلد تحت حماية دولية ليس بالأمر اليسير أيضا؛ لأن ذلك سيتطلب وقتا وإجماعا دوليا بالإضافة إلى جهود لوجستية كبيرة، وهذا ربما ما يفسّر شروع بعض الدول بإجلاء رعاياها من السودان حاليا. 

اقرأ/ي أيضا: تحذيرات جزائرية من عودة الأصوليين.. ما الدلالة والمآلات؟

الباحث في الشأن السياسي، لفت إلى أنه على الأغلب، ما لم تتفق القوى المدنية والعسكر لحل الخلافات التي تعيق المرحلة الانتقالية قد تزيد من حدة الصدامات المسلحة داخليا إذا لم تتمكن الوساطات والجهود الإقليمية والدولية من حسم النزاع الحالي وإيقاف تطوره المتسارع بقوة السلاح.

يشار إلى أنه بعد استمرار السودان لأكثر من 15 عاما موضوعا تحت البند السابع، الذي أرسلت بموجبه “الأمم المتحدة” بعثة العسكرية قوامها نحو 8 آلاف فرد ردا على تصرفات نظام عمر البشير، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم تتضمن جرائم حرب، والذي أطاحت به ثورة شعبية في نيسان/أبريل 2019.

بعد ذلك، عاد السودان ليدخل تحت البند السادس بعد موافقة “مجلس الأمن الدولي”، على ذلك بالإجماع في حزيران/يونيو 2020، بناء على طلب تقدّم به رئيس وزراء السودان للمرحلة الانتقالية من 2019-2022 عبدالله حمدوك، للأمين العام لـ “لأمم المتحدة” لإنشاء بعثة أممية تحت البند.

الطلب الذي بعث به حمدوك في كانون الثاني/يناير، تضمن المساعدة في دعم تنفيذ متطلبات الفترة الانتقالية، وبناء قدرات المؤسسات الوطنية، قبل أن يتم تعديل الطلب وإعادة إرساله في شباط/فبراير، وتضمن توفير الدعم لمفاوضات السلام، ودعم عمليات تعبئة المساعدات الاقتصادية والتنموية بما في ذلك عبر مؤتمر المانحين المقبل.

من البند السابع إلى مضامين البند السادس

كذلك تضمن الطلب، تنسيق وتسيير المساعدات الإنسانية ودعم جهود بناء القدرات وإصلاح الخدمة المدنية، فضلا عن تقديم الدعم التقني والمادي وتسهيل عمليات نزع السلاح والتسريح وإدماج المقاتلين السابقين في المجتمع.

يضاف إلى ذلك الطلب أيضا دعم عودة النازحين واللاجئين وإعادة إدماجهم، وتحقيق المصالحات بين المجتمعات المحلية ودعم برنامج العدالة الانتقالية. وتشمل المهام الأخرى للبعثة المساهمة في الانتقال من العون الإنساني إلى دعم برامج السودان لتحقيق التنمية المستدامة.

في مقابل ذلك، وبالرغم من سريان الهدنة المؤقتة لمدة 3 أيام، فقد أفادت وسائل إعلام بوقوع إطلاق نار كثيف وسماع دوي انفجارات اليوم الثلاثاء في محيط القصر الرئاسي بالخرطوم وفي أم درمان، ووقع إطلاق النار قرب القصر الرئاسي بالخرطوم وفي أم درمان بعد أن ساد الهدوء لساعات عدة أنحاء العاصمة السودانية ومناطق أخرى كانت تشهد مواجهات بين الطرفين.

كذلك قبل التوصل للهدنة الجديدة، تجددت الاشتباكات أمس الاثنين في العاصمة السودانية الخرطوم بعد فترة من الهدوء أعقبت انتهاء هدنة عيد العيد الفطر المبارك، وبموازاة ذلك تتفاقم الأزمة الإنسانية مع تعرّض القطاع الصحي لضغوط كبيرة تنذر بانهياره، في حين انقطع التيار الكهربائي وتراجعت إمدادات مياه الشرب في العديد من أحياء الخرطوم.

وفقا للمعطيات، ومع إعلان نقابة أطباء السودان، في أحدث إحصاءاتها ارتفاع حصيلة الضحايا من المدنيين جراء الاشتباكات بين الجيش و”الدعم السريع” إلى 273 قتيلا، فإن الحديث عن عودة البلاد السمراء إلى تحت الرقابة الدولية قد يكون أمرا مستبعدا في الوقت الحالي، لكنه خيارا يبقى قائما ويمكن اللجوء إليه إذا ما توفر شروطه، وذلك في الوقت الذي تبدو فيه السودان ذاهبة إلى مرحلة متطورة من الحرب. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات