في حادثة مؤجلة منذ سنوات، عاد التوتر إلى مناطق شرق الموصل، العاصمة المحلية لمحافظة نينوى شمالي العراق، المعروفة بسهل نينوى، التي تمثل حاضنة الإيزيديين بالبلاد، إلى جانب احتوائها على غالبية من العربية المسيحية، نتيجة تدافع ديمغرافي سياسي يحمل في طياته أبعادا إقليمية.

التوتر بدأ منذ قبل نحو أسبوعين، عندما كلفت إدارة محافظة نينوى عضوا من الحزب “الديمقراطي الكردستاني” بمنصب إدارة ناحية بعشيقة التي يسكنها خليط من المكونات بينهم الشبك، وذلك قبل أن يشتعل الخلاف في مدينة سنجار معقل الإيزيديين بالعراق، إثر إعادة 25 عائلة عربية نازحة إلى منازلهم في المدينة.

وسط ذلك، ما يجب أخذه بعين الاعتبار، أن مناطق سهل نينوى تسكنها غالبية عربية مسيحية، لكن هجر الكثير منهم على خلفية سيطرة تنظيم “داعش” على المنطقة عام 2014، وتلك الغالبية هي بجانب العرب السنة والشبك والأكراد والإيزيديين. 

تركيبة سهل نينوى

سهل نينوى يتكون من مدن بعشيقة، الحمدانية، برطلة، بغديدا، قره قوش، النمرود، تلكيف، وانة، القوش، وفايدة، إلى جانب مناطق مخمور والشيخان، وهي مناطق فاصلة بين محافظة نينوى، وأربيل عاصمة إقليم كردستان، وعقب الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، خضعت هذه المناطق لسيطرة “البيشمركة” وهي قوات عسكرية تابعة لإقليم كردستان، لغاية سقوطها في يد “داعش”.

بعد سيطرة “داعش”، تغير واقع الموازين في سهل نينوى بشكل كبير، وتحولت المدينة من رمز للتعايش السلمي والخليط المكوناتي إلى واحدة من أبرز نماذج التدافع الطائفي والسياسي في البلاد، كما تحولت إلى منطقة نفوذ لفصائل تابعة إلى “الحشد الشعبي”، التي بقيت تصر على الحفاظ على تواجدها في تلك المناطق على الرغم من الدعوات المستمرة إلى ترك ملف المنطقة إلى قوات من الأهالي هناك.

اقرأ/ي أيضا: اقتصادات الخليج في 2023.. لماذا يتراجع النمو؟

منذ ذلك الحين بدأت قصة عدم استقرار سهل نينوى، وساد الانقسام في المنطقة، بحسب مراقبين، وتحولت المكونات إلى خيوط تحركها أجندات داخلية وخارجية، ولعل ما تشهده المنطقة من توتر حالي يسهل عملية تفكيك هذه المعادلة التي بقيت بعيدة عن أنظار الكثيرين طيلة سنوات ما بعد استعادة السيطرة على نينوى من قبضة “داعش” الذي بقي متخذا منها عاصمة لخلافته المزعومة حتى عام 2017.

عن هذه القصة، والتوتر الحالي، يشرح أحمد العبيدي، من سكان مدينة نينوى، والمهتم بالشأن السياسي، في حديث لموقع “الحل نت”، ما يجري على الأرض، قائلا، بالحديث عن منطقة سهل نينوى ووضعها السياسي واستقرارها، يجب مراعاة أولا موقعها الجغرافي، إذ ترتبط بشكل مباشر بالخط الرابط بين إقليم كردستان ومحافظة نينوى بشكل عام، وهنا نقطة خلافية تتمثل بأن المنطقة تقع ضمن المناطق المتنازع عليها، بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية.

بناء على ذلك، حرصت القوى الشيعية إبان المعارك ضد تنظيم “داعش” على تكريس تواجدها في سهل نينوى، بحسب العبيدي، الذي أشار إلى أن وراء ذلك هدفين، الأول تشكيل ورقة ضغط على إقليم كردستان، وهذا ما حصل فعليا، فخلال الصراع السياسي الذي شهده البلاد العام الماضي على تشكيل الحكومة، عمدت الفصائل المسيطرة على مناطق سهل نينوى والمنضوية في “الحشد الشعبي” على استهداف مطار أربيل، في أكثر من مناسبة، بهدف الضغط على القرار السياسي.

أما الهدف الثاني فيتمثل بالمصلحة الإيرانية، التي تعمل هذه القوى للحفاظ عليها في العراق، كما يؤكد العبيدي، ويشير إلى أن ذلك يمثل السبب الرئيسي وراء ما تشهده المنطقة في الوقت الحالي، فالخلاف في بعشيقة تعود جذوره لهذه الأسباب، مبينا أن غزوان الداودي الذي تم تكليفه بإدارة بعشيقة يُعد أحد ممثلي الشبك في المنطقة، وأن عضو “البرلمان” وعد القدو المعترض على تكليفه أيضا شبكي.

لكن الفرق بحسب العبيدي، أن القدو ينتمي إلى تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، باستثناء “التيار الصدري”، والداودي ينتمي إلى الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، بالتالي أن رفض تكليف الأخير يأتي في سياق الحفاظ على مكتسبات القوى الشيعية في المنطقة ومنع عودة نفوذ “الديمقراطي الكردستاني”، لضمان فاعلية ورقة الضغط على الإقليم.

ما علاقة إيران باستقرار سهل نينوى؟

هذا وينحسب الأمر على ما يحدث في سنجار، وفق ما كشف عنه العبيدي، في حديثه لـ “الحل نت”، بأن من يقوم بمنع العوائل العربية من العودة إلى المدينة هم أطراف على علاقة بالفصائل المسلحة وذلك معروف للجميع، بل في الأساس أن تحالف “الإطار التنسيقي” يحاول إجهاض الاتفاق السياسي مع القوى السنية والكردية التي تحالفت معه لتشكيل الحكومة مقابل تسوية الملفات العالقة بينهم.

عنصر من كتائب بابليون التابعة للمسيحين والمنضوية في “الحشد الشعبي”/ (AFP)

 مبيذنا أنه من بين تلك الملفات قضية المناطق المتنازع عليها، وعودة النازحين وغيرها من الملفات، وبما أنه لا توجد أمام “الإطار” حيلة للتنصل عن الاتفاق، يحاول استغلال مواقف ومأسي الأهالي، ودفع الفصائل لتكون هي صاحبة الفصل في هذه القضايا لتبقى على واقع حالها.

اقرأ/ي أيضا: “الحرب المستمرة”.. هل تضع السودان تحت “البند السابع”؟

العبيدي، اختتم حديثه بالإشارة إلى الهدف الاستراتيجي وراء ذلك، بأن منطقة سهل نينوى تقع ضمن الخط الاستراتيجية الرابط بين إيران وسوريا عبر العراق، بالتالي أن هذه القوى وبدفع من إيران تسعى جاهدة الحفاظ على الوضع الحالي لضمان مسار الخط الإيراني الذي يندرج ضمن هدف الوصول إلى البحر المتوسط، بما في ذلك استمراره كخط تمويل وتسليح أساسي، تتواصل من خلاله إيران مع وكلائها في المنطقة.

أمس الخميس، منع عدد من الأشخاص المرتبطين بجماعة مسلحة، عودة 25 عائلة عربية نازحة إلى منازلهم في سنجار، بتهمة التعاون مع “داعش”، وعلى الرغم من حصولهم على الموافقات الأمنية وعودتهم بعد التدقيق الأمني الذي تشرطه وزارة الهجرة والمهجرين في إعادة العوائل النازحة إلى مناطقهم الأصلية.

ذلك جاء في سياق تهديدات أطلقها عضو “مجلس النواب” العراقي عن نينوى وعد القدو، باعتصام مفتوح لأنصاره في سهل نينوى ما لم يتم سحب تكليف عضو “الديمقراطي” الكردستاني من إدارة بعشيقة، في الوقت الذي يسعى فيه إلى تكليف شخصية شبكية أيضا لكن من الذي يوالونه.

نتيجة لهذا التوتر، أصدر رئيس “مجلس الوزراء” محمد شياع السوداني، مساء أمس الخميس، توجيها عاجلا يتعلق بناحية بعشيقة في محافظة نينوى، على خلفية التوترات السياسية التي حصلت بسبب تسمية مدير جديد للإدارة المحلية.

المكتب الإعلامي للسوداني ذكر في بيان، أن الأخير ترأّس اجتماعا لبحث الأوضاع في مناطق سهل نينوى، شارك ه ممثلو المكوّنات الاجتماعية فيها، وبحضور الأمين العام للهيئة التنسيقية للمحافظات غير المنتظمة بإقليم أحمد الفتلاوي.

إجراءات حكومية عاجلة

بناء على ذلك، وجه السوداني خلال الاجتماع، بإرسال، وبشكل عاجل، لجنة من مكتب رئيس الوزراء إلى ناحية بعشيقة؛ من أجل الوقوف على المشاكل الإدارية فيها والإسراع بحلها.

كما أكد على ضرورة ألا تنعكس المشاكل الحاصلة هناك على الاستقرار الأمني في المحافظة، أو تؤثر في تقديم الخدمات لمواطنيها، مشددا على ضرورة إشاعة روح الأخوة بين أبناء المكونات في نينوى، والابتعاد عن خطابات الكراهية والتفرقة، وتفويت الفرصة على من يحاول زعزعة الاستقرار، الذي تحقق بعد النصر على عصابات داعش الإرهابية.

في وقت سابق، وقعت الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان على اتفاقية سنجار التي تضمنت ثلاثة محاور، إداري وأمني وإعادة الإعمار، إلا أن إلى الآن لم ير النور بسبب وجود المجاميع المسلحة.

بحسب المحور الإداري، يتم اختيار قائمقام جديد لقضاء سنجار، والنظر بالمواقع الإدارية الأخرى من اللجنة المشتركة المشكلة من الطرفين، أما المحور الأمني فتضمن أن تتولى الشرطة المحلية وجهاز الأمن الوطني والمخابرات حصرا مسؤولية الأمن في داخل القضاء وإبعاد جميع التشكيلات المسلحة الأخرى خارج حدود القضاء، وتعيين 2500 عنصر ضمن قوى الأمن الداخلي في سنجار، وإنهاء تواجد “حزب العمال” الكردستاني من سنجار والمناطق المحيطة بها وألا يكون للمنظمة وتوابعها أي دور في المنطقة.

فيما شمل محور إعادة الإعمار تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان لإعادة إعمار القضاء بالتنسيق مع الإدارة المحلية في نينوى، وتحديد مستواها وتفاصيل مهامها من قبل رئيس “مجلس الوزراء” الاتحادي ورئيس “مجلس وزراء” إقليم كوردستان، إلى جانب تشكيل لجنة ميدانية مشتركة لمتابعة تنفيذ سير ما جاء في الاتفاق.

بناء على ذلك، فإن الحديث عن استقرار منطقة سهل نينوى يبدو أنه مطلب صعب المنال في ظل النفوذ المسلح الذي يسيطر على المدينة منذ سنوات، وهو الأمر الذي يمنع عودة النازحين، ويفرض واقعا ديمغرافيا قد يشوه من هوية المنطقة التاريخية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات