في خطوة تهدف إلى إعادة الثقة بعمل الحكومة العراقية كما تقول، وبغية الإصلاح الإداري، أقرّ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الثلاثاء الماضي، حزمة واسعة من القرارات الإصلاحية التي تضمنت المصادقة على إقالة عشرات المسؤولين بدرجة مدير عام في وزارات مختلفة، ضمن ما اعتبره الدفعة الأولى لعملية تغيير شاملة في مناصب المديرينَ العامينَ بالدولة.

القرار الذي يُعدّ الأول من نوعه من ناحية عدد الإقالات بالمناصب الإدارية العليا في الدولة العراقية، جاء بعد مضي ستة أشهر على منح حكومة السوداني الثقة في 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث قرارات الإقالة 57 مديرا عاما في وزارات وهيئات مختلفة داخل بغداد ومختلف محافظات البلاد.

الحملة التي لم تمسّ هرم المناصب التي تخضع للتوافقات السياسية بالدرجة الأولى، توقع مراقبون أنها أتت في سياق توافق سياسي بين قوى تحالف “إدارة الدولة” الذي يضم جميع القوى السنية، والحزبين الكرديين “الديمقراطي” الكردستاني، و”الاتحاد الوطني” الكردستاني، إلى جانب جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، وهو التحالف الذي يقف خلف تشكيل حكومة السوداني ويعمل على إسناد حكومته التي  تشكلت في أعقاب اعتراض “التيار الصدري” صاحب أكبر كتلة نيابية في “البرلمان”، والمنسحب من العملية السياسية، وغضب شعبي كبير.

حملة إقالات سياسية؟

في ضوء هذه الحالة السياسية المعقدة في العراق، يرجح أن حملة الإقالات تمت بتوافق سياسي بين الكتل والأحزاب حيث يسعى السوداني لتلافي موجات احتجاج متوقعة مع حلول فصل الصيف، لا سيما مع استمرار ضعف تجهيز الكهرباء والمياه للمناطق، خاصة في مدن الجنوب العراقي الأكثر كثافة بالسكان، ونقصا للخدمات، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة، حول جدوى هذه الحملة ومدى المناصب التي يمكن أن تطالها، وإذا ما كانت ستكتفي بحدود مناصب المديرينَ العامين.

اقرأ/ي أيضا: الأزمة المغربية بفعل التضخم.. هل تهدد عرش الملوكية؟

أثناء ذلك، قالت الحكومة العراقية في بيان صدر عقب اجتماع لـ “مجلس الوزراء” استمر عدة ساعات بالعاصمة بغداد، وتابعه موقع “الحل نت”، إن “مجلس الوزراء” صادق الثلاثاء، على إقالة الوجبة الأولى من المديرينَ العامين ممن أخفقوا في التقييم.

حيث أقر “مجلس الوزراء” توصيات لجنة تقييم المديرينَ العامين، التزاما من الحكومة بتطبيق مفردات الإصلاح الإداري ضمن أولويات العمل، وتضمنت نقل المديرينَ العامين ممن لم يحصلوا على تقييم إيجابي، إلى درجة أدنى من الدرجة التي كان يشغلها قبل تعيينه مديرا عاما، بحسب البيان، الذي أشار إلى أن بدلائهم سيكونون من نفس القوى العاملة داخل الوزارة المقالين منها.

في غضون ذلك، كشفت مصادر سياسية، عن عدد من المديرينَ العامينَ الذين ستشملهم حملة الإقالات في عموم الوجبات القادمة سيبلغ 400 مدير عام بمختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية، وذلك بينما شمل القرار الذي صدر عن الحكومة كدفعة أولى 57 مديرا عاما منهم ومن عدة وزارات، فيما ستكون هناك قرارات جديدة بحق آخرين، على أن تكون عملية الاستبدال بشكل تدريجي يضمن استقرار عمل مؤسسات ووزارات الدولة.

حملة ذو حدين

هذا وشملت الحملة مديري مديريات عامة في المحافظات عليهم شبهات فساد، أو قد أمضوا سنوات تصل بعضها إلى 12 عاما دون تغيير، في حين جاء ذلك بعد توافق سياسي بين القوى السياسية منذ الأسبوع الذي سبق عطلة العيد، بينما يجري الحديث عن نيّة رئيس الحكومة إجراء تغيير وزاري في كابينته.

السوداني مع كابينته الوزارية في جلسة التوصيت على حكومته في البرلمان العراقي/ (AFP)

بالتالي فإن حملة الإقالات هذه التي نفّذها رئيس الحكومة العراقية بحق المديرينَ العامين، تُعدّ بحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، طارق الزبيدي، سيف ذو حدين، إذ إنها حرّكت الماء الراكد منذ عشرين عاما، خاصة في ظل الكثيرين مَن هم بمنصب مدير عام لكن لم يستطع أي رئيس وزراء تغيرهم خوفا من اعتراضات الكتل السياسية، كون أغلب مَن هم في المنصب مدعومين سياسيا من قبِل أحزاب تهيمن على المشهد السياسي في البلاد منذ 2003 ولغاية الآن.

اقرأ/ي أيضا: الإضراب العام بلبنان.. مسار الدولة نحو ارتفاع التضخم؟

لكن الزبيدي لفت في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى كيفية ضمان ألا يُستغل هذا التغير لإبعاد المختلفين مع الحكومة والمنخرطين في أحزاب مناوئة لها، مقابل تقريب الموالين لها ومن هُم ضمن الأحزاب الحليفة، لذلك لا بد من التأكيد على أن هذه المهمة صعبة، وربما تمثل تجربة لتقييم حكومة السوداني مما يحتّم عليه وعلى حكومته إثبات مهنية التغير الخالية من أي أبعاد سياسية.

كذلك أشار الزبيدي، حول مدى المناصب التي يمكن أن تطالها هذه الحملة، إلى أنه من المستبعد انتقال الحكومة في المرحلة الحالية إلى المناصب الأكثر أهمية من مناصب المديرينَ العامين، بيد أنه في المستقبل قد يمكن الانتقال للمناصب الحساسة، وذلك لأنه من الصعب على الحكومة فتح أكثر من جبهة في آن واحد، خصوصا وأن جبهة استبدال المديرينَ العامين ليست بالمهمة السهلة.

أستاذ العلوم السياسية، أكد أن حملة الإقالات هذه لن تنتقل في أفضل حالاتها إلى أبعد من مناصب وكلاء الوزارات، كما لا يمكن لها الانتقال بشكل أبعد من ذلك، لاسيما في ظل وجود المناصب الحساسة المختلف عليها مثل منصب رئيسي جهازي المخابرات والأمن الوطني، فضلا عن مواقع أخرى قد تكون خلافية.

من جهته يرى المحلل السياسي العراقي المقيم في أميركا، هيثم الهيتي، أن هناك حاجة إلى حملة إقالات لكثير من المديرينَ العامين والموظفين الذين يُعتبرون في مناطق مفصلية أثّرت على المؤسسات العراقية بيروقراطيا، وأدت إلى انتشار حالة الزبائنية والفساد.

لكن الهيتي، أشار قي حديثه لموقع “الحل نت”، إلى ضرورة النظر لهذه الحملة ما إذا كانت سياسية أم مبنية على خطة إدارية تتضمن وجود بدائل معينة ودقيقة لتصحيح المسار، لافتا إلى أن موقف رئيس الحكومة مع مدير عام مطار بغداد، عندما تحدث معه بطريقة حادة وعالية، محملا إياه مسؤولية تقصير معين خلال زيارته الأسبوع الماضي إلى مطار بغداد، قد شكّلت انطباعات عدة، لاسيما بعد ظهور مدير المطار منتقدا بشكل مهذب السوداني وأسلوبه في التّهكم عليه.

تغير شكلي؟

العديد من الأطراف أشارت إلى أن مدير المطار الذي تم استبداله بالمدير السابق لم يكن أفضل من سلفه، بل إنما جاء إلى المنصب من أعماق ميليشيات معروفة، ولذلك الحديث عن جدوى حملة الإقالات هذه غير ممكن حاليا، لأن العراق بحاجة إلى هذه الحملة، لكن مع ذلك بحاجة إلى بدلاء كفؤين ومتميزين ممن هم من أصحاب التخصّصات والخبرات، على حد قول الهيتي.

هذا وقد انتشر السبت الماضي، مقطعا فيديويا على نطاق واسع في العراق، يظهر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال زيارته إلى مطار بغداد الدولي، وهو يوبخ مدير عام المطار حسين قاسم خفي، على ما اعتبره السوداني حالة “فوضى” في المطار، يتحمل مسؤوليتها مديره الذي وجّه له كلمات بأسلوب حاد، مثل؛ “أين كنت وسط هذه الفوضى؟” طالبا منه عدم الحديث أو التبرير، الأمر الذي دفع بالأخير بتقديم طلب إعفائه من المنصب، لعدم وجود المهنية من المراجع العليا، وأسباب أخرى ذكرها في طلب إعفائه.

يشار إلى أنه، في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2022، أعطى السوداني المديرينَ العامين، مهلة في حكومته كانت في ثلاثة أشهر لـ”تقييم أدائهم خلالها”، وذلك بجانب إمهال الوزراء 6 أشهر لإثبات فعاليتهم، لاسيما فيما يخص مكافحة الفساد.

ذلك يأتي في ظل ما يشهده العراق منذ سنوات طويلة، من صراع ظلّ قائما بين الكتل السياسية حول آلاف المناصب والتي تُعرف باسم “الدرجات الخاصة”، التي تتوزع على مستويين، الأول يعرف بـ”أ”، وهم وكلاء الوزراء والمستشارون، أما الثاني، فيعرف بـ”ب” وهم المدراء العامون، وهي درجات تقسّم على الكتل التي شاركت في الحكومة وفق معادلة رياضية معينة.

هذه المناصب تضم رئاسة الهيئات المستقلة التي تفوق أعدادها الـ 25 هيئة، والدرجات الرفيعة في الوزارات، والمواقع الأمنية، والتي تحصل عليها أحيانا بعض الأحزاب من قبل كتل معينة، نظرا لقربها من رئيس الوزراء، وبين فترة وأخرى، تحذر أحزاب وكتل من سيطرة جهات سياسية متنفذة على ملف الدرجات الخاصة، من أجل إنشاء ما يُعرف بـ”الدولة العميقة”، والكسب غير المشروع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات