بالرغم من أن عملية تكليفه على خلفية أزمة سياسية استمرت لأكثر من عام بين القوى السياسية، إلا أنه ومع ما يواجهه رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، نتيجة تدافع الأحزاب حول الدرجات الخاصة والمناصب الوزارية، وهو ما يعطل تشكيل الحكومة منذ نحو أسبوعين، بات الحديث عن احتمالية انسحابه متداولا على نطاق واسع.

احتمالية انسحاب السوداني بات خيارا حاضرا بقوة، لاسيما بعد التأجيل المستمر لجلسة التصويت على كابينته الوزارية، بحيث تمت تأجيلها ثلاث مرات متتالية، وما يعزز ذلك تراشق التصريحات حول مستقل حكومته، والتي دفعته إلى إصدار بيان رسمي، أكد من خلاله أنه لا يحق لأي طرف الحديث حولها والأسماء المرشحة لشغل مناصب وزارية فيها.

الخلافات التي تعطل تشكيل حكومة السوداني، والتي توقع لها الكثيرون التصويت عليها في وقت قياسي، بالنظر لطبيعة التوافق ما بين القوى السياسية التي جاء تكليفه من خلالها، تتمحور حول تقاسم الوزارات ما بين القوى السياسية.

خارطة الخلافات بين أروقة القوى السياسية، تشمل الصراع الكردي بشأن استحقاقاتها، والتي تتمحور حول وزارة البيئة، حيث يطالب حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” بالحصول عليها بالإضافة الى وزارة العدل، في وقت يصر الحزب “الديمقراطي الكردستاني“، على الحصول على ثلاث وزارات وهي الخارجية والإعمار والإسكان فضلا عن البيئة، وهو ما لم يحسم الاتفاق بين القوى الكردية، بحسب القيادي في “الديمقراطي” وفاء محمد كريم.

كريم بيّن في تصريح صحفي لوكالة “بغداد اليوم“، أمس الأحد، أن “الاتحاد حسم موقفه بترشيح القيادي فيه خالد شواني لوزارة العدل“، مبيّنا أن “حسم اختيار المرشحين يعود لرئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني“.

مقابل ذلك، فأن المكون الشيعي هو أيضا يعاني من أزمة في توزيع الوزارات، حيث يشهد تحالف “الإطار التنسيقي” خلافا حول نقاط وتوزيع وزارات المالية والداخلية والنفط، فيما يستمر الخلاف السّني حول رئاسة البرلمان والوزارات الخاص المتبقية بالمكون، وفقا لكريم.

اقرأ/ي أيضا: بعد حسم تكليفه برلمانيا.. هل ينجح السوداني بتشكيل حكومة عراقية بالمدة الدستورية؟

تضارب مواقف

جدير بالذكر، أن انسحاب السوداني إذا ما حصل فهذا يعني أنه سيعيد العراق إلى أتون أزمة جديدة، وإن لم تكن حديثة من نوعها، إلا أنها قد تدفع بشكل أكبر إلى تدهور الأوضاع في البلاد، الذي يشهد تفاقما لأزماته الاقتصادية والأمنية، نتيجة عدم إقرار الموازنة العامة، وحدة الاستقطاب.

وفي هذا الشأن، يقول الباحث السياسي علي الحلواني، في حديث لموقع “الحل نت“، إن “ما يحدث من صراع حول المناصب بين القوى السياسية ليس بمفاجئ، فمن يتابع ويركز بإصرارهم على إعادة انتاج حكومة محاصصة التي دمرت البلاد سيعرف جيدا أن هذه القوى همّها المكاسب وليس الإصلاح، بالتالي سيكون من الطبيعي أن تتصارع عليها“.

غير أن ذلك، وبحسب الحلواني، تُعد “آخر محاولة للمحافظة على هذا النظام المتداعي، بخاصة مع استمرار الرفض الجماهيري ومقاطعتهم له وانعدام الثقة به، ولذلك ستكون حكومة المحاصصة مجددا بعد ما سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى عام 2019، وهم يعبّرون عن رفضهم لهذا النهج في الحكم، رصاصة الرحمة في جسد هذا النظام“.

بالتالي أن “هذه المكاسب التي يتمت الصراع عليها لن تدوم، وبما أن خطر التهديد الوجودي هذا الذي نتحدث عنه في الوقت الحالي حاضرا، سيكون أيضا هذا الصراع حول المناصب طبيعي، لأنه ببساطة أن هذه الأحزاب السياسية تستديم وتكرّس وجودها من خلال هذه المناصب التي تعمل على استنزاف مواردها لمصالحها الشخصية وتمويل مشاريعها“.

وعليه، إن المكلف الجديد وبما أنه مرشحا عن هذه القوى ذاتها، يعتقد الحلواني أنه سيكون صبورا على صراع شركائه، على اعتباره جزءا من هذا النهج الذي تسعى لتكريسه القوى السياسية من خلاله، وبما أنه موافق أن يكون رئيسا لعملية تحاصصية، فمن الطبيعي سيكون متفهم لهذا الصراع، فهو كذلك يحاول تحقيق أحلامه وتكريس وجوده، وهذا ما يقلل من احتمالية انسحابه من التكليف“.

الباحث السياسي لفت إلى أن “التحديات التي يتم الحديث عنها، وباستثناء موضوع الصراع حول المناصب، ليست في حسابات السوداني، بالتالي ليس من المعقول أن يعي حجم المرحلة وما تحتاجه ومن ثم يقرر الانسحاب. الرجل أتى ويعرف كل ما يدور في البلاد وكيف تُعطّل القوى التي رشحته لمنصب رئاسة الحكومة، عملية الإصلاح، لذلك قبوله في قيادة مرحلة بحجم هذا التحدي مع الاستمرار في النهج الفاشل، يعني أنه عازم أن يكون شماعة جديدة تعلق عليها القوى السياسية فشلها، وتتبناه فقط في وقت النجاح“.

والخميس ما قبل الماضي، وبعد أداء الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد اليمين الدستورية، جرى تكليف مرشح تحالف “الإطار التنسيقي” محمد شياع السوداني، بتشكيل الحكومة الجديدة في البلاد بنسختها التاسعة.

اقرأ/ي أيضا:بعد حسم تكليفه برلمانيا.. هل ينجح السوداني بتشكيل حكومة عراقية بالمدة الدستورية؟

السوداني من بعد صراع طويل

تكليف السوداني جاء بعد صراع محتد بين تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، و“التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، وسط تطلعات العراقيين إلى مرحلة جديدة يمكنها تجاوز التحديات والملفات، التي بقيت عالقة على إثر التدافع ما بين القوى السياسية، وغضب المواطنين من تردي الأوضاع.

تأتي هذه التطورات بعد أن اشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع سببه مهاجمة القوات الأمنية المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها فصائل موالية لـ“لإطار“، ومنضوية تحت راية “الحشد الشعبي“، لأنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” الجناح المسلح التابع للصدر للدفاع عن أنصاره من المتظاهرين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

الأزمة التي أنتجت عن السوداني

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

 “إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

اقرأ/ي أيضا: رئيس العراق الجديد يتسلم مهامه.. ماذا عن تشكيل الحكومة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.