في الوقت الذي تسلّم فيه رئيس العراق الجديد مهامه، بعد أزمة سياسية دامت لعام كامل، تتجه الأنظار حول مصير تشكيل الحكومة الجديدة، والتي كان الصراع يدور حولها ما بين القوى السياسية، قبل أن يتم تكليف مرشحا بتشكيلها خلال مدة 30 يوما، دوت معرفة مدى إمكانية تطبيق ذلك.

وكان مجلس النواب العراقي قد انتخب الخميس الماضي عبد اللطيف رشيد رئيسا جديدا للبلاد، جرى الحسم أخيرا بجولتين من التصويت داخل البرلمان بين الرئيس الجديد وسلفه برهم صالح، الذي أصرّ حزبه “الاتحاد الوطني الكردستاني” على التمسك به لولاية ثانية.

وتسلم الرئيس العراقي الجديد، عبد اللطيف رشيد، اليوم الإثنين، مهام عمله رسميا خلال مراسم أقيمت في قصر السلام الرئاسي وسط المدينة الخضراء بالعاصمة بغداد، بحضور شخصيات سياسية وحكومية وبرلمانية مختلفة، وخلال مراسم تسلّمه المنصب، قال رشيد “نضع نصب أعيننا ما ينتظره الشعب العراقي العزيز من الحكومة الجديدة التي نأمل أن تتشكل بسرعة وتكون قوية وكفوءة وموحدة، لتلبي طموحات الشعب في الأمن والاستقرار والخدمات“.

وتعهد الرئيس العراقي الجديد ببذل كل جهده للتقريب بين الأطراف والمكونات السياسية في العراق، وإقامة علاقات “متوازنة” مع دول الجوار، معربا عن أمله في تشكيل حكومة جديدة بسرعة.

كما أضاف في كلمته التي ألقاها في قصر السلام ببغداد، أنه سيبذل جهده من أجل التقريب بين القوى السياسية ورعاية حواراتها من أجل تحقيق هذا الهدف، مشددا على التزامه بحماية الدستور وسيادة العراق وحل المشاكل الداخلية.

بالتالي أن هذا الحسم الذي تشهده العملية السياسية العراقية على مستوى منصب رئاسة الجمهورية والذي كان هو الأخر عقبة أمام تشكيل حكومة جديدة، إذا تكمن أهمية انتخاب رئيسا للجمهورية في تكلف مرشح الكتلة النيابية الأكبر بتشكيل الحكومة، وفق الدستور.

وفي هذا الشأن يقول، الخبير السياسي علي البيدر، أن “حسم مشكلة رئاسة الجمهورية إلى هذه المرحلة قد انتهى، وليس له فاعلية أكثر من ذلك، بخاصة وأن رئيس الجمهورية في هذه المرحلة لا يستطيع فعل شيء وأكثر من تكليف مرشحا بتشكيل الحكومة“.

قرأ/ي أيضا: العزوبة ترتفع.. الزواج مكلف في العراق

تشكيل الحكومة ومسؤولياتها

فيما أضاف في حديث لموقع. “الحل نت“، إن “رئيس الجمهورية ومشكلته انتهت وفيما يتعلق بقضية تشكيل الحكومة لن يكون له فيها دورا، وأن رئيس الجمهورية حاليا ينتظر منه طريقة إدارة الأزمات والأمور ما بعد تشكيل الحكومة، خاصة وأنه دستوريا يُعد جزء من السلطة التنفيذية، وهو ما يحكم عليه أن يكون له دورا في المشهد وألا ينكفئ جانبا“، مبينا أن “مسألة تشكيل الحكومة أصبحت من صلاحيات ومسؤوليات مرشح رئاسة الحكومة“.

البيدر تابع بالقول، إن “قضية إنجاز تشكيل الحكومة تتوقف على محمد شياع السوداني المكلف بها، الذي سيكون عليه في هذه المرحلة إمكانيته وشخصيته وقدرته على إقناع الأطراف السياسية“، في حين يجب على “رئيس الجمهورية أيضا اثبات مكانته في إدارة المشهد“.

وكان الرئيس الجديد قد كلف فور انتخابه لمنصب رئاسة العراق، مرشح تحالف “الإطار التنسيقي” محمد شياع السوداني، لتشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد ساعة واحدة من انتخابه.

وفق الدستور العراقي، فإنه يجب على المكلف بتشكيل حكومة جديدة، أن يختار كابينته الوزارية وينال ثقة البرلمان خلال 30 يوما من تاريخ تكليفه، وإن لم ينجح بذلك، يتم استبداله بتكليف شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة، فهل سيتمكن السوداني من تشكيل حكومته وكيف سيكون شكلها في المرحلة المقبلة.

بحسب المحلل السياسي والأكاديمي علاء مصطفى، أستاذ العلاقات العامة الدولية في جامعة بغداد، فأن السوداني سينجح في تشكيل الحكومة المقبلة، إذ سيتمكن السوداني من نيل ثقة البرلمان بغضون مدة تنحصر ما بين 10 أيام و17 يوما، أي قبل نهاية تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

تفاؤل مصطفى نتيجة المعطيات الراهنة؛ لأن جلسة انتخاب الرئيس وتكليف السوداني مرّت بسلاسة دون مضايقات أو تظاهرات أو اعتراض من قبل خصم “الإطار التنسيقي“، وهو “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، الذي اتخذ الصمت دون أي تعليق منه على كل ما جرى ويجري في المشهد السياسي العراقي مؤخرا.

مصطفى من خلال حديثه لـ “الحل نت“، إن السوداني سيسارع لطي صفحة رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، وذلك عبر ذهابه للبرلمان بكابينة حكومية ناقصة، أي بنحو 12 وزيرا لنيل ثقة البرلمان وتسلم رئاسة الحكومة المقبلة بشكل رسمي، على أن يكمل الكابينة الوزارية في دفعة ثانية بعد نيله الثقة في الدفعة الأولى.

قرأ/ي أيضا: رئيس جديد للعراق.. ما شكل المرحلة المقبلة؟

توقعات بتشكيل حكومة سريعة

السرعة في تسلّم رئاسة الحكومة التي يسعى لها السوداني، هي لطي صفحة الكاظمي؛ لأن “الإطار” الموالي لطهران، ينظر بريبة لحقبة الكاظمي، ويريدها أن تنتهي بأقرب فرصة، ليترك تلك الفترة خلفه بكل ما حققته وما لم تحققه، على أن يتحمل السوداني على عاتقه المرحلة المقبلة، بحسب علاء مصطفى.

تأتي هذه التطورات بعد أن اشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع سببه مهاجمة القوات الأمنية المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها فصائل موالية لـ“لإطار“، ومنضوية تحت راية “الحشد الشعبي“، لأنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” الجناح المسلح التابع للصدر للدفاع عن أنصاره من المتظاهرين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

فشل مشروع حكومة الأغلبية

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

 “إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

قرأ/ي أيضا:ما جدوى الاستمرار بالحركة الاحتجاجية العراقية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.