“كل العوائل تضرب أرقام بالعالي”. عزوف الشباب العراقي عن الزواج وارتفاع العزوبة في العراق، باتت نتيجة حتمية، وأحد أهم أسبابها تلك العبارة التي يردّدها الشباب في السنوات الأخيرة.

“أبو البنت يفرض عليك رقم خيالي للحاضر والغايب”، يقول الشاب العراقي فلاح نجم، لـ “الحل نت”، عند سؤاله عن سبب امتناعه عن الزواج حتى الآن، ويبدو ذلك الجواب منطقيا إلى حد ما.

تبلغ نسبة الإناث من غير المتزوجات ممن تتراوح أعمارهن بين 18 و45 عاما، نحو 70 بالمئة بحسب إحصاءات منظمات مدنية وحقوقية عراقية، نُشرت قبل عامين.

الجانب الاقتصادي الذي يتمثل بالفقر والبطالة وحتى الاكتفاء المادي على قدر المستطاع، من أهم الأسباب التي تدفع بالشباب العراقي إلى العزوف عن الزواج

المشكلة بـ “الحاضر والغايب”

نجم، موظف في قطاع الدولة العام، ويبلغ من العمر 30 عاما، لكن مرتبه ليس بالكبير ولا بالزهيد. يكفيه لتمضية حياته بمفرده، لكنه لا يؤهله للزواج، خاصة مع الرقم الهائل الذي يطلبه أولياء أمور الفتيات كمقدم ومؤخّر من الشاب عندما ينوي الزواج.

“قبل سنة رحت تقدّمت لخطبة حبيبتي، وانصدمت بالحاضر والغايب. رادوا مني 25 مليون حاضر و40 مليون الغايب. منين أجيبهن، أبيع روحي”، يقول نجم متسائلا، والألم يعتريه لفقدانه الأمل بالزواج من حبيبته السابقة.

بحسب تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”، فإن بعض الأُسر العراقية تمنع بناتها من الزواج من الأشخاص الذين تُصنّف مقدرتهم المادية على أنها ضعيفة، وفي المقابل لا تراعي مسألة الأخلاق والقيم.

يتجاوز عدد الإناث من الشابات في العراق 15 مليون نسمة، فيما يناهز عدد الذكور من الشباب 18 مليون نسمة، بحسب إحصاءات رسمية سابقة، نشرتها وزارة التخطيط العراقية.

في السابق حتى عام 2012، كان من يود التأهل إلى الزواج يستطيع ذلك من دون صعوبة بالغة؛ لأن المقدم والمؤخر لم يكن خياليا كما بات يحدث في آخر 10 أعوام.

ما دور البطالة؟

في كثير من الأحيان، تشهد منصات “التواصل الاجتماعي”، تداول أرقام خيالية تطلبها العوائل ممن يود الزواج من بناتهم، فيَصل المقدم إلى 100 مليون دينار عراقي أحيانا، والمؤخر زهاء 125 مليونا.

“شلت فكرة الزواج من بالي. أولا لأن حبيبتي بعد مستحيل تصيرلي، وثانيا لأن العوائل تعامل بناتها سلعة وتبيعها بمبالغ مو طبيعية. وآنه ما راح أگدر أوفر المبلغ اللي يطلبوه مني. أبقى بدون زواج بلا دوخة راس”، يقول فلاح نجم.

حبيبة نجم خُطبت مؤخرا من قبل شخص “زنگين”، أي ثري، دون موافقتها، لكن أهلها فضّلوا تزويجها له لما يمتلكه من ثروة طائلة، دون الاهتمام لمشاعرها، كما علم “الحل نت” من خلال حديثه مع نجم.

حلم الزواج تحول إلى عبء وأرق؛ بسبب التدهور الاقتصادي، الذي أدى إلى انتشار البطالة، وتلك بدورها جعلت الشاب العراقي عاجزا عن التوفير والادخار والتهيئة للزواج.

بحسب هيئة “الأمم المتحدة” في العراق، فإن ازدياد نسب العزوف عن الزواج يرتبط بارتفاع نسبة العاطلين عن العمل بين الخريجين، بالإضافة لازدياد متطلبات الزواج عن السابق، مما شكل عبئا كبيرا على كاهل الشباب وأسرهم.

“الواقع مُر”

“يا زواج اللي تريدني أفكر بي وآنه حاير بلگمة باچر”، يقول الشاب العشريني أيوب سعد، وهو من سكان محافظة الأنبار غربي العراق لـ “الحل نت”.

أيوب خريج جامعي منذ 3 سنوات، لكنه لم يجد وظيفة إلى الآن، ويضطر للعمل بأجر يومي في أماكن مختلفة بين حين وآخر لتوفير ما يمكنه من تسيير متطلباته الشخصية بشكل يومي.

تبلغ نسبة البطالة في العراق، 16.5بالمئة، وفق آخر إحصائية نشرتها وزارة التخطيط العراقية في شهر تموز/يوليو الماضي، وهي نسبة كبيرة بالنسبة لبلد غني بالنفط مثل العراق.

في حين يوجد 9 ملايين مواطن عراقي تحت خط الفقر، أي نحو ربع عدد سكان العراق البالغ عددهم 41 مليونا، وفق إحصائية أوردتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مؤخرا.

“من الله يمكّني وآتوظف ويصير عندي راتب زين وبيت باسمي، ذيچ الساعة يللّه راح أفكر بالزواج. مو بطران ولا فرحان، بالعكس عندي حبيبة من البصرة. بس الواقع المر أقوى مني ومن كل الشباب”، يقول سعد.

في المحصّلة، تكاليف الزواج تمنع الشباب من بناء الأسرة، والعزوبة بارتفاع مستمر، ما لم تفكر الأسر إعادة النظر بأرقام المهر الخيالية التي تضعها على من يتقدمون للزواج من بناتهم، وما لم تتحرك الحكومة لدعم الشباب اقتصاديا، وتقديم القروض الميسرة وسلف الزواج لهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة