أخيرا، طويت صفحة الانسداد السياسي التي جثمت على قلب العملية السياسية العراقية لمدة عام كامل، بعد انتخاب رئيس جديد لجمهورية العراق، هو عبد اللطيف رشيد، الذي كلّف بدوره مرشح “الإطار التنسيقي” محمد شياع السوداني، لتشكيل حكومة جديدة، فما هو شكل المرحلة المقبلة في البلاد.

بأغلبية واضحة، فاز عبد اللطيف رشيد برئاسة جمهورية العراق من الجولة الثانية بعد نيله 162 صوتا مقابل 99 صوتا لمنافسه رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، ليصبح الرئيس العاشر منذ تأسيس جمهورية العراق عام 1958، فمن هو رشيد.

رشيد، من تولد 10 آب/أغسطس 1944 في السليمانية بإقليم كردستان العراق، ويبلغ من العمر 78 عاما، حائز على شهادة الدكتوراه في الهندسة من “جامعة مانشستر” عام 1976، رُشّح لرئاسة العراق بشكل مستقل، رغم أنه عديل رئيس الجمهورية الأسبق الراحل جلال طالباني، مؤسس حزب “الاتحاد الوطني” الكردستاني.

لا يملك رشيد سجلا كبيرا في السياسة العراقية بعد 2003، فهو كان وزيرا للموارد المائية ومستشارا أقدم لرئاسة الجمهورية، وكان في بداياته مع “الحزب الديمقراطي” الكردستاني، قبل أن يصبح فيما بعد من قيادات “الاتحاد الوطني” الكردستاني.

“لا رابح ولا خاسر”

انتخاب رشيد لم يكن على البال، إذ لم ترتفع أسهمه إلا قبل يوم من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، نتيجة الخلاف الكردي بين “الديمقراطي” و”الاتحاد” على أحقية كل منهما في المنصب، فجاء كمرشح وسطي بطبخة من “الإطار” الموالي لإيران، لكن كيف حدث ذلك.

عبد اللطيف رشيد

الخلاف الكردي العميق حسمه “الإطار” من خلال المقترح الذكي لـ “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، فخسر “الاتحاد” ولم يخسر، وربح “الديمقراطي” ولم يربح، وانتصر “الإطار” بقيادة المالكي في احتفاظه بـ “الديمقراطي” مشاركا في الحكومة المقبلة، بحسب الكاتب والصحفي سامان نوح.

“الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني كان رشّح وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد لرئاسة الجمهورية، فيما رشّح “الاتحاد” الرئيس السابق برهم صالح، بينما رُشّح عبد اللطيف رشيد، الذي ينتمي إلى “الاتحاد” بشكل مستقل.

قبل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بسويعات، صباح أمس الخميس، أعلن “الديمقراطي” سحب ترشيح ريبر أحمد، وأكد دعمه لعبد اللطيف رشيد، في وقت غرّد زعيم “الاتحاد” بافل طالباني، طالبا من حليفه “الإطار” أن يقف معه مثلما وقف هو معهم في منع تشكيل حكومة أغلبية بقيادة زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، عبر انتخاب برهم صالح، لكن ذلك لم يحدث، وفاز رشيد برئاسة العراق.

الطرفان الكرديان اللذان أعلنا انتصارهما “على محاولات كسر إرادتهما” كما ردّدا في خطاباتهما، خسرا ومعها ستتبع خسارات كردية لاحقة؛ لأنهما لم يتفقا طوال أشهر على مرشح واحد لدخول “قصر السلام” كما كانا يؤكدان، بحسب سامان نوح، وهو كاتب وصحفي كردي عراقي.

نوح يقول في حديثه لـ “الحل نت”، إن “الديمقراطي” و”الاتحاد” كرّرا مرارا أن هدفهما من الفوز برئاسة الجمهورية، والإصرار على مرشحيهما هو خدمة الكرد وقضاياهم، وكان عليهما حسم الأمر داخل البيت الكردي، لكنهما لم يفعلا ذلك وتركا الأمر في النهاية للفضاء العراقي، ليتم الاختيار هناك وفق حسابات مختلفة ليس لها علاقة بالمصلحة الكردية، بل وفق صفقة “لا رابح ولا خاسر”.

حسب مصادر “الحل نت”، تحرّك المالكي لإنهاء أزمة البيت الكردي على رئاسة الجمهورية، عبر منح ضمانات لـ “الديمقراطي” بأن “الإطار” سيصوّت لصالح رشيد ضد برهم صالح، مقابل سحبه ترشيح ريبر أحمد، وبالتالي فإن “الاتحاد” وإن رشح برهم صالح، فإنه لن يغضب في حال خسارته؛ لأن عبد الطيف رشيد ينتمي له في نهاية المطاف.

بعناد سياسي وإصرار غريب، تحرك “الاتحاد” و”الديمقراطي” لإفشال مرشح الطرف الآخر، وإن كان عبر تحالفات مع أطراف كانوا يعتبرونها خصوما، وفي النهاية حُسم الأم ليخرج كل حزب بثوب المنتصر، لكن بخسارات واضحة؛ لأنه لا أحد يعلم إلى من ستذهب حصة الكرد من الوزارات في الحكومة المقبلة، على حد قول سامان نوح.

زشيد وهو يكلّف السوداني لتشكيل حكومة جديدة

جرت العادة في عراق ما بعد 2003، أن الحزب الذي تكون من حصته رئاسة الجمهورية، ودائما ما كان المنصب من نصيب “الاتحاد” يكتفي بذلك المنصب، وتذهب الوزارات الكردية لصالح الحزب الذي لم ينل رئاسة العراق، وهو “الديمقراطي”، لكن وصول عبد اللطيف رشيد لرئاسة الجمهورية، وإعلان كل حزب انتصاره على الآخر، ربما يعقّد تقسيمة الوزارات الكردية في الحكومة المقبلة.

كابينة حكومية بدفعتين

لم تصدر من الرئيس الجديد لجمهورية العراق عبد اللطيف رشيد، أي كلمة، واكتفى بتغريدة تعهّد فيها بالحفاظ على أمن وسلامة العراق وصون أرضه وكرامته، قبل أن يكلّف مرشح “الإطار” محمد شياع السوداني، لتشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد ساعة واحدة من انتخابه رئيسا للعراق، فهل سينجح السوداني بمهمته.

وفق الدستور العراقي، فإنه يجب على المكلف بتشكيل حكومة جديدة، أن يختار كابينته الوزارية وينال ثقة البرلمان خلال 30 يوما من تاريخ تكليفه، وإن لم ينجح بذلك، يتم استبداله بتكليف شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة، فهل سيتمكن السوداني من تشكيل حكومته وكيف سيكون شكلها في المرحلة المقبلة.

يبدو المحلل السياسي والأكاديمي علاء مصطفى، أستاذ العلاقات العامة الدولية في جامعة بغداد، متفائلا “بسرعة قياسية” في تشكيل حكومة “الإطار” المقبلة، إذ بحسبه سيتمكن السوداني من نيل ثقة البرلمان بغضون مدة تنحصر ما بين 10 أيام و17 يوما، أي قبل نهاية تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

تفاؤل مصطفى نتيجة المعطيات الراهنة؛ لأن جلسة انتخاب الرئيس وتكليف السوداني مرت بسلاسة دون مضايقات أو تظاهرات أو اعتراض من قبل خصم “الإطار التنسيقي”، وهو “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، الذي اتخذ الصمت دون أي تعليق منه على كل ما جرى ويجري في المشهد السياسي العراقي مؤخرا.

مصطفى من خلال حديثه لـ “الحل نت”، إن السوداني سيسارع لطي صفحة رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، وذلك عبر ذهابه للبرلمان بكابينة حكومية ناقصة، أي بنحو 12 وزيرا لنيل ثقة البرلمان وتسلم رئاسة الحكومة المقبلة بشكل رسمي، على أن يكمل الكابينة الوزارية في دفعة ثانية بعد نيله الثقة في الدفعة الأولى.

السرعة في تسلّم رئاسة الحكومة التي يسعى لها السوداني، هي لطي صفحة الكاظمي؛ لأن “الإطار” الموالي لطهران، ينظر بريبة لحقبة الكاظمي، ويريدها أن تنتهي بأقرب فرصة، ليترك تلك الفترة خلفه بكل ما حققته وما لم تحققه، على أن يتحمل السوداني على عاتقه المرحلة المقبلة، بحسب علاء مصطفى.

السوداني نحو كسب الشارع؟

شياع السوداني، من تولد محافظة ميسان جنوبي العراق عام 1970، ويملك بكالوريوس في العلوم الزراعية، بدأ مشواره في السياسة بعد سقوط نظام صدام حسين في ربيع 2003.

من المناصب التي شغلها السوداني، قائمقمام مدينة العمارة 2004 ومحافظ ميسان 2005، ووزير حقوق الإنسان 2010، ورئيس الهيئة العليا للمساءلة والعدالة وكالة 2011، ووزير الزراعة وكالة 2013.

شياع السوداني

السوداني كان أيضا، رئيس مؤسسة السجناء السياسيين وكالة 2014، ووزير الهجرة والمهجرين وكالة 2014، ووزير المالية وكالة 2014، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية 2014، ووزير التجارة وكالة 2015، ووزير الصناعة وكالة 2016.

في كلمة له بعد تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، أكد شياع السوداني، أنه سيبذل قصارى جهده لتأليف حكومة قوية بأسرع وقت، وأنه لن يسمح بالإقصاء والتهميش في سياسته، والتصدي للمشاكل والأزمات المتراكمة، وفي مقدمتها نقص الخدمات والفقر والتضخم والبطالة، وتوفير فرص العملِ والسكن، وتحسين الواقع الصحي والتربوي والتعليمي، وقطاع الشباب والرياضة وتمكين المرأة وضمان حقوقِها.

السوداني، سيترك القضايا الاستراتيجية للقوى السياسية هي من تحلها، وخاصة تلك التي تحمل صبغة سياسية، وأبرزها قضية قانون الانتخابات وقانون مفوضية الانتخابات، تمهيدا لانتخابات جديدة، بحسب علاء مصطفى، الذي يردف أن المكلف بتشكيل الحكومة سيركز على الأمور التنفيذية وعلى رأسها الوزارات الخدمية.

الهدف من التركيز على الوزارات الخدمية، هو محاولة كسب ود الشارع بالحكومة؛ لأن الشارع فقد ثقته بها بعد أن قامت حكومة الكاظمي بزيادة اعباء الحياة بحق الشعب، عبر رفع سعر الدولار وخفض قيمة الدينار، ما تسبب بتدني المستوى الاقتصادي لمعظم أبناء الشعب ولم يعالج مشكلة البطالة وطعن “تشرين”، التي هي من أوصلته لرئاسة الحكومة؛ لأنه لم ينفذ مطالبها، على حد قول علاء مصطفى.

مما جاء في كلمة شياع السوداني، تعهده بتبني إصلاحات اقتصادية تستهدف تنشيطَ قطاعاتِ الصناعة والزراعة ودعم القطاع الخاص، وتنويع مصادر الدخل ومعالجة الآثار البيئية والتصحر والتغير المناخي وحماية الموارد المائية، فيما وصف حكومته بأنها حكومة “إنجاز وخدمة”، وأنها عازمة على غلق منافذ الفساد عبرَ “القوانين والتشريعات الصارمة”.

المكلّف شياع السوداني تعهّد باسترداد هيبة الدولة، وفرض احترام القانون، وإيقاف نزيف التدهور والانفلات بجميع مسمّياته وأشكاله؛ لأن الدولة هي صاحبة الحق الشرعي في نشر الأمن وبسط القانون والذود عن السيادة الوطنية عبر مؤسساتها العسكرية والأمنية الرسمية، على حد تعبيره.

بالنتيجة، حكومة “الإطار” الخاضعة لإيران بقيادة السوداني قادمة، ولا عراقيل تُذكر في طريق تشكيلها، إلا إن قرّر الشارع “التشرو-صدري” الاحتجاج عليها، وهذا السيناريو لم يطرح حتى الآن، خاصة وأن زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، نأى بنفسه عن التعليق على تكليف السوداني رسميا في جلسة انتخاب رئيس جمهورية العراق الجديد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.