الواقع في العراق غير المُراد وما ينشده الشارع تماما. قوى إيران في البلاد تقترب أكثر من أي وقت مضى من تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي السيطرة على القرار السياسي العراقي، فماذا يعني ذلك وكيف ستكون التداعيات.

بعد عام من منافسة حامية الوطيس بين “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، الفائز أولا في الانتخابات العراقية المبكرة الأخيرة و”الإطار التنسيقي” الذي يمثل قوى إيران في البلاد والخاسر في الانتخابات، ها هو الأخير يقترب من تشكيل الحكومة.

قد يبدو هذا الأمر من نسج الخيال أن يشكّل الطرف الخاسر الحكومة الجديدة وينسحب الفائز من العملية السياسية، لكن في العراق بات الأمر مألوفا وسط سطوة سلاح قوى طهران المنفلت وقضاء يحابي تلك القوى نوعا ما.

لم يتمكن الصدر من تشكيل حكومة أغلبية دون إشراك “الإطار” فيها كما أراد، بعد قرارات قضائية وقفت بصف قوى طهران، فما كان منه إلا أن ينسحب من البرلمان والسياسة ويترك تشكيل الحكومة لـ “الإطار”، دون أن يقاسمه كعكة المحاصصة والتوافق.

محمد شياع السوداني

اليوم لا يفصل “الإطار” سوى أيام معدودة عن نيل مسعاه بتشكيل حكومته التحاصصية، وذلك بقيادة مَن رَشّحه لرئاسة الحكومة المقبلة محمد شياع السوداني، المقرّب من طهران وابن “الإطار” ضمنيا، فماذا يعني ذلك.

عزل العراق وربطه بطهران

تشكيل حكومة “إطارية” يعني التربع على القرار السياسي العراقي بالكامل من قبل قوى إيران، ما سيسفر عن تداعيات سلبية بالكامل، تبدأ من سياسة “الإطار” ولا تنتهي بردة فعل الشارع، بحسب المحلل السياسي مناف الموسوي.

الموسوي يقول لـ “الحل نت”، إن سيطرة قوى إيران على القرار السياسي العراقي، يعني عزل بغداد عن العالم وربطها بطهران بكل شيء، وليس هدا فحسب، بل جعلها حديقة خلفية لسلطات إيران، على حدّ تعبيره.

قوى إيران ستُهدم كل ما بنته حكومة مصطفى الكاظمي من علاقات خارجية قوية أعادت بغداد إلى مكانتها دوليا وإقليميا، وستعزل البلاد وتجعلها ضمن محور طهران فقط، وهذا الأمر سيكون بمثابة تكرار لسيناريو حكومة عادل عبد المهدي السابقة، وفق الموسوي.

وصل عادل عبد المهدي إلى رئاسة حكومة العراق عام 2018، وعزل العراق عن واشنطن والدول الغربية والإقليمية وجعله بيد إيران، الأمر الذي دفع بالشارع العراقي للخروج بتظاهرات كبرى ضده، عُرفت بـ “انتفاضة تشرين” في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

لم تصمد حكومة عبد المهدي أمام الانتفاضة أكثر من شهرين، قبل أن تسقط نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، رغم ما مارسته هي والميليشيات الموالية لإيران من قمع مفرط للمحتجين، تسبّب بمقتل 750 مدنيا وإصابة 25 ألف محتج، بينهم 5 آلاف شخص أُصيب بإعاقة دائمة.

قوى إيران مسلوبة القرار؛ لأنها أداة بيد طهران وبالتالي فإن وصولها لرئاسة الحكومة يعني تنفيذ كل أجندة إيران في العراق، ومنها فتح الحدود البرية والمائية والجوية بالكامل أمام طهران من أجل تصدير كل منتجاتها الرديئة وغير الرديئة لبغداد، بحسب مناف الموسوي.

“تكميم الأفواه”

طهران تعاني منذ سنوات عديدة من أزمة اقتصادية خانقة نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، وعادة ما تستخدم العراق كمنفذ لها لإنقاذها اقتصاديا، حتى عُرفت بغداد بكونها الحديقة الخلفية لطهران.

حكومة الكاظمي تمكنت من تقنين الاستيراد من إيران، وإقامة علاقات تجارية متوازنة مع بقية الدول الإقليمية ومنها تركيا والسعودية وحتى سوريا والأردن، وبالطبع طهران، لكن دون الاعتماد عليها بالكامل، وعدم استيراد ما هب ودب منها.

المالكي والعامري والخزعلي

غير الاقتصاد، ستُمارس قوى إيران البطش بحق كل معارض ولو بكلمة واحدة، فسياسة تكميم الأفواه هي التي ستتخذها عبر ميليشياتها وعبر الدعاوى القضائية، وما دعوى المرشح لرئاسة الحكومة الأخيرة، إلا أبرز مثال على ذلك، كما يقول مناف الموسوي.

قبل أقل من أسبوع، رفع مرشح “الإطار التنسيقي” لرئاسة الحكومة المقبلة محمد شياع السوداني، دعوى قضائية ضد المحلل السياسي محمد نعناع؛ لأنه انتقده في برنامج تلفزيوني، وطالب بتعويضه بمبلغ نصف مليار دينار عراقي، الأمر الذي أثار استياء شعبيا واسعا.

الشارع لن يصمت، والترهيب لن ينفع بل سترتد نتائجه بشكل عكسي على قوى إيران، بحسب تعبير الموسوي، الذي يؤكد أن حكومة قوى طهران لن يطول أمدها؛ لأن الشارع سيخرج بـ “تشرين” ثانية، مشابهة لـ “تشرين” الأولى التي أسقطت حكومة عادل عبد المهدي.

انتفاضة “تشرو-صدرية”

الموسوي يُزيد بأن “تشرين” الثانية ستكون أقوى من الأولى لعدة أسباب، منها أن الشارع الذي نجح بسحب القرار السياسي من قوى طهران عبر مجيء حكومة وسطية بشخصية مدنية غير متحزبة لا لطهران ولا غيرها، لن يقبل أن ترجع البلاد خطوة إلى الوراء عبر إعادة قوى إيران لتتحكم بالقرار السياسي.

الأمر الآخر الذي يجعل الانتفاضة المقبلة أقوى من الأولى، هو أن “التيار الصدري” سيشترك فيها؛ كونه يعارض “الإطار”، واقترب من الشارع عبر مقاطعته الاشتراك في أي حكومة توافقية تتواجد بها قوى طهران، والكل يعرف مدى حجم جمهور “التيار”، وفق المحلل السياسي مناف الموسوي.

يُعد “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، أكبر قاعدة شعبية في العراق، إذ يتبع الصدر من 5 إلى 8 مليون شخص بشكل روحاني، وهم أكثر جمهور تخشى منه قوى إيران، كونه لا يعصي توجيهات زعيمه الصدر، وينفذها حرفيا.

بحسب تقدير الموسوي، مدة سنة واحدة لا أكثر لسيطرة قوى إيران على القرار العراقي، قبل أن يسقطها الشارع “التشرو-صدري” بانتفاضة قوية، وبعدها لن يعود بإمكان قوى إيران الوصول لرئاسة الحكومة العراقية بأي شكل من الأشكال مستقبلا، على حد قوله.

تتكون قوى إيران في العراق من الأحزاب السياسية الشيعية التي توالي بعضها المرشد الإيراني علي خامنئي عقائديا، وأبرز القوى العقائدية هي “بدر” بزعامة هادي العامري، و”صادقون” بزعامة قيس الخزعلي، أما التي توالي طهران سياسيا، فأبرزها “حزب الدعوة” بزعامة نوري المالكي.

تمتلك قوى إيران ميليشيات مسلّحة، مثل ميليشيا “منظمة بدر” بقيادة العامري، وميليشيا “عصائب أهل الحق” بقيادة الخزعلي، ناهيك عن ميليشيا “كتائب حزب الله”، التي تُعد الجناح المسلح لـ “حركة حقوق” في البرلمان العراقي.

في النهاية، المستخلص يشير إلى أن قوى إيران التي ستسيطر على القرار السياسي العراقي ستربط بغداد بطهران كليا، لكنها ستكرر غلطة حكومة عادل عبد المهدي السابقة التي أسقطتها “انتفاضة تشرين”، وستنتهي حكومة “الإطار” عبر “تشرين” جديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة