على عكس التوقعات، لم يخرج الاجتماع العربي الخماسي في العاصمة الأردنية عمان، يوم الإثنين الفائت، بنتائج حول حضور سوريا للقمة العربية المنوي عقدها في العاصمة السعودية الرياض في 19 أيار/مايو الحالي؛ بل خلص إلى توافقات تتمحور حول الأوضاع الإنسانية والأمنية والسياسية وآليات للتوصل لحل للأزمة السورية، على أن تتواصل المحادثات وفق جدول زمني يتفق عليه.

هذا الاجتماع جاء استكمالا للاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأردن والعراق ومصر في جدة في منتصف نيسان/أبريل الماضي، بما يتفق مع المبادرة الأردنية القائمة على إطلاق دورٍ عربيٍ قيادي في جهود حل الأزمة السورية وفق منهجية خطوة مقابل خطوة والمبادرة السعودية وطروحات عربية أخرى، لكن اللافت في اجتماع عمَّان هو حضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على رأس وفد يمثل دمشق. 

لن تُوجّه دعوة للأسد؟

عقب انتهاء الاجتماع التشاوري في عمان بين وزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر مع وزير الخارجية السوري، أكد وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني في مؤتمر صحفي أن قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يتم اتخاذه وفق آليات عمل الجامعة وأن “عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها قرار تتخذه الدول العربية”. 

اجتماع عمَّان هو استكمال لمحاولة إيجاد صيغة لمشروع الحل السياسي في سوريا والذي يشرعن فكرة عودتها إلى جامعة الدول العربية في المقام الأول؛ ولهذا نجد أبرز ما في الموضوع وجود وزير الخارجية السعودي بصفة السعودية هي الحاضن لهذا الاجتماع والسوري كممثل أيضا للحكومة السورية في إطار البحث عن صيغة تفاهمية لأنه في النهاية الفكرة لا تكمن فقط في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بل بمشروع الحل السياسي الذي يجب أن يتبناه مجلس الجامعة العربية في إطار عودة سوريا والضمانات التي تقدمها دمشق للالتزام بالخطوات المطروحة، وفق حديث المحلل السياسي عامر السبايلة لـ “الحل نت”. 

في اجتماع جدة رفض خمسة أعضاء على الأقل من جامعة الدول العربية، بينهم المغرب والكويت وقطر واليمن، إعادة انضمام سوريا إلى الجامعة، بينما قاومت مصر، التي أحيت علاقاتها مع دمشق في الأشهر الأخيرة، القرار؛ في حين أنّ الأغلبية البسيطة ستكون كافية لإعادة قبول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، إلا أنّ الإجماع فقط سيكون ملزما لجميع الأعضاء. 

حول حضور سوريا للقمة العربية في الرياض قال الباحث الأردني المختص في الشأن السوري، صلاح ملكاوي، في حديث خاص لـ”الحل نت” إنه “لن توجه دعوة لحضور القمة العربية للرئيس بشار الأسد، بل ستوجه لوزارة الخارجية وغالبا سيحضر الوزير فيصل المقداد وكان هناك مقترحات بأن يحضر موظف رفيع من الوزارة”.

الوزير الأردني قال في المؤتمر الصحفي، إن لقاء الوزراء العرب مع وزير الخارجية السوري “ممثلين لأنفسنا ولأشقائنا الذين حضروا ذلك الاجتماع، ولسنا ممثلين عن بقية الدول العربية. إن الدول العربية الحاضرة أرادت أن تبادر للبناء على جهودنا المشتركة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية”.

عودة اللاجئين أولوية قصوى 

المجتمعون في عمان بحثوا الجانب الإنساني، والخطوات المطلوبة لتحقيقِ تقدم في جهود معالجته، إضافة إلى عدد من القضايا الأمنية والسياسة، إذ اتفق الوزراء ووزير الخارجية السوري على أجندة المحادثات التي ستتواصل وفق جدول زمني يتفق عليه، وبما يتكامل مع “كافة الجهود الأممية وغيرها ذات الصلة بالوضع الإنساني، الوضع الأمني، والوضع السياسي”. 

ملف اللاجئين وعودتهم لم يغب عن الاجتماع، حيث أكد الوزراء على أن العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى بلدهم هي أولوية قصوى ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فورا؛ وتعزيز التعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة للاجئين، والتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، لتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح.

الوزراء، بحسب البيان الختامي، اتفقوا على توفير المناخ الجيد لعودة اللاجئين وتحديد الاحتياجات بالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة مع توضيح الإجراءات التي ستتخذها الحكومة السورية لتسهيل عودتهم، بما في ذلك في إطار شمولهم في مراسيم العفو العام، وتكثيف العمل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة للدفع نحو تسريع تنفيذ مشاريع التعافي المبكر بما في ذلك في المناطق التي يُتوقع عودة اللاجئين إليها، إضافة إلى التعاون بين الحكومة السورية والحكومة الأردنية، وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، في تنظيم عملية عودة طوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، وفق ما جاء في البيان

“عودة ألف لاجئ من الأردن تم تداولها في أروقة وزارات الخارجية العرب المعنية بالملف السوري قبل اجتماع عمان، وهي تتحدث عن كشف نوايا النظام السوري. هي فكرة جيدة ولكن لا أعلم مدى واقعية تطبيقها وهي تأتي لطمأنة اللاجئين وحثهم على العودة وهذه الخطوة ستكون بعد صدور عفو عام”، بحسب ملكاوي. 

فيما يتعلق بالنازحين داخليا وقاطني مخيم الركبان، على الحدود السورية-الأردنية، أشار البيان الختامي إلى أن تُتخذ خطوات مماثلة، وحسب مقتضى الحال لحل قضيتهم. 

فريق لمتابعة المخرجات

لم يخلو الاجتماع الخماسي العربي والبيان الختامي من الاتفاق على تعزيز التعاون لدفع جهود تبادل المخطوفين والموقوفين والبحث عن المفقودين وفق نهج مدروس مع جميع الأطراف والمنظمات الدولية المعنية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، وذلك بالتنسيق مع الحكومة السورية والتعاون بين الحكومة السورية والدول المعنية والأمم المتحدة في بلورة استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وتنظيماته، وإنهاء تواجد المنظمات الإرهابية في الأراضي السورية وتحييد قدرتها على تهديد الأمن الإقليمي والدولي.

حول ملف المخدرات جرى الاتفاق على أن تتعاون سوريا مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل سياسيين/أمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سورية وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق. 

فيما يتعلق بالعملية السياسية، أشار البيان الختامي إلى العمل على استئناف أعمال اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن، وفي سياق الخطوات السياسية المستهدفة تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وأن “تعمل الدول المشاركة في الاجتماع مع الدول الشقيقة والمجتمع الدولي لمقابلة الخطوات الإيجابية للحكومة السورية بخطوات إيجابية، للبناء على ما يُنجز، والتدرج نحو التوصل لحل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري الشقيق والتبعات الكارثية للأزمة السورية، ويحقق المصالحة الوطنية.” 

بحسب المحلل السياسي عامر السبايلة، فإن ما تم التوافق عليه طبيعي الآن، هناك حاجة إلى بناء هذه الهيكلية في موضوع ماذا يمكن تقديمه على مستوى الحل السياسي في سوريا وهذه خطوات إجرائية، في النهاية مجرد وصول سوريا إلى هذه النقطة هو بحد ذاته إنجاز وعلى دمشق التقاط هذه النقطة، بحسب تعبيره، مضيفا باعتقاده أن السوريين “يدركون أن إغلاق الملف على المستوى العربي يحتاج إلى خطوات إجرائية، ربما سيكون هناك مرونة في بعض النقاط بالنسبة لسوريا”.

الوزراء اتفقوا، وفق البيان الختامي، على تشكيل فريق فني على مستوى الخبراء لمتابعة مخرجات هذا الاجتماع وتحديد الخطوات القادمة في سياق هذا المسار المستهدف معالجة حل الأزمة السورية ومعالجة جميع تداعياتها.

هذه المخرجات بتفاصيلها الدقيقة تحتاج إلى وضع خطط وبرامج لتنفيذها مرتبطة بمدد زمنية، إذ إن ذلك “سيتم بحثه في أروقة القمة العربية في الرياض، لأن الأمور الدقيقة ستكون من اختصاص القادة العرب”، بحسب ملكاوي. 

حول قدرة دمشق على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، قال ملكاوي إن “الدول العربية تعلم أن سيطرة النظام ليست بالشكل الذي يسمح له بتنفيذ مثل هذه الشروط ولكن هي خطوة أولى على طريق الحل في سوريا ولكن يكفي أنه بعد 12 سنة نتحدث عن حل وهناك طرف سوري وطرف عربي”.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، اطلع نظراءه العرب ووزراء خارجية دول شقيقة وصديقة ومسؤولين إقليميين ودوليين، على مخرجات اجتماع عمان الذي ” مثّل بدايةً إيجابية لمسار يستهدف معالجة كل تداعيات الأزمة وصولاً إلى حل سياسي لها، وفق منهجية خطوة مقابل خطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، ويبني على المبادرات والجهود والاتصالات العربية لحل الأزمة.

السبايلة أوضح أن “لا أحد يمنع اليوم من هذا التحرك، خصوصا حلفاء الولايات المتحدة يدركون تماما أن واشنطن قد لا تضع خطا أحمرا أو تمنع لكن في النهاية لا تقدم حلول. المطلوب الآن هو إقناع المجتمع الدولي بهذا الحل وهذا يبدأ عربيا.”

“لن يكون هناك رفع للعقوبات عن سوريا ولن يكون هناك تجارة حرة تستفيد منها حكومة دمشق، لكن إذا استطاعت اليوم الدول العربية بناء هذا التصور لفكرة الحل السياسي مع الضمانات السورية يمكن الحديث لاحقا عنها مع الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي باعتبار أن هذا يمكن أن يحرك الملف الراكد ويبدأ في فكرة إعطاء صفة عملياتية لفكرة الحل، وبالتالي رفع العقوبات تدريجيا”، أضاف السبايلة. 

مشاركة المعارضة لاحقا؟

المعارضة السورية بكافة تشكيلاتها، باعتبارها أحد أطراف الأزمة، لم تحضر اجتماعي جدة وعمَّان رغم الحضور اللافت لوزير الخارجية السوري ممثلا عن الحكومة السورية، لكن هل ستشهد الاجتماعات اللاحقة تمثيلا للمعارضة؟ 

بحسب معلومات ملكاوي، فإن “الاجتماعات المقبلة ستشهد اجتماعا لحكومة دمشق والمعارضة على طاولة واحدة برعاية عربية”.

“ناشدنا المعارضة خلال الأسابيع الماضية، إن كنتم غير قادرين على وضع رؤية للحل في سورية أو خارطة طريق أو مبادرة كما فعلت قوات سوريا الديمقراطية أو الإدارة الذاتية على سبيل المثال، على الأقل طالبوا الدول العربية بالوقوف على مسافة واحدة من طرفي الصراع”، أضاف ملكاوي.

التحرك العربي يأتي من وجود حالة من عدم استقرار في المنطقة دون وجود حلول تلوح في الأفق في ظل غياب المجتمع الدولي، ناهيك عن احتواء النفوذ الإيراني وكبح تمدده في المنطقة دون وجود بديل عربي، الأمر الذي يؤرق الكثير من الدول العربية.

لا شك أن استمرار الأزمة السورية لا يصب في مصلحة سوريا والدول العربية، خاصة المجاورة، فلا بد من البحث عن حلول عقب سنوات من الجمود السياسي في هذا الملف الشائك، وربما هذا التحرك العربي يدفع باتجاه الحل بدلا من ارتفاع فاتورة الانتظار، لكن هذا يعتمد على تنفيذ ما تم وسيتم التوصل إليه عربيا ومباركة دولية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات