وسط مخاوف متزايدة من الارتفاع المستمر في الأسعار والمخالفات المتفشية، يجد السوريون أنفسهم في حالة اضطراب، فخلال الأسبوع الماضي، استحوذ التصاعد والارتفاع في ضبط المخالفات التموينية المصحوبة بغرامات باهظة على المخالفين في مختلف القطاعات، باهتمام المواطنين. 

بينما رحّب البعض بهذه الإجراءات كخطوة نحو الحد من الانتهاكات، يشكك البعض الآخر في فعاليتها في مواجهة الأسعار المرتفعة والمخالفات الواسعة الانتشار.

الخط البياني للضبوط التموينية في محافظة درعا وقبلها اللاذقية شهد ارتفاعا، مسجلا تنظيم عشرات الضبوط وفرض الغرامات بحق مخالفين على اختلاف فعالياتهم، في وقت لا تزال تشهد فيه الأسواق غليانا غير مسبوق في الأسعار ومخالفات لا حصر لها.

المخالفات والفساد

مدير التجارة الداخلية بدرعا، يحيى عبد الله، قال لصحيفة “تشرين” المحلية، أمس الاثنين، إن الضبوط شملت فعاليات تجارية مختلفة مثل مواد غذائية، وخضار وفواكه وألبسة وعصرونية وجوالات ومواد كهربائية وصحية، فضلا عن تنظيم مخالفات لعدم الإعلان عن الأسعار وإبراز فواتير شراء غير نظامية، أيضا ضبوط تموينية تتعلق بمخالفة عدم وجود سجل تجاري لمحال مواد غذائية وألبسة.

تعاني الأسواق السورية أزمات متعددة - "فرانس برس"
تعاني الأسواق السورية أزمات متعددة – “فرانس برس”

من جهتها ذكرت الصحيفة على لسان أهالي المحافظة، أن الأسواق تشهد حالة من الفوضى السعرية على حدّ وصفهم، فالتّسعير يتم بشكل ساعي وليس هناك التزام بفواتير ولا حتى بكشوف الحساب التي عادة ما يتم تداولها سواء من قبل تجّار الجملة أو نصف الجملة أو المفرق، مؤكدين أن ما يتم ضبطه من مخالفات ليس سوى جزء يسير من المخالفات التي باتت سمة سائدة في الأسواق وخصوصاً تلك المتعلقة بالأسعار.

بدوره علّق أحد تجار المواد الغذائية على ما يحدث في الأسواق بقوله “مثل السوق بنسوق” مكتفيا بالإشارة إلى أن الارتفاع المطّرد للأسعار بات يخضع لاعتبارات خارج مسؤوليات التجار.

الممارسات الفاسدة المختلفة التي لوحظت في مختلف القطاعات في سوريا بدءا من درعا جنوبا حتى اللاذقية شمالا، تُظهر مدى انتشار وتكرار المخالفات، مثل التهريب، والمنتجات المقلّدة، والرشوة. كما أن عدد المخالفات المبلّغ عنها والغرامات المفروضة وحالات الفساد التي كشفتها السلطات تشي بتدهور الأوضاع.

قيمة الغرامات المالية للضبوط التموينية في محافظة اللاذقية خلال الربع الأول من العام الحالي بلغت نحو 30.375 مليار ليرة سورية، حيث نظّمت المديرية خلال هذه الفترة 290 ضبطا بحق بعض المستوردين لعدم إصدارهم الصكوك السعرية الخاصة بهم، و 478 ضبطا لعدم الإعلان عن الأسعار وأجور الخدمات.

المواطن غير راضٍ

المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لتكرار هذه الحالة ليست مخفية، فعواقب ارتفاع الأسعار والمخالفات على الاقتصاد والمجتمع ككل بدأت تظهر في سوريا ولا سيما في السنوات الأخيرة.

سوق الحميدية دمشق - موقع "يكي ميديا"
سوق الحميدية دمشق – موقع “يكي ميديا”

المشاعر العامة وعدم الرضا عن ارتفاع الأسعار والمخالفات هي السمة الأبرز لدى المواطنين في سوريا، فوصلت مستويات الإحباط العام والاستياء على استجابة الحكومة لمعالجة الأزمة أعلى المستويات، وبات أغلبهم لا يثقون في المؤسسات الحكومية أو التدابير لتحسين الأوضاع.

المواطنون، الذين هم في الطرف المتلقي لهذه الأسعار المرتفعة، يجدون صعوبة متزايدة في تغطية نفقاتهم. وصلت تكلفة الضروريات الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة، مما يضع عبئا هائلا على الأفراد والأُسر في جميع أنحاء البلاد. أثّرت الأسعار الباهظة بشدة على الحياة اليومية للسوريين، مما جعل الكثيرين يكافحون لشراء حتى أكثر العناصر الأساسية.

علاوة على ذلك، لا تزال الأسواق تعاني من المخالفات المتفشية كما يراها المواطن، مما يزيد من تفاقم الوضع. وتشمل هذه المخالفات مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك التلاعب بالأسعار، والسلع المزيفة، والتخزين والاحتكار، واستغلال سلاسل التوريد. ولا تساهم هذه الممارسات في دوامة التضخم غير المنضبط فحسب، بل تؤدي أيضا إلى تآكل ثقة المستهلكين في السوق.

خلال الأيام الماضية، شمل ارتفاع أسعار المواد الغذائية أصنافا اعتاد السوريون على تقديمها بشكل أساسي على مائدة الفطور، وهي مادة الزعتر الحلبي، التي اتجهت بعض العائلات إلى الاستغناء عنها أو التخفيف من استهلاكها بعد تعديل أسعارها، كذلك شملت ارتفاعات المواد الغذائية البهارات بأنواعها.

“قوت الفقراء” هو الاسم الشائع للنبتة في سوريا بسبب انخفاض ثمنها، إلا أن سعر كيلو الزعتر الحلبي، وصل في أسواق حلب إلى 30 ألف ليرة سورية للنوع الأول و 22 ألف ليرة للنوع التجاري، كذلك شمل ارتفاع الأسعار زيت الزيتون، الذي وصل سعر العبوة منها 600 ألف ليرة سورية وتحوي 16 كيلو جرام.

احتمالية حدوث فوضى

بينما يتصارع المواطنون مع هذه التحديات، يُطرح السؤال، هل سوريا على شفا الفوضى أو الثورة. الجواب بحسب تجّار تحدثوا لـ”الحل نت” معقد ومتعدد الأوجه. في حين أن غليان الأسعار والمخالفات التي لا حصر لها تعكس بلا شك حالة من الفوضى، فإن استجابة الحكومة، كما يتضح من الزيادة الأخيرة في عمليات الضبوط التموينية والغرامات، تشير إلى الرغبة في معالجة المشكلة.

مع ذلك، فإن حديث المصادر المحلية لـ”الحل نت” يشير إلى العكس، فبحسب العامل في مجال الإنشاءات عمران الكاكوني، فإن العلاقة بين تكثيف المخالفات واحتمال الاضطرابات الاجتماعية علاقة طردية. إذ من المحتمل أن تشهد بعض المناطق التي تكثر فيها المخالفات احتجاجات كما حدث العام الماضي في مدينة السويداء إثر ارتفاع الأسعار وانقطاع الدعم عن بعض الأُسر.

عربة يجرها خيل في العاصمة دمشق ـ "رويترز"
عربة يجرها خيل في العاصمة دمشق ـ “رويترز”

بحسب الكاكوني فهناك حاجة إلى نهج شامل يشمل سياسات اقتصادية أوسع وأطر تنظيمية معززة وشفافية معززة، والتي تتطلب معالجة الأسباب الجذرية لارتفاع الأسعار والمخالفات. وفي ظل هذه الظروف، من الضروري أن تركز السلطات ليس فقط على معاقبة المخالفين ولكن أيضا على تنفيذ حلول طويلة الأجل لتثبيت الأسعار.

في الوقت الذي تكافح فيه سوريا الغليان غير المسبوق للأسعار والمخالفات التي لا حصر لها من التجار، يقف السوريون عند منعطف حاسم وخطير، كما سيحدد المسار الذي تختاره السلطات والشركات والمواطنون ما إذا كان الوضع سينحدر أكثر فأكثر للوصول إلى حدّ الفوضى التي لا نهاية لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات