جلسة نقاش ساخنة بين أعضاء مجلس محافظة دمشق لفتت الانتباه إلى انتشار المخالفات في المناطق الراقية المعروفة بأجوائها الفخمة وجاذبيتها الجمالية، والتي يشار إليها غالبا بالمناطق “المخملية”، إذ لم تسلم مناطق مثل أبو رمانة والمالكي والمزة والفيلات الغربية والشرقية من هذه المخالفات. 

وصف المخاوف التي أثارها أعضاء مجلس محافظة دمشق بشأن الانتشار الملحوظ للمخالفات في مناطق مرموقة في دمشق، يسلط الضوء على خيبة أمل المسؤولين وخجلهم من وصول التجاوزات إلى هذه المناطق الراقية، وهي إشارة في الوقت ذاته إلى حجم الضعف الاقتصادي والإداري لدى مؤسسات الدولة.

عيب يجب معالجته؟

بواعث القلق التي أُثيرت خلال الجلسة بدا وكأنه عيب يجب معالجته، فيما قال مدير دوائر الخدمات في المحافظة بشار عبيدة، أنه سيتم تسجيل مختلف المخالفات المذكورة ليُصار إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، لكن حملة إزالة الإشغالات المنفذة تكلّف إمكانيات كبيرة على صعيد الآليات والمازوت والكوادر في ظل استنفار مختلف المديرية من صيانة وخدمات.

انتشار المخالفات في المناطق المخملية بدمشق - إنترنت
انتشار المخالفات في المناطق المخملية بدمشق – إنترنت

بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، أمس الثلاثاء، وردا على انتقادات أعضاء في المجلس حول عودة نسبة 70 بالمئة من الإشغالات بعد إزالتها عبر الحملة التي نفذتها المحافظة، قال عبيدة إن هناك عودة للإشغالات ولكن ليس كما الأول خاصة مع إزالة الإشغالات الثابتة، مؤكدا أن الورشات مستمرة في إزالة الإشغالات غير النظامية والتعديات على الأملاك العامة والأرصفة.

مداخلات الأعضاء بإيجاد حل جذري لموضوع الإشغالات والبسطات ونقلها إلى الساحة التفاعلية التي كثُر الحديث عنها، مشبهين الوضع بين محافظة دمشق وأصحاب الإشغالات والبسطات على الأرصفة بلعبة “القط والفأر”، دلالة على تفشي ظاهرة مخالفات البناء في الأحياء المنظمة بشكل واضح.

من جانبه أفاد مدير النظافة عماد العلي، أن المديرية بصدد تنفيذ عقد لتأمين حاويات، لافتا إلى أنه خلال السنوات الأربع الماضية تقوم المديرية بإصلاح ما لديها من حاويات، وفيما يتعلق بظاهرة “نبّاشي” القمامة أوضح العلي أنه تمت مصادرة ما يقارب 60 إلى 70 شاحنة ولا ترد الى أصحابها إلّا بعد كتابة تعهد بعدم العودة لنبش القمامة.

برأي المسؤولين، فإن التجاوزات التي ابتُليت بها المناطق “المخملية” في دمشق أدى إلى تشويه صورة هذه المناطق المعروفة بفخامتها وطبيعتها الراقية، من حيث التعدي على الإنشاءات غير القانونية والمنشآت غير المرخصة وغيرها من الانتهاكات، وهو ما لا يمكن التغاضي عن أهمية هذه التجاوزات لأنها تلوث سمعة هذه الأحياء الراقية.

مخالفات بالجملة

وفقا لما ذكره أعضاء المجلس، فإن إحدى المخالفات المستحدثة والذي يعد انتهاكا واضحا ويؤثر على البيئة المحيطة والأماكن العامة في المناطق “المخملية” بدمشق، كانت لمطعم مشاد حديثا على حديقة عامة في المزة.

انتشار المخالفات في المناطق المخملية بدمشق - إنترنت
انتشار المخالفات في المناطق المخملية بدمشق – إنترنت

بحسب إحصائيات رسمية، فإن نسبة الضرر الحاصل في الوحدات السكنية في محافظة ريف دمشق قُدّرت بحوالي 40 بالمئة، وحلب 38 بالمئة، وحمص 30 بالمئة، ودير الزور 18 بالمئة، والحسكة 15 بالمئة، وحماة 10 بالمئة، ودرعا 6.5 بالمئة، ودمشق 5 بالمئة. 

جميع المحافظات السورية بحسب الإحصائية باتت على لائحة الخطر في ضوء هذه التقديرات الأولية والمرشّحة للارتفاع مع إنجاز عمليات التقييم الفني والإنشائي لجميع الوحدات السكنية.

انتشار المخالفات داخل دمشق عموما والمناطق المخملية خصوصا، سببه ارتفاع أسعار العقارات في دمشق وباقي المدن السورية، والذي أدى إلى ركود سوق العقارات. إذ إن عدة عوامل ساهمت في ركود السوق العقاري، أولها الضرائب الحكومية “ضريبة مبيعات العقارات”، والتي كان لها أثر كبير على التداول في سوق العقارات، حيث ينتج عن أي تداول عقاري خسارة بنسبة 1.5 بالمئة للبائع والمشتري.

محافظة دمشق، شهدت ارتفاعا جنونيا بأسعار العقارات خلال السنوات الفائتة، وكانت كلمة السر وراء هذا الارتفاع غير المبرر هي “ارتفاع الأسعار عالميا”، علما أن ارتفاع الأسعار لم يقتصر على تجّار مواد البناء فقط، وإنما انسحب إلى عدد من أصحاب المكاتب العقارية، الذين اتبعوا المثل الشعبي “ما حدا أحسن من حدا”، الذين لعبوا الدور الكبير في عملية البيع والشراء.

المناطق “المخملية” في دمشق التي تعتبر من أغلى المناطق في المحافظة، تراوح سعر أقل عقار سكني فيها بين 500-900 مليون ليرة، ويتجاوز المليار ليرة في عدد من الأبنية.

التداعيات على دمشق

التداعيات الأوسع للمخالفات على مدينة دمشق، لم يكن سببه أيضا ارتفاع أسعار العقارات، فأيضا الأسعار الملتهبة لمواد البناء كانت من جملة الأسباب التي أدت إلى انتشار الإشغالات والبسطات في طرقات العاصمة وداخل أحيائها، حيث ارتفع سعر طن الأسمنت في سوريا مؤخرا إلى 211 ألف و250 ليرة سورية.

انتشار المخالفات في المناطق المخملية بدمشق - إنترنت
انتشار المخالفات في المناطق المخملية بدمشق – إنترنت

الأسواق السورية، تشهد ارتفاعات متواصلة في أسعار المواد الغذائية والأساسية، تزيد انعدام القدرة الشرائية للمواطنين، وتحديدا بعد الزلزال الذي وقع في 6 من شباط/فبراير الماضي، وقد حلّت سوريا في المركز الـ18 من أصل 117 بلدا في مؤشر معدل فقر العاملين، بحسب تصنيف “منظمة العمل الدولية” لعام 2022.

فضلا عن ذلك، فإن وزير الصناعة عبد القادر الجوخدار، أعلن عن دراسة تجريها وزارته لرفع سعر الإسمنت ليتناسب مع تكاليف إنتاجه، موضحا أن صناعة الإسمنت “ترتبط بتوافر حوامل الطاقة من كهرباء وفيول”. وهذا بدوره  سيعزز انتشار المخالفات داخل دمشق وخارجها.

التأثير المحتمل على الصورة العامة وسمعة العاصمة، التي اشتهرت تاريخيا بجمالها المعماري، يؤكد أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وإنفاذ فعال للوائح للحفاظ على التراث الثقافي للمدينة والحفاظ على جاذبيتها.

لمعالجة التجاوزات المتفشية في مناطق دمشق “المخملية”، يرى مختصون أن هناك ضرورة لزيادة الوعي وحشد الدعم العام للإجراءات اللازمة لاستعادة النظام والحفاظ على سمعة المدينة المرموقة، وكمثال على ذلك تأهيل ساحة المرجة وسط دمشق لما تحمله من مكانة تاريخية ورمزية.

التجاوزات الواسعة التي لوحظت في مناطق دمشق “المخملية”، والتي تم إبرازها خلال جلسة المناقشة الأخيرة، وأثارت مخاوف أعضاء مجلس محافظة دمشق إشارة للاعتراف بعدم القدرة على معالجة هذه القضية. لكن من خلال اتخاذ التدابير اللازمة، وتطبيق اللوائح، وإعادة النظر بالقرارات التي ستُتخذ بشأن أسعار العقارات ومواد البناء من المأمول أن تستعيد المناطق الراقية في المدينة جاذبيتها وتكون بمثابة أمثلة مشرقة للجمال الحضري والمحافظة عليه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات