وسط المتغيرات الدولية والإقليمية، وفي وقت تشهد العلاقات بين نيودلهي وبكين نزاعا حدوديا منذ أكثر من أربعة عقود، فضلا عن تمدد الصين في سريلانكا وتهديداتها المستمرة بغزو تايوان، ومع استمرار محاولات بكين العدائية، إلى جانب تآكل هيمنتها على الحدود الهندية، دعا شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية للحزب، ولجمهورية الصين الشعبية، في حديثه إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب خلال الفترة من 16 – 22 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، إلى تسريع عمليات تحديث الجيش الصيني، مشددا على الحاجة إلى “كسب الحروب الإقليمية”.

مؤشرات التحديث

الصين حدّثت جيشها خلال العقد الماضي بنسبة جيدة، إذ بات يأتي في المرتبة الثالثة بين أقوى 139 جيشا في العالم، لكن الرئيس الصيني يطمع لاستكمال تحديث جيش بلاده بشكل كامل بحلول عام 2035، لاسيما من الناحية التكنولوجية باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليكون مستعدا لخوض الحروب غير التقليدية، وفق تقديرات مركز “المستقبل” للأبحاث والدراسات المتقدمة.

ذلك تزامن مع عملية تطوير وتحديث القوات المسلحة الصينية، حيث كشف تقرير الحكومة السنوي في آذار/مارس الماضي، عن رفع الميزانية الدفاعية للعام الحالي إلى 7.1 بالمئة، وهو ما يمثل زيادة طفيفة عن ميزانية العام الماضي والبالغة 6.8 بالمئة.

بحسب ما ورد في التقرير، فقد خصصت الحكومة الصينية ما قيمته 1.45 تريليون يوان، أي ما يعادل 229.47 مليار دولار للإنفاق العسكري. وتعتبر هذه سابع زيادة على التوالي في ميزانية الدفاع الصينية، الأمر الذي يعكس مدى سعي القيادة الصينية على تطوير وتحديث جيشها، في سبيل تحقيق ما تطمع إليه منذ فترة طويلة من هيمنة وتمديد لنفوذها خارج حدود بلادها، وخاصة بعد رسو سفينة حربية صينية، في أحد موانئ سريلانكا، التي دفعت بالهند إلى اتهام الأخيرة بعسكرة مضيق “تايوان”.

كما أن الصين، شهدت خلال السنوات الأخيرة تخفيضات مستمرة في عدد جنود قواتها البرية، وتم استحداث ما يعرف بـ “وحدة الدعم الاستراتيجي”، وهي أصغر وحدات الجيش الصيني الأربع، من حيث العدد وتختص بتطوير الأسلحة التكنولوجية.

بجانب تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أشارت وزارة الدفاع الأميركية في وقت سابق، إلى أن الصين تعمل على تطوير الحرب “الذكية”، والتي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتشير تقارير إلى أن الصين ربما تقوم بالفعل باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الروبوتات العسكرية وأنظمة توجيه الصواريخ، علاوة على مجالات الطائرات والزوارق الحربية المسيّرة.

قد يهمك: سيناريوهات الصراع في باكستان.. تحالف لـ”طالبان” وعمران خان؟

طمع وهيمنة؟

بحسب تقدير مركز “المستقبل” يعكس حديث الرئيس الصيني عن ضرورة تحديث جيش بلاده، لاسيما تركيزه على مسألة خوض الحروب الإقليمية، العديد من الدلالات، ومنها الوصول إلى المرتبة الأولى، حيث تسعى بكين إلى الارتقاء بمكانة الجيش الصيني إلى المرتبة الأولى عالميا بحلول عام 2049، وتخطي الجيش الأميركي.

كما يُلاحظ أن الصين سوف تتجه إلى تبني سياسات حازمة للدفاع عما تعتبره مصالحها المشروعة، خاصة في ظل عدم حسم مسألة تايوان، والنزاع الحدودي مع الهند، واستمرار الخلاف مع اليابان بشأن السيادة على جزر سينكاكو التي تطالب بها الصين وتسميها جزر دياويو، علاوة على التوترات المستمرة في بحر الصين الجنوبي. وعلى سبيل المثال، “لن تتخلى الصين عن استخدام القوة إذا لزم الأمر” لضم تايوان، حسبما ذهب الرئيس الصيني في تقريره المقدَّم إلى المؤتمر المشار إليه، والذي من المرجح أن تندلع مواجهة عسكرية في حال رغبت الصين في تحقيق أطماعها.

كذلك، سوف تتجه الصين إلى عقد اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الدول التي ترتبط بعلاقات شراكة استراتيجية مع بكين، وهو الأمر الذي يتيح لها إقامة بنية تحتية لوجستية وقواعد عسكرية خارجية، مما يسمح للقوة العسكرية الصينية بالتمدد عبر أنحاء مختلفة من العالم.

أحدث مؤشر على هذا التوجه يتمثل في قيام الصين في نيسان/ أبريل الفائت، بتوقيع اتفاقية أمنية مع دولة جزر سليمان، الواقعة في جنوب المحيط الهادئ، والتي تتيح للصين نشر قوات أمنية وبحرية في الجزر مع الحفاظ على سرية هذه المهام الأمنية، وهو الأمر الذي قوبل بالاعتراض من جانب الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، تخوفا من أن يؤدي ذلك إلى ذهاب الصين بتوسع نفوذها وهيمنتها العسكرية في المحيط الهادئ.

التطورات الأمنية والإقليمية في شرق آسيا بالنسبة لبكين، لعبت دورا حاسما في بلورة التعديلات العسكرية الأخيرة التي أجرتها الصين، وفق ما جاء في مقال بمجلة “ناشيونال إنترست”، نُشر يوم الأحد الماضي.

إذ أن التآكل المستمر للهيمنة الصينية النسبية على الحدود، ومخاطر التهديد المتزايد للهند في منطقة جنوب غرب الصين، والسياق الأمني الشبه عدائي في المحيطين الهندي والهادي، كل تلك عوامل جعلت بكين تُجري مؤخرا بعد المؤتمر الـ 20 لـ”الحزب الشيوعي” تعديلات عسكرية لافتة، بما يضمن لها حماية مصالحها الاستراتيجية، بحسب “ناشيونال إنترست”.

بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، يتقاتل الجاران الآسيويان، اللذين يتشاركان ما يقرب من 3500 كيلومتر من الحدود في جبال الهيمالايا، على خط ترسيم غير معترف به يسمى “خط السيطرة الفعلية” رسماه منذ عام 1962 بعد حرب خاطفة انتهت بهزيمة الهند وضم الصين جزءا كبيرا من إقليم لاداخ الذي أصبح “أكساي تشين”. حيث يجري على حدود التبت الصينية أحد أكثر الصراعات سرية منذ عامين.

“لوموند” وفي تقرير لها نُشر في آب/أغسطس المنصرم، أكدت من خلال سرد تاريخ صراع مستمر بين الجانبين، أن بكين ما زالت تتابع تعزيز مواقعها من خلال السيطرة على أجزاء من الأراضي الهندية، مشيرة أنه في الوقت الراهن ينتشر أكثر من 60 ألف جندي من كلا الجيشين على جانبي خط السيطرة.

كما أن الهند تُجري استعداداتها القتالية، وأنها مستمرة في دعم قطاعاتها العسكرية في أقصى شمال الهند، في جبال الهيمالايا، على ارتفاعات تزيد على 5500 متر، وفقا للصحيفة الفرنسية.

الصين تصر على البقاء في الأراضي التي تمت السيطرة عليها ما بعد 2020، وترفض العودة إلى وضع ما قبل ذلك، كما أنها تستمر بممارسة استفزازات ممنهجة، حيث تحلق طائراتها الحربية المتمركزة في شرق لاداخ بشكل متكرر بالقرب من خط السيطرة الفعلية، منتهكة منطقة حظر الطيران البالغ طولها 10 كيلومترات، الأمر الذي عطّل المفاوضات بين الجانبين، بالرغم من أن 10 جولات من المحادثات الدبلوماسية و16 جولة عسكرية أدت إلى فك ارتباط محدود للغاية، وفقا لـ”لوموند”.

وسط ذلك، أكدت صحيفة “تليغراف” الهندية، نقلا عن تقرير لشرطة الحدود الهندية التبتية التي تراقب خط السيطرة، أن الجيش الصيني شيّد العديد من البنى التحتية والطرق والمخابئ وأبراج المراقبة ومهابط الطائرات والثكنات، بل وبنى الجسور فوق بحيرة بانغونغ، لتسهيل مرور الدبابات والعربات المدرعة الأخرى.

قد يهمك: الصين والهند.. في الطريق للاصطدام؟

تحسبا لغزو التايوان؟

في خضم تحديث الصين وتطوير قدراتها العسكرية، حذّر وزير الدفاع الصيني، وي فينغ، نظيره الأميركي لويد أوستن من أن قضية تايوان خط أحمر يجب عدم تجاوزه وتقع في قلب المصالح الأساسية للصين. وبحسب بيان لوزارة الدفاع الصينية، فقد دعا الوزير الصيني نظيره الأميركي إلى تبني سياسة منطقية وعملية تجاه الصين لإعادة العلاقات إلى المسار الصحيح.

خلال لقاء وزير الدفاع الأميركي مع نظيرة الصيني في كمبوديا “إنترنت”

وزير الدفاع الصيني، شدد على أن حل قضية تايوان مسألة تخص الشعب الصيني وليس لأي قوة خارجية الحق في التدخل، في حين شدد أوستن على أن الولايات المتحدة ستستمر في الطيران والإبحار والعمل، حيثـُما يسمح القانون الدولي بذلك، وفقا لـ”العربية”.

قد يهمك: خلاف على منصب القائم بأعمال مرشد “الإخوان المسلمين” في مصر.. هل تعاني الجماعة من التفكك؟

التحديات والإشكاليات أمام الصين

بالعودة إلى تقدير مركز “المستقبل”، فإن اتجاه بكين لتحديث قدراتها العسكرية سوف ينظر إليه باعتباره تهديدا بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية الرئيسية، لاسيما الولايات المتحدة واللاعبين الرئيسيين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، والتي لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء توجه الصين نحو تحديث قواتها المسلحة وزيادة قدراتها العسكرية، إذ ستنظر تلك القوى إلى هذه المسألة على أنها موجهة إليها بالأساس، الأمر الذي سيدفعها أيضا إلى العمل على تنمية قدراتها العسكرية للرد على تحديث الجيش الصيني.

كذلك، سوف يترتب على ذلك حدوث سباق للتسلح في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وعلى سبيل المثال، ترغب كوريا الجنوبية في تطوير قوتها البحرية، وزيادة مشترياتها من الأسلحة. وتتحدث أستراليا عن شراء أسلحة فرط صوتية وصواريخ باليستية طويلة المدى، وحتى قاذفات شبحية. والأكثر من ذلك، تزايد الانفاق العسكري، إذ تشير تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن إلى أن نفقات الدفاع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تجاوزت تريليون دولار في عام 2021.

الجيش الصيني، يعاني بعض أوجه القصور، والتي يتمثل أولها في التشابه بين المشاكل التي تواجه موسكو في غزوها لأوكرانيا، وبين نقاط الضعف المحتملة في جيش التحرير الشعبي الصيني. ويتمثل ثانيها في الإلحاح الذي تمثله مسألة ضم تايوان إلى الصين بالنسبة للرئيس شي جين بينغ، حيث يذهب البعض إلى أنه في حين أن القدرة على الاستيلاء على تايوان كانت منذ فترة طويلة محركا لاهتمام الرئيس الصيني بتحديث جيش التحرير الشعبي، فإن ثمة صعوبات بشأن إمكانية القيام بذلك في ضوء غزو روسيا لجارتها. إذ يتطلب ذلك ضرورة عبور القوات الصينية لمضيق تايوان للوصول إلى الجزيرة، وهو ما يتطلب مئات الآلاف من الجنود.

إن جميع الوحدات المكونة للجيش الصيني تسير في الاتجاه نفسه. فوفقا لبعض المحللين، لا تزال الصين في المراحل الأولى لإنشاء هياكل قيادة موحدة تعمل فيها الوحدات البرية والجوية والبحرية بتناغم وسلاسة لتنفيذ خطة معركة منسقة.

على الرغم مما وصلت إليه عملية تطوير وتحديث الجيش الصيني من تقدم، فإنه مازال يعاني وجود عدة فجوات تؤثر على محاولته اللحاق بالولايات المتحدة في مكانتها العسكرية العالمية، ومن هذه الفجوات، حاجة الجيش الصيني إلى تكثيف التدريب العسكري، وكذلك التحرك بشكل أسرع لتحديث الأنظمة اللوجستية للجيش والسعي إلى بناء نظام مبتكر لإدارة الأسلحة والمعدات، بجانب مواصلة إصلاح الدفاع الوطني وتكثيف الابتكارات في علوم وتكنولوجيا الدفاع.

العوامل السابقة يُضاف إليها، ضعف الخبرة القتالية لدى أفراد الخدمة في الجيش الصيني مقارنة بنظرائهم في القوات الأميركية، حيث لم يقم الجيش الصيني بخوض أي حرب فعلية منذ ما يزيد على أربعة عقود، وتحديدا منذ الحرب التي خاضها ضد فيتنام في عام 1979، فضلا عن وجود فجوة واضحة بين بكين وواشنطن في القوات البحرية.

تاليا، في العلاقات الدولية الحالية، لا يوجد طرف عالمي يمكنه أن يقود حربا بدون حليف. على سبيل المثال، ليس لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حليف، وعندما حاول العبث بمحطة الطاقة النووية “زابوريجيا”، طلبت الصين منه ألا يعبث بها، ولم تكن بكين حليفا حقيقيا لموسكو، بينما كانت الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية حلفاء حقيقيين، حيث قدّموا مبالغ ضخمة وأسلحة لأوكرانيا، بينما لا تتلقى روسيا دعما يُذكر من الدول ومنهم الصين، فهم حلفاء المصالح فقط، وفق تقارير غربية، وبالتالي لا يمكن للصين القيام بغزو تايوان كما تطمع، التي حتما سيدخلها في حرب مع الهند، أو القيام بأي تحرك عسكري آخر ضد أي دولة جارة لها حيث لا يوجد لها حلفاء حقيقيون.

قد يهمك: جهود أميركية لحماية الملاحة في الشرق الأوسط.. ما هي التهديدات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة