في سلسلة من الإجراءات والعوامل التي اتخذتها الحكومة السورية وفي صدد الموافقة على أخرى تتعلق بالقطاع الاقتصادي مؤخرا، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الغلاء الخانقة في البلاد، بالتالي فإنها تساهم في ارتفاع الأسعار وتزيد من معاناة السوريين أكثر مما هو عليه، وسط فشل مؤسساتها في تأمين الخدمات الأساسية اليومية للمواطنين.

على سبيل المثال، أعلنت الحكومة مؤخرا عزمها رفع أسعار الكهرباء والإسمنت قريبا، بحجة دراسة التكاليف خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى عدم قيامها بواجبها في الحد من عمليات تهريب الماشية إلى الدول المجاورة، مما يؤثر على أسعار اللحوم في الأسواق.

غلاء الكهرباء والإسمنت

نية رفع أسعار الكهرباء والإسمنت قريبا وبحجة دراسة التكاليف، جاءت خلال كلمة لرئيس الحكومة السورية حسين عرنوس وعدد من الوزراء مع “المجلس المركزي لاتحاد العمال”، يوم الأحد الماضي، في دمشق، وفق صحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا.

دمشق- “إنترنت”

عرنوس قال إن حكومته ستدرس أسعار الإسمنت وفق الكلف المرتفعة على أن تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من الخسائر. من جانبه، ذكر وزير الصناعة السوري عبد القادر جوخدار، أن صناعة الإسمنت تتعلق بحوامل الطاقة، والشركات قادرة على زيادة الإنتاج في حال توافرت حوامل الطاقة وستكون هناك دراسة لزيادة سعر الإسمنت، وإنه سيعمل مع “وزارة النفط السورية” لتوفير مادة الفيول.

من جانب آخر، كشف وزير الكهرباء السوري، غسان الزامل، عن إجراء دراسة لرفع أسعار الكهرباء لتصل في الكميات التي تزيد على 1500 كيلو واط إلى سعر الكلفة، ذلك لأن الوزارة لم تعد قادرة على تحمّل هذه التكاليف، أثناء الجلسة الوزارية ذاتها.

فيما قال مدير الكهرباء لؤي ملحم، اليوم الأربعاء، إن ثمة عدة دراسات جاهزة فيما يتعلق برفع أسعار الطاقة الكهربائية، مؤكدا أن الارتفاع أصبح حاجة ملحّة، لكون الوزارة غير قادرة على تحمّل تكاليف الصيانة والإنتاج بالإضافة إلى غلاء سعر الفيول الذي صدر مؤخرا، وبالتالي هناك صعوبات على صعيد تأمين المواد ومختلف المستلزمات، وفق تقرير آخر لصحيفة “الوطن” المحلية.

بالتالي فإن كل هذه الإجراءات والقرارات والدراسات تساهم في زيادة الأسعار، وتظهر مدى تهالك المؤسسات الحكومية وعدم قدرتها على تأمين أبسط الخدمات في البلاد، فالحكومة ومنذ سنوات عديدة لا تُقدم على فعل شيء سوى رفع الأسعار والتكاليف بما يتماشى مع ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة السورية، دون القيام برفع الرواتب والأجور بالتزامن مع ذلك.

التداعيات على المواطنين

في المقابل، فإن زيادة أسعار الإسمنت والكهرباء إن حدثت، كما ارتفعت أسعار المحروقات في القطاعين العام والخاص مؤخرا، سيؤثر على قطاع العقارات والإيجارات المأزوم بالفعل. ففي حين يحتاج فيه سوق العقارات إلى دفعة لإخراجه من حالة الركود التي يعيشها منذ سنوات، تساهم القرارات الحكومية بتأزيم الوضع أكثر فأكثر، سواء من ارتفاع أسعار الإسمنت أو المحروقات، إلى جانب قرار بتنظيم عمليات بيع وشراء العقارات الذي صُدر قبل أسابيع.

كما أن كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب شمال سوريا في شباط/فبراير الماضي، أدى بشكل سريع إلى ارتفاع أسعار معظم مواد البناء والإكساء وأجور العمال بنسب قياسية؛ حيث إن تكلفة إكساء المتر الواحد لشقة سكنية بمساحة 100 متر قبل الزلزال كانت تتراوح بين 800 ألف إلى مليون و200 ألف ليرة سورية، أما اليوم أصبحت تكلفة إكساء شقة مساحتها 100 متر تتراوح بين 200 إلى 300 مليون ليرة، للبناء على الهيكل.

بالتالي فإنه إذا ما تم رفع سعر مادة الإسمنت  سيترافق معه زيادة في المواد الأخرى، فضلا عن زيادة في أجور اليد العاملة من عمال ومهندسين وغيرهم، ودون أدنى شك هذا سيرفع من أسعار العقارات وإيجارات البيوت بالمجمل.

هذا ويُقدر سعر طن الإسمنت الحُر بنحو 850 ألف ليرة، وقد يصل لأكثر من مليون ليرة في الفترة القادمة. أما سعر متر البحص والرمل فيُقدر بنحو 62 ألف ليرة، كما أن معامل الرخام والدهان تقوم برفع أسعارها وفقا لسعر الصرف، إضافة لحساباتهم التجارية بالتنبؤ بالأسعار ما يجعلهم يحددون أسعار المبيع من دون التقيد بالنشرات النظامية، وفق بعض متعهدي البناء في دمشق.

سعر طن الحديد في السوق بحدود 6.3 ملايين ليرة والمتر المكعب من البيتون المجبول بحدود 450 ألف ليرة، وتخضع أسعار هاتين المادتين للأسعار العالمية وتغيراتها وتتأثر بتغيرات سعر الصرف الحاصلة. ومع هذه الأسعار والارتفاعات المرتقبة فإن أسعار العقارات النظامية في العاصمة دمشق سترتفع وستتجاوز رقم المليار ليرة للعديد من المناطق وليس فقط “المخملية” منها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار إيجارات البيوت حيث أصبح أقل سعر إيجار للمنزل بنحو 150 ألف ليرة سورية.

المساهمة في غلاء اللحوم

في السياق ذاته، كشف رئيس لجنة مربي ومصدّري الأغنام في “اتحاد غرف الزراعة” معتز السواح أن معدل التهريب من الأغنام يتجاوز 20 ألف رأس يوميا، مطالبا الحكومة السماح بالتصدير لقطع الطريق على التهريب، وهو من أحد العوامل الرئيسية في غلاء أسعار اللحوم، وسط تجاهل الجهات المعنية هذه الدعوات.

السواح قال أيضا إنه على مدار الأسابيع الماضية كانت “المديرية العامة للجمارك” تعمل على ضبط نحو 7 قضايا تهريب الأغنام غراماتها مرتفعة تصل في بعض القضايا لأكثر من 200 مليون ليرة لأن تصدير الأغنام ممنوع لذلك تستدعي المخالفة المصادرة والغرامة المالية بـ 5 أمثال القيمة.

أحد أسواق سوريا- “إنترنت”

السواح، اعتبر أن الفرق السعري للأغنام بين السوق المحلية والسوق في بعض دول الخليج وخاصة السعودية يمثل الحافز الأهم لنشاط عمليات التهريب مقدرا قيمة، الخاروف في السعودية بحدود 800 ريال سعودي وهو ما يعادل مليوني ليرة وهو ضعف سعر المبيع في السوق المحلية.

كما طالب وزارتي الاقتصاد والزراعة السماح بتصدير ذكور الماعز والأغنام بما لا يؤثر في حاجة السوق المحلية مقدرا أنه يمكن تصدير 200 ألف رأس من دون أن تتأثر الأسعار، وتحقيق تأمين دخل جيد للمربي يسهم في تحسين قدرته على الاستمرار في التربية، وفق تقرير آخر لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء.

إلا أنه رغم كل هذه الدعوات من قبل الجهات المعنية والمختصين، فإن الحكومة لا تبدي أهمية في هذا الجانب، كما لا تقوم بوضع إجراءات للحدّ من عمليات التهريب الثروة الحيوانية، أو دعمها باللوجستيات من الأعلاف والخدمات والاستشارات والمواد الطبية.

في الوقت الذي يرى الخبراء أن تكاليف الإنتاج للماشية أصبحت كبيرة لدرجة أنها لا تترك هامش ربحٍ للمربي، بالإضافة إلى استغلال التجار لمنتجاتهم وسيطرتهم على الأسعار، وسط غياب الرقابة والتموين وحتى الجانب التسويقي الحكومي من كل هذا، الأمر الذي دفع الكثير من مربي المواشي للعزوف عن المهنة، وكذلك تراجع عدد العاملين في هذا القطاع، لضعف العوائد المادية فيه، وسط غلاء المعيشة.

كذلك، على إثر هذا الغلاء في أسعار اللحوم ومنتجاتها نتيجة استغلال التجار وتحكمهم بالأسعار مما أدى إلى خروج اللحوم بأنواعها عن القدرة الشرائية للمواطن، وسط اتساع الفجوة بين قيمة الرواتب والأجور وأسعار اللحوم الرائجة في الأسواق.

عدد من المواطنين أكدوا للصحف المحلية في وقت سابق، أنهم تراجعوا عن شراء اللحوم الحمراء والبيضاء أيضا منذ مدة، على حين أوضح أصحاب المحال أن عددا من الزبائن بات يلجأ إلى شراء كميات قليلة تتناسب مع المبلغ الذي يمكن أن يدفعوه.

في سياق الأسعار، فإن كيلو لحم المسوّف بحسب التقارير المحلية، قد وصل إلى 75 ألف، أما سعر لحم العجل فسجّل أيضا 75 ألف ليرة للكيلو الواحد، حيث لم تسجل هذه الأسعار أي انخفاض منذ انتهاء شهر رمضان الفائت، مع وجود اختلافات طفيفة في الأسعار بين محافظة وأخرى.

كما أنه منذ مطلع الأسبوع الماضي سجلت أسعار الفروج ارتفاعات جديدة، حيث وصل سعر كيلو الشرحات إلى 60 ألف ليرة سورية، بعد أن كان لا يتجاوز 52 ألف قبل 15 يوما، كما وصل سعر كيلو الفروج المنظف إلى 35 ألف ليرة بزيادة بلغت 3 آلاف.

المعنيون والمراقبون صرحوا في وقت سابق أن الحلول موجودة للتغلب على الغلاء والنقص في الأعلاف وغيرها من الأمور اللوجستية لتدعيم الثروة الحيوانية، ولكن الجهات الحكومية لا تأخذ بها، وأولها تشجيع استيراد أعلاف الثروة الحيوانية وتشجيع تربية الأبقار والأغنام من خلال تقديم قروض بدون فوائد للمربين الذين فقدوا قطعانهم، بجانب الحد من عمليات تهريب اللحوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات