في خطوة فتحت الباب على الكثير من الملفات، أهمها تفرّد تيار الإسلاميين الأصوليين بالقرار في إيران، وغيرها مثل الصراع داخل “الحرس الثوري”؛ جاءت استقالة الأمين العام لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي” علي شمخاني من منصبه، لتحرك الماء الراكد، وتكشف عن ما يدور في أروقة صناعة القرار الإيراني.

شماخي ممثل المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، والذي قاد مفاوضات إعادة العلاقات الدبلوماسية ممثلا عن بلاده مع السعودية، قد تكررت الإشاعات حول استقالته، طيلة العام الماضي، إلا أن هذه المرة قد ألمح بنفسه إلى صحة تلك الشائعات، عندما نشر تغريدة على موقع “تويتر”، الأحد الماضي، احتوت على بيت شعري باللغة الفارسية، قائلا إن؛ “الحديث الذي قيل وسُمع خلف الحجاب.. قيل رمزا، وفي نهاية المطاف سمع بالإيماءات، فغادر”.

بعد نشر هذه التغريدة، أُثيرت تكهنات حول مغادرة شمخاني منصبه بعد أن شغله لعقد كامل، قبل أن تؤكد بسرعة وكالة “نور نيوز”، المقربة من الأمانة العامة لـ “مجلس الأمن القومي” تلك الأنباء في ظروف غامضة، والتي طالما كانت تنفي تلك الإشاعات باستمرار.

إقالة أم استقالة؟

في أعقاب ذلك، قرر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يوم الإثنين، تعيين علي أكبر أحمديان أمينا لـ “المجلس الأعلى للأمن” القومي الإيراني، خلفا لشمخاني البالغ 67 عاما، وذلك من دون الكشف عن سبب القرار.

تخلي شمخاني من منصبه، اعتبر من قبل الكثيرين أنه نتيجة إلى الضغوط التي تعرض لها طيلة العام الماضي، لاسيما فيما يتعلق بقضية علي أكبري الذي أعدمته إيران، مطلع العام الحالي، بتهمة التجسس لصالح بريطانيا، والذي شغل منصب نائب وزير الدفاع، في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وعندما كان شمخاني حينها وزيرا للدفاع.

فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن شمخاني، وهو من منطقة الأهواز العربية، الذي طالما طالته انتقادات من شخصيات إيرانية متشددة بسبب طريقة التعامل مع الاحتجاجات الأخيرة التي انطلقت في البلاد على إثر اعتقال الفتاة الكردية مهسا أميني من قبل “شرطة الأخلاق”، لتفارق الحياة بعد ثلاثة أيام من إطلاق سراحها، كان قد اضطر لترك منصبه في إطار حملة إبعاد تنفذها حكومة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي للشخصيات التي لا تتفق مع سياساتها ولا تنخرط ضمن التيار الإسلامي الأصولي.

بعد مقتل أميني وبداية الاحتجاجات في إيران، تصاعدت الدعوات بشكل كبير من قبل تيار الأصوليين الذي ينحدر الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي منه، بضرورة إقالة شمخاني الذي شغل عدة مناصب قيادية في البلاد منذ العام 1979، من بينها قائد “الحرس الثوري” والقوة البحرية الإيرانية، حيث كان حميد رسائي، أحد الشخصيات الراديكالية في الحركة الأصولية، من بين الأشخاص الذين طالبوا بإقالة شمخاني من أجل إدارة أفضل لقمع الاحتجاجات.

رسائي وفي تسريب صوتي، طالب بإقالة شمخاني لما وصفه بضرورة إدارة قمع الاحتجاجات بشكل أفضل، فبحسب البرلماني الراديكالي، إن المسؤولين في جميع المؤسسات المتورطة في القمع، والذين تحدّث إليهم، يعتبرون أن سبب عدم قمع الانتفاضة الشعبية للإيرانيين ضد النظام هو بسبب تصرفات علي شمخاني.

رسائي قال إن أعلى منصب بعد رئيس “المجلس الأعلى للأمن القومي”، أي إبراهيم رئيسي، هو أمين هذا المجلس، وأن أمانة “المجلس الأعلى للأمن القومي” غير فعالة في إدارة قمع الاحتجاجات، لذلك أن شمخاني وهو الأمين الموثوق لحسن روحاني وأحد أسباب الوضع الحالي، يجب أن يحاسب إلى جانب روحاني، وهذا ما تحدث كثيرون عن أنه قد دفع شمخاني للاستقالة، بيد أن هناك من أشار إلى أن تركه للمنصب جاء تحضيرا لإعادة تدويره في موقع ذات أهمية.

ما وراء استقالة شمخاني؟

تعليقا على ذلك، وبالنظر للدور الذي لعبه شمخاني في ملف مفاوضات الاتفاق النووي، كحلقة وسط بين فريق المفاوضين والمرشد الأعلى خامنئي، بحث موقع “الحل نت” مؤشرات وأسباب استقالة الأمين العام لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي”، وتداعياته المستقبلية، مع المختص بالشؤون الإيرانية عمار تاسائي.

على شمخاني مع المرشد الأعلى علي خامنئي/ إنترنت + وكالات

تاسائي قال؛ إن استقالة أو إقالة شمخاني، لها علاقة مباشرة ووثيقة بما يجري خلف الكواليس في أروقة النظام الإيراني، أكثر من كونها مرتبطة بقضية علي أكبري وإعدامه، والتي استخدمت ضده لتقليم أظافره من قبل خصومه، وذلك في سياق التدافع بين قيادات “الحرس الثوري”، بخاصة وأنه يحظى بتأييد بعض قادة الحرس، وهذا ما يؤشر على وجود صراع ومنافسة شديدة داخل “الحرس الثوري”.

المختص بالشأن الإيراني، بيّن أن هذه المنافسة ليست وليدة اللحظة، بل هي موجودة من قبل بين قادة وجنرالات “الحرس الثوري”، ولها تاريخها، لكن على ما يبدو بعد تعرض النظام الإيراني لهزة هددت أركانه خلال الاحتجاجات الأخيرة التي ضربت البلاد على خلفية مقتل أميني، بدأ النظام الإيراني الآن أكثر تحفظا واحتياطا، حيث يحاول الجنرالات كلّ منهم الإمساك بالطرف الأقوى والسيطرة على مواقع القرار، تحسبا لأي خلاف أو انشقاق أو تمرد.

فيما أشار إلى أن، هذا الخلاف الموجود بين قادة “الحرس الثوري”، قد تعمق بشكل واضح نتيجة لتلك الهزة، وهو ما قد تندرج تحته استقالة شمخاني، على اعتباره من الشخصيات التي تلعب دورا مهما في النظام الإيراني، نظرا لموقعه، ما دفع خصومه للضغط عليه من خلال قضية علي أكبري لاستبداله.

استقالة شمخاني لا تعني اعتزاله السياسية، بحسب تاسائى، الذي لفت إلى أن، أهمية ما يحدث داخل النظام الإيراني يقترن بخطوة شمخاني القادمة، حيث ستحدد خطوته التي يجب انتظارها، إذا ما كان يطمح للترشح لرئاسة “البرلمان”، أو رئاسة الجمهورية، أو المناصب الأخرى، بشكل أكثر وضوحا أسباب استقالته وما يجري داخل النظام الإيراني.

هذا وتذكر استقالة شمخاني، باستقالة سلفه علي لاريجاني من منصبه، حيث سرعان ما ترشح في الانتخابات البرلمانية وترأس السلطة التشريعية 3 فترات متتالية خلال أعوام 2008ـ2020.

شمخاني وأحمديان.. من هما؟

شمخاني يُعتبر آخر المعيّنين في المجالس العليا بالبلاد من قبل الرئيس السابق حسن روحاني؛ وهي “المجلس الأعلى للأمن القومي”، “المجلس الأعلى للثورة الثقافية”، و”المجلس الأعلى للفضاء السيبراني”.

علي أكبر أحمديان الأمين العام الجديد للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني/. إنترنت + وكالات

شمخاني المولود عام 1955 بمدينة الأهواز جنوب غربي إيران، ينحدر من أصول عربية لأسرة تنتسب إلى عشيرة الشماخنة التابعة لقبيلة بني ربيعة، ساهم في تأسيس “الحرس الثوري” بمحافظة خوزستان، وأصبح وزيرا للمؤسسة العسكرية في حكومة مير حسين موسوي خلال أعوام 1989-1988، ثم وزيرا لحقيبة الدفاع في حقبتي الرئيس محمد خاتمي 1997-2005.

رغم عمله عن كثب مع الحكومات الإصلاحية والمعتدلة، فإنه يعرف بالولاء للمرشد الأعلى علي خامنئي، حيث عيّنه الأخير عضوا في “المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية” ورئيسا لـ “المركز الاستراتيجي للقوات المسلحة الإيرانية” في عهد الرئيس أحمدي نجاد، ثم عُيّن أمينا لـ “لمجلس الأعلى للأمن القومي” عام 2013 في بداية رئاسة حسن روحاني، ومكث في منصبه حتى استقالته ليخلفه أحمديان.

كما تقلّد مناصب عسكرية عديدة قبل أن يتولى مهام سياسية ذات طابع عسكري وأمني مهّدت له الطريق لخوض غمار الانتخابات الرئاسية عام 2001، فاحتل المركز الثالث من بين 10 مرشحين خاضوا الانتخابات التي أدت إلى فوز محمد خاتمي للمرة الثانية.

أما أحمديان، أمين المجلس الجديد، فقد تولى سابقا رئاسة المركز الاستراتيجي لـ “الحرس الثوري” منذ عام 2006، ويُعد أحد الأعضاء الفاعلين في “مجمع تشخيص مصلحة النظام”، وكان قائدا للقوات البحرية لـ “الحرس الثوري” من 1997 إلى 2000، كذلك ترأس هيئة الأركان المشتركة للحرس بين 2000 و2006.

وفقا للمعطيات، فإن استقالة شمخاني، واستبداله السريع بأحمديان، ما هو إلا محاولة من تيار الأصوليين لإحكام قبضتهم على مراكز صنع القرار في البلاد، وذلك لشعورهم بالحاجة إلى المزيد من المتشددين في إدارة سياسات إيران، على الرغم من أن شمخاني لم يكن أيضا متسامحا في أغلب المناسبات، وهذا بغض النظر عما تشير إليه خطوة الإقالة من تدافع بين القيادات العليا للنظام. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات