في الوقت الذي يتابع فيه العالم التقارب الإيراني السعودي السريع، فُتح المجال أمام الحديث عن إمكانية عودة علاقات القاهرة وطهران المنقطعة منذ العام 1980، لاسيما في ظل تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، الأحد الماضي، التي عبّر فيها عن أمله في أن تشهد العلاقات بين البلدين تطورا وانفتاحا جدّيا ومتبادلا، لتُضفي بريقا جديدا على ما تردّد سابقا حول لقاءات سرية عُقدت بين وفود مصرية وإيرانية في بغداد.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها إيران عن علاقاتها مع مصر، بل سابقا ما بعد الاتفاق مع السعودية سرعان ما لوّحت طهران إلى القاهرة، ووقتئذ علقت القاهرة في بداية الأمر على عودة العلاقات السعودية الإيرانية بالقول، إنها تتابع باهتمام الاتفاق مع السعودية، لكنها بعد ذلك عادت لتؤكد على أنها تقدّر ما وصفته بالخطوة الهامة، وتثمّن التوجه الذي انتهجته السعودية في هذا الصدد، معربة في الوقت ذاته، عن تطلع مصر إلى أن يكون لهذا التطور مردود إيجابي إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية.

الحديث عن العلاقات المصرية الإيرانية لم يكن وليد اللحظة، فمنذ أن رعت بغداد المفاوضات الاستكشافية الأولى بين السعودية وإيران، سرعان ما بدأ التلميح إلى إمكانية تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران، لاسيما في ظل العلاقات العراقية المصرية التي تشهد ازدهارا منذ العام 2020.

غزل إيراني لمصر

استمرارا للتلميحات الإيرانية التي تعكس رغبة النظام الإيراني في إعادة العلاقات مع القاهرة، أعرب عبد اللهيان عن أمله أن تشهد العلاقات الإيرانية المصرية تطورا وانفتاحا جدّيا ومتبادلا، لافتا إلى أن مكتب رعاية مصالح البلدين ينشط في طهران والقاهرة، وأن هناك قناة رسمية للاتصال المباشر بين البلدين، حيث أن هناك دولا تبذل جهودا وتشجع القاهرة وطهران على ارتقاء مستوى العلاقات بينهما، مؤكدا ترحيب بلاده دوما بتطوير العلاقات مع القاهرة.

أثناء ذلك، أعلن عضو “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية” في “مجلس الشورى الإسلامي الإيراني”، فدا حسين مالكي، أنه ستتم إعادة فتح سفارتي إيران ومصر قريبا، قائلا إن المفاوضات بين إيران ومصر جارية في العراق وستستأنف العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب، وفقا لوسائل إعلام إيرانية.

الحديث عن عودة العلاقات المصرية الإيرانية، ليس وليد اللحظة، بل يمكن القول أن الاتفاق السعودي الإيراني قد دفعه بوتيرة أسرع مما سبق، ففي شهر حزيران/ يونيو المنصرم، تحدث الإعلام الرسمي العراقي، عن وساطة عراقية من أجل إعادة العلاقات بين مصر وإيران؛ لأن 4 عقود من القطيعة طويلة جدا، ولا يجب استمرارها على هذا النحو.

هذا وكان البلدان قد قُطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1980، أي بعد عام واحد من نهاية حكم شاه إيران، محمد رضا بهلوي، ووصول آية الله خميني بحكم جمهوري ديني لطهران خلفا للمَلكية، عقب “الثورة الإسلامية” التي اندلعت عام 1979.

بيد أن طهران هي من بدأت بقطع العلاقة مع القاهرة، من خلال المرشد الأعلى للثورة آنذاك، أية الله الخميني، بسبب توقيع مصر معاهدة “كامب ديفيد” للسلام مع إسرائيل أولا، وبسبب استقبالها للشاه بعد نهاية حكمه، ثم دفنه في القاهرة بعد وفاته.

بالتالي، ونظرا إلى تلك الحيثيات، يقول الخبير في الشأن الإيراني حسن النافعي، يمكن تقيم أن الحديث عن إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، يأتي من نافذة التفاؤل بالتقارب السعودي الإيراني، بيد أن الأمر مختلف لأن مصر جغرافيا بعيدة عن إيران ولا تعاني من مسألة التهديد الإيراني، خلافا للحالة السعودية والتي تحاول أن تنأى بنفسها عن أي تأثيرات إيرانية، لذلك حاولت أن تبرم هذه الصفقة.

النافعي أضاف في حديثه لموقع “الحل نت”، أنه نتيجة لذلك توصّلت الرياض لقناعة بأنه لا يوجد ما يحميها من المخاطر سوى العمل الدبلوماسي، فضلا عن الجهود الصينية التي حاولت بكين من خلالها أن تُشعر الجميع بضرورة تكوين تحالف اقتصادي في المنطقة لخدمة الجميع، وهكذا انبثقت اتفاقية الصلح بين طهران والرياض.

صمت مصري

فيما أشار إلى أنه، على الرغم من كل المغازلات الإيرانية، إلا أنه حتى الآن لم يتبلور أي موقف مصري واضح، وبالتالي يمكننا أن ننتظر القادم من الأيام حتى نرى موقفا مصريا واضحا من هذه التفاهمات الي تتحدث عنها طهران، وذلك باستثناء إذا ما كانت هناك ضغوط إقليمية على القاهرة تدفع باتجاه ضرورة إحياء العلاقات مع طهران.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان/ إنترنت + وكالات

إن مصر بحاجة إلى أموال طائلة، وهي تمر بأزمة اقتصادية خانقة، و”صندوق النقد” الدولي يلزمها بتخفيضات قاسية وشروط ثقيلة، وذلك في الوقت الذي أكد الخليج في أكثر من مرة بأنهم ليس لديهم استعداد لدفع أي هبات مالية من دون مقابل، وهو ما قد يؤشر على أن مصر ليس لديها موقفا من إمكانية إحياء العلاقات مع إيران، بقدر ما تكون تلبية لرغبة إقليمية أو دولية، كما يرى المختص بالشأن الإيراني.

النافعي أشار إلى أنه، لا توجد مصلحة في استمرار قطع العلاقات بين مصر وإيران، بل على العكس هناك مصالح استراتيجية للقاهرة من وراء إعادة هذه العلاقات، ستصب في صالح البلدين، خصوصا الجانب المصري، مشيرا إلى أن تلك المنافع التي يمكن أن تجنيها مصر من وراء استئناف هذه العلاقات، هي تأمين المجرى المائي لـ “قناة السويس”، وضمان مرور آمن للسفن من مضيق “باب المندب” الذي يخضع لسيطرة جماعة “الحوثي”، فضلا عن أن انفتاح مصر على إيران سيسهم في حدوث طفرة سياحية، وهذا له مكاسب للجانبين.

التركيز الذي تلقاه عملية إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، جاء في سياق إعلان وزير الخارجية الإيراني، عن أن وزارته تعمل على تجهيز السفارة والقنصلية الإيرانيتين في السعودية بهدف إعادة فتحها، موضحا أن هذه الإجراءات ستنتهي خلال الأيام المقبلة، وأن الخارجية السعودية عينت سفيرها في طهران، فيما ستعين الخارجية الإيرانية سفيرها خلال وقت قصير.

في العاشر من مارس/آذار الماضي، صدر بيان مشترك بين إيران والسعودية والصين أعلنت فيه طهران والرياض الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، بعد أيام من الاتفاق، أوضح وزير الخارجية السعودي أن الاتفاق مع إيران قائم على أساس احترام سيادة الدول وحسن الجوار.

منذ عودة العلاقات بين الرياض وطهران، يدور حديث حول خطوة مماثلة مع القاهرة التي تخلصت من أحد المعوقات أو الكوابح المعنوية عندما أعادت السعودية علاقاتها مع إيران، وذلك في الوقت الذي ظلت مصر فيه حريصة على عدم تفسير أي تقدم منها نحو إيران على أنه موجه ضد حلفائها في الخليج.

قبل ذلك، وفي الوقت الذي كانت السعودية وإيران سعيدتان بالتوصل إلى اتفاق إعادة علاقتهما الدبلوماسية، كشفت تقارير إعلامية عن قيام مصر وإيران بإجراء محادثات في بغداد أيضا، خلال شهري أذار/مارس، ونيسان/أبريل الماضيين، ناقشت قضية الحد من التوتر في كل من اليمن ولبنان وسوريا، وهي الدول التي تتمتع فيها طهران بنفوذ كبير.

محادثات مستمرة

المحادثات بين القاهرة وطهران في بغداد، هدفت إلى تكرار الوساطة العراقية بين السعودية وإيران، فقد استضافت العاصمة بغداد ست جولات من الحوار التمهيدي بينهما، قبل إعلان نجاح الوساطة الصينية في آذار/مارس الماضي.

وزير الخارجية المصري سامح شكري/ إنترنت + وكالات

المباحثات التي جرى الحديث عنها، جاءت بعد أن أُعلن في حزيران/يونيو من العام الماضي، في فترة حكومة رئيس الحكومة العراقية السابقة مصطفى الكاظمي، عن تنظيم لقاءات منفصلة بين مسؤولين من إيران وآخرين من مصر والأردن في بغداد.

لكن مقابل ذلك، لم تعلّق القاهرة على التفاؤل الإيراني أو تحدد المستوى الذي أجريت فيه محادثات بغداد، غير أن برلمانيا إيرانيا قال في تصريحات إعلامية، بأنها كانت على المستوى البرلماني، لكن الجهاز الدبلوماسي الإيراني كان له الحضور الأقوى.

في حين رجّح مراقبون أن يكون الوفد المصري الذي شارك في المحادثات ذا طبيعة أمنية، حيث درجت القاهرة على التعامل مع هذا النوع من الملفات برؤية أمنية قبل انتقالها إلى مستوى سياسي، وهو ما حدث بشأن الحوار بين مصر وتركيا حتى جرى عقد ثلاثة لقاءات معلنة بين وزيري خارجية البلدين، أحدها في القاهرة، واثنان في أنقرة.

ذلك يأتي وسط إصرار إيراني على ضرورة إعادة العلاقات مع القاهرة، خاصة أن سياسة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هي التقارب وتوطيد العلاقات مع دول الجوار، الأمر الذي تجلى في زيارته إلى عدد من دول الجوار لإبرام الاتفاقيات معها، في حين جاءت بعض الدول لإبرام الاتفاقيات مع إيران.

لكن اللافت في ضوء كل ذلك، أن الحكومة المصرية منحت مؤخرا تسهيلات جديدة للحصول على تأشيرة سياحية لجنسيات مختلفة، من بينها الجنسية الإيرانية، بهدف تشجيع الحركة السياحية الوافدة إلى مصر، كأول رسالة عملية أوحت بأن القاهرة مستعدة لتطبيع العلاقات مع طهران.

إذ لم يكن اختيار هذا الجانب صدفة؛ حيث شاع أن مصر لديها مخاوف من تدفق السياحة الإيرانية التي تصطحب معها شعاراتها الدينية الطائفية، والسماح بدخولها، ولو من بوابة مدينة شرم الشيخ على البحر الأحمر فقط في هذه المرحلة، في علامة إيجابية على أن المياه الراكدة قد تتحرك سياسيا واقتصاديا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة