بعيدا عن الفوضى الاقتصادية والمعيشية التي عصفت بسوريا، يكمن خطر صامت مختبئا على مرأى من الجميع، مغطى بجمال الطبيعة الرقيق. ففي الأيام الأخيرة، أصدرت العديد من الصفحات الطبية السورية على وسائل التواصل الاجتماعي تحذيرات خطيرة، مما دق ناقوس الخطر بشأن نبات يخال للعامة أنه غير ضار يزين المنازل وشوارع البلاد.

كالنار في الهشيم، انتشرت مؤخرا في عدة مناطق سورية عدة أشجار تكاد غير معروفة لدى معظم السكان، إلا أنه وبسبب الجهل بخطورتها، لم تكن هناك أي مكافحة لها، بل تُركت لتستعمر الأماكن وبحرّية تامة بالرغم من خطورتها التي تصل إلى حد القتل.

نبات سام في الشوارع

خلف واجهتها النضرة تكمن حقيقة تقشعر لها الأبدان، فبحضوره البريء على ما يبدو، فإن “نبتة الدفلة” تخفي سمّا قاتلا في كل ألياف كيانها، وفق ما أكدته الدكتورة الصيدلانية صبا القاضي، خلال حديثها لموقع “أثر برس” المحلي، أمس الثلاثاء، مبيّنة أنه نبات سام يمتد سميته إلى كل جزء، وخطر صامت مموه وسط الهواء الذي يتنفسه السوريون.

انتشار نبات "الدفلة" في الشوارع السورية - إنترنت
انتشار نبات “الدفلة” في الشوارع السورية – إنترنت

طبقا لحديث القاضي، فإن نبات “الدفلة” تُعرف بأنها شجيرة دائمة الخضرة، سريعة النمو، تزهر في أواخر الصيف وذات أزهار بألوان مختلفة بين الأحمر، والزهري، والأبيض، والأصفر، وتتم زراعتها بكثرة في شوارع وحدائق المدن السورية، لأن لها دور كبير في تنقية الهواء من الملوثات.

كما أنها من النباتات شديدة التحمل لدرجات الحرارة العالية والجفاف والصقيع والرياح، فهي تُعدّ خيارا مثاليا نظرا لشدة تحمّلها، إلا أنها تتصف بالنبتة شديدة السمية بكافة أجزائها من الجذور، للبذور، والساق، فالأوراق، إلى الأزهار.

سمية النبتة تختلف باختلاف جزء النبتة؛ فالجذور والبذور أشد سمية من باقي الأجزاء، وباختلاف لون أزهار النبتة؛ فذات اللون الأحمر أشد سمية من ذات اللون الزهري، وأشد سمية من ذات اللون الأبيض.

أما عن المركبات السّمية التي تحتويها، فأشارت القاضي إلى أنها تحتوي على “الغليكوزيدات القلبية” وأشهر مركّبين تحتويهما هذه النبتة هما “أولياندرين” و”نيرجين”، والتي تقوي انقباض العضلة القلبية وتستخدم لعلاج العديد من الأمراض القلبية، مثل الفشل القلبي واللانظميات القلبية وبجرعات قليلة ومدروسة.

الإطار التنظيمي للزراعة في سوريا

حول سبب السّمية لنبتة “الدفلة”، هو لاحتوائها على جرعات كبيرة من الغليكوزيدات القلبية التي تسبب عند تناولها سمية قلبية قد تصل إلى توقف عضلة القلب والوفاة.

انتشار نبات "الدفلة" في الشوارع السورية - إنترنت
انتشار نبات “الدفلة” في الشوارع السورية – إنترنت

المصادر العلمية تشير إلى أن وسطي الكمية القاتلة من هذه النبتة هو 5-15غ من الأوراق للبالغين، وللأطفال حفنة من الأزهار قد تكون قاتلة، مشددة على ضرورة أن توعية الأطفال حول مخاطر هذه النبتة وضرورة الابتعاد عنها حفاظا على سلامتهم.

في سوريا نبات “الدفلة” ينتشر في معظم الحدائق والشوارع والمنصفات في دمشق والمحافظات الأخرى، وذلك لدورها بتنقية الهواء من التلوث لأن كل ما هو سام يعلق على ورقة الشجيرة وهي شديدة التحمل للظروف الجوية بمختلف الفصول ورغم وجود نباتات من نفس الفصيلة إلا أنها أكثر انتشارا  حتى على مستوى العالم.

القاضي عللت سبب انتشار النبتة في الشوارع السورية بكثرة، لدورها الطبي الذي ساهم بانتشار زراعتها، فالمادة السامة “الأوندرالين” التي تسبب الوفاة في حال تناولها لدورها في انقباض عضلة القلب، هي نفس المادة التي تؤخذ طبيا وبكميات مدروسة لعلاج فشل عضلة القلب لكن بشكل علمي وطبي.

بحسب حديث الخبير الزراعي، عبد المولى أبازيد، لـ”الحل نت”، فإن الانتشار غير المحدود للنباتات الضارة والسامة أصبح قضية تنذر بالخطر، مما يبرز فشل الأطر التنظيمية والإنفاذ والقوانين التي تحكم الزراعة ووجودها في الأماكن العامة داخل البلاد. 

طبقا لأبازيد، فإنه ليس من المستغرب أن يتم إهمال الأطر التنظيمية المتعلقة بزراعة النباتات، خصوصا مع فقدان البلاد أهم محاصيلها الاستراتيجية مثل القطن والقمح والشوندر السكري. وأدى عدم وجود إرشادات وتشريعات شاملة تحيط بإدخال وصيانة المساحات الخضراء إلى النمو العشوائي للنباتات التي يحتمل أن تكون خطرة. 

حتى في حالة وجود اللوائح، فإن الافتقار إلى التنفيذ الفعال أدى إلى تفاقم المشكلة، وفقا ما أفاد به الخبير الزراعي. حيث تجد الهيئات التنظيمية ووكالات إنفاذ القانون نفسها، التي طغت عليها أولويات ملحّة ما بعد الصراع، غير مجهزة للتعامل مع قضية النباتات السامة. أيضا الموارد المحدودة والفساد والبيروقراطية تعيق قدرتها على مراقبة وفرض الامتثال للوائح القائمة، مما يديم وجود النباتات الضارة في الأماكن العامة.

ظهور نباتات سامة في سوريا

“الدفلة” ليست النبتة السامة الأولى التي تظهر وتنتشر في سوريا، ففي آب/أغسطس الفائت، سلّط بسام الحشيش، مدير الزراعة والإصلاح الزراعي في محافظة درعا، الضوء على التهديد الخطير الذي يمكن أن تشكله شجرة “الموت” أو المعروفة علميا باسم “التبغ الكاذب”، التي تم العثور عليها في أراضي المحافظة.

انتشار نبات "الدفلة" في الشوارع السورية - إنترنت
انتشار نبات “الدفلة” في الشوارع السورية – إنترنت

الحشيش حينها أوضح لصحيفة “الوطن” المحلية، أن التهديد يأتي من التوسع السريع للشجرة، والقلق من استعمارها في المناطق الزراعية، إضافة إلى صعوبة التخلص منها.

بحسب مدير الزراعة في درعا، قد تنتج نبتة واحدة ما بين 10 آلاف ومليون بذرة، ولأن البذور تنبت بنسبة 100 بالمئة، فإنه بإمكان نبتة واحدة إنتاج مليون نبتة خلال موسم واحد، ما يهدد الاستثمار في المناطق الزراعية.

نبات “التبغ الكاذب” هو نوع من الشجيرات التي قد يصل طولها إلى 6 أمتار، ويحتوي على عدد من العنقود الصفراء المحشوة بعدد كبير من البذور. والتخلص منها صعب، لأن التعامل معها يتضمن تقنية خاصة عبر رش وحرق مجموعات البذور لمنع نضجها وانتشارها، بالإضافة لتقطيع الشجرة وحرقها بالكامل والتعامل مع الجذور بمبيدات حشرية متخصصة تقضي عليها تماما.

انتشار هذه النباتات قابله أزمة زراعة مزمنة منذ عام 2011، حيث تراجع محصول القمح من 3 ملايين طن إلى مليون ونصف المليون طن العام الماضي. وخلال الأسبوع الأخير، تجددت أزمة القمح اللازم لتصنيع الخبز، واضطرت الحكومة إلى رفع السعر التأشير للخبز والمعجنات التي تنتجها الأفران الخاصة.

غالبا ما تكون الاستراتيجيات المستخدمة من قبل المؤسسات المسؤولة عن معالجة هذه المشكلة قاصرة، لأنها تعطي الأولوية للجماليات والتحسينات السطحية على رفاه السكان. تساهم المبادرات التي تركز على التجميل أو الزينة دون النظر في الأخطار المحتملة التي تشكلها بعض الأنواع النباتية في انتشار النباتات الضارة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات