بعد مقتل أبرز تاجر مخدرات في الجنوب السوري مطلع أيار/مايو الجاري، لا يبدو أن الحرب على المخدرات ستتوقف من دون إنهاء هذا الملف الشائك الذي تسعى الأردن ودول الخليج العربي إلى وضع حد لهذه التجارة التي تنامت في الخمس سنوات الأخيرة، خاصة بعد التقارب العربي مع سوريا وعودتها إلى مقعدها في الجامعة العربية وحضور الرئيس الأسد للقمة الثانية والثلاثين في جدة. 

من الواضح أن الأردن تسعى إلى إنهاء ملف تهريب المخدرات دبلوماسيا وعسكريا، إذ أن الأراضي الأردنية أصبحت ممرا للمهربين إلى دول الخليج العربي، إضافة إلى أن ذلك يهدد أمنها ومواطنيها، لكنه لن يكون سهلا عليها بعد أن تنامت وتشابكت الأطراف، حيث أكد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني خلال زيارته إلى إدارة مكافحة المخدرات في الـ22 من أيار/مايو، تقديم الدعم الكامل للجيش وإدارة مكافحة المخدرات، “بما يمكنهما من التصدي لعصابات المخدرات المحلية والإقليمية، والضرب بيد من حديد لكل من يهدد أمننا الوطني والإقليمي.”

نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، كان قد لوح بشكل صريح في مقابلة مع “CNN” الأميركية، بأن الأردن إذا لم يشهد إجراءات فعالة للحد من هذا التهديد، فسيقوم “بما يلزم لمواجهة هذا التهديد، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا؛ للقضاء على هذا التهديد الخطير للغاية، ليس فقط في الأردن، ولكن عبر الأردن إلى دول الخليج العربية الأخرى، والعالم”.

دبلوماسية مدعومة بالقوة

بعد استهداف مرعي الرمثان بغارة جوية ومقتله في قرية الشعاب جنوبي السويداء بطائرات -يُعتقد أنها أردنية- وصلت رسائل نصية إلى هواتف متهمين بتهريب المخدرات في السويداء ودرعا، تدعوهم إلى تسليم أنفسهم لحرس الحدود الأردني وتحذرهم من مصير مشابه للرمثان، بحسب ما قالت شبكة “السويداء 24”. 

الرسائل التي وصلت من أرقام أردنية تدعو المتهمين بالتهريب إلى تسليم أنفسهم لحرس الحدود الأردني قبل أن تنقضي المهلة والبدء بمحاسبتهم ويكون مصيرهم كمصير الرمثان وتضيف “نعلم من أنتم، تحركاتكم مرصودة، اجتماعاتكم مخترقة. تساهمون في تخريب عقول أبناء شعبنا ولأجلهم لن نرحم أي شخص منكم، نشامى الأردن ستحلق كالنسور ليتم اصطيادكم مجرم تلو الآخر مرعي الرمثان كان الأول وليس الأخير”.

وصول هذه الرسائل -بعد الاستهداف الدقيق للرمثان بريف السويداء ومعمل للكبتاغون في درعا- يدل على أن عمّان تتابع عمليات التهريب وتحركات المهربين في الداخل السوري، وبأنها قادرة بالفعل على التوسع في عملياتها العسكرية إذا أرادت ذلك. 

الخبير العسكري والاستراتيجي مأمون أبو نوار، يرى في حديث خاص لـ “الحل نت” أن الأردن مؤخرا أصبح يستخدم الدبلوماسية الوقائية، وبعض الأحيان يستخدم القوة لتحقيق أهداف هذه الدبلوماسية ومنها كانت الضربات داخل سوريا، لكن الأردن سياسته الخارجية متوازنة مع جميع الدول في المنطقة ويستخدم الديبلوماسية الوقائية المدعومة بالقوة.

“لابد من وجود عملية تنسيق قبل الضربة من خلال الاجتماع الخماسي في عمان، وأيضا عند تنفيذ هذه العمليات فلا بد أنه كان هناك موافقة وتنسيق مع الروس والأمريكان، كون روسيا وأمريكا يسيطرون على هذا الأجواء”، يضيف أبو نوار وهو لواء طيار متقاعد.

سوريا على الصعيد الرسمي التزمت الصمت ولم يصدر أي تعليق من حكومة دمشق بعد استهداف الرمثان، الأمر الذي يدل على علمها مسبقا بالضربة الجوية وبأنها سمحت للطيران بدخول الأجواء أيضا؛ وهذا جاء بعد اجتماع عمان الخماسي الذي ركز على ملف المخدرات حيث جرى الاتفاق على أن تتعاون سوريا مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل سياسيين/أمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق.

المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات، يرى أن دمشق لم تتنازل لعمان عن مهمة إنهاء تجارة المخدرات ولكن هي خطوة تكتيكية فقط؛ و”بالتالي تعطي الأردن الآن صلاحية أو القدرة على ضرب بعض الأهداف، لكن في النهاية هي تدرك أن هذه خطوة محدودة ولا يجب أن تتوسع أكثر من ذلك، وهي تعلم أن هناك قانون الكبتاغون في الكونغرس الأميركي وهو يصنف المخدرات كما الإرهاب، بالتالي سوف تكون هناك إرادة أمريكية مشتركة لمحاربة هذا الموضوع”.

“أعتقد أن تعاون دمشق مرهون بما سوف تحصل عليه بمقابل ذلك، هذه التجارة تأتي بمليارات الدولارات وهي تجارة بديلة غير مراقبة وغير متابعة من أي جهاز، وهي ورقة سياسية كانت وأمنية أيضا استخدمتها دمشق للتأثير على الأطراف العربية المختلفة والعودة من خلالها أو بواسطة استخدامها او المساومة عليها إلى جامعة الدول العربية”، يضيف الحوارات في حديث خاص لـ “الحل نت”.

المخدرات أولوية أردنية 

عمّان لن تتخلى عن هدفها في إنهاء تهريب المخدرات عبر حدودها الشمالية، إذ أن ملف المخدرات يشكل أولوية بالنسبة للأردن، بحسب ما قال وزير الخارجية أيمن الصفدي على هامش الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية التي عُقدت في جدة؛ حيث أكد الوزير مجددا أن “تهديد المخدرات خطر حقيقي نتعامل معه بكل جدية وبما يفضي إلى إنهائه بالكامل.”

في هذا الصدد يقول أبو نوار، إن على الأردن ضبط تهريب المخدرات والأسلحة وهذا لن ينفع إلا بتعاون دول الإقليم والعالم، حيث لا بد من جهد ودعم دولي عسكري ومادي لمنع هذه العمليات بشكل كامل لأنها مكلفة، والواقع الجغرافي الأردني مع سوريا وموقعه في الشرق الأوسط يفرض عليه تحديا كبيرا وتهديدا للأمن الأردني. 

“لا يوجد أمن مطلق على حدود أي دولة، والأردن ليس باستثناء، لكن الأردن قادر على ضبط حدوده وحراستها كاملة”، بحسب أبو نوار. 

منذ بداية 2023 أحبطت الأردن العديد من عمليات التسلل والتهريب القادمة من الجانب السوري، أسفر عنها مقتل مهرب والقبض على آخرين، كما ضبطت قوات حرس الحدود خلال العام الحالي نحو 2.939 مليون حبة كبتاغون و4856 كف حشيش ومادة الكريستال والجاليكا وأسلحة وقنابل يدوية، بحسب قناة “المملكة” الأردنية. 

بعد مقتل الرمثان بأيام، لجأ متهمون بتجارة المخدرات في السويداء إلى مغادرة مناطقهم، حيث توجهوا إلى البادية ومدينة السويداء، بينما اتجه آخرون من درعا إلى دمشق خوفا من استهدافهم، فيما غادر بعضهم سوريا إلى لبنان، بحسب ما تحدثت مصادر خاصة لموقع “الحل نت”. 

بالنسبة للمهربين، بحسب أبو نوار، الضربة الجوية كانت رادعة وبالعمق، لكن اعتقد مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يمكن أن يحسن الوضع، لكن هذا لن يمنع هذه العمليات من الاستمرار لأنها تدر عليهم مبالغ طائلة، وهؤلاء المهربون لهم امتدادات مع فصائل ودول في المنطقة، فلذلك سوف تستمر هذه العمليات نظرا للمردود وأصبحت كسلاح. 

حول تغيير طريق المخدرات، يرى أبو نوار أن هناك احتمال للاتجاه إلى العراق -حيث تمتلك حدودا طويلة مع السعودية- بشكل مؤقت، لكن سيعودون إلى الطريق عبر الأردن، مضيفا أن “إيران لن تترك المنطقة ولا حدود الأردن الشمالية ولا أحد يستطيع إخراجها من سوريا والعراق بسهولة إذ تعتبر طهران البلدين عمقا استراتيجيا لها.”

التعاون السوري؟

كبادرة حسن نية، نفذت جهات أمنية سورية مداهمات لمخازن مخدرات ومصانع بريف درعا، حيث اعتقلت عددا منهم، بينما عززت دمشق النقاط الحدودية مع الأردن بعناصر من الجيش بعد الضربة الجوية التي استهدفت الرمثان. 

في سياق ذلك، يرى الحوارات أن دمشق تتعاون بمدى محدود وشكلي ريثما يتم تعويضها عما ستفقده وهذا غير متاح في هذا الوقت بسبب القوانين التي تفرض على دمشق، منها قانون “قيصر” والذي سوف يمنع أي تبادل واضح ما بين الحكومات العربية ودمشق، وربما تربطه لاحقا بملف إعادة الإعمار. 

هذه التجارة تتداخل فيها أطراف عديدة في سوريا وجهات لها مصلحة في أن تستمر هذه التجارة، ولو أرادت دمشق إيقافها عليها أيضا أن ترضي الأطراف التي كانت منخرطة فيها، وفي هذه المرحلة لا توجد بدائل مالية على الأقل للقيام بهذا، لذلك ربما تقوم دمشق ببعض الخطوات لكسب ثقة الأردن ودول الخليج بشكل مؤقت، ولكن الأمر سوف يبقى على ما هو عليه، بحسب الحوارات. 

“حزب الله” اللبناني يُعتبر المصدر الرئيسي للمخدرات في المنطقة، وتؤثر هذه العمليات على خط تجارته لكن الحوارات لا يرى أن هناك خشية من الاصطدام مع “حزب الله”، لأن “هذا محور أعتقد أنه إذا ما سقط عضو سوف يسقط جميعه، بالتالي هناك تكاتف استراتيجي بين الأطراف هي تنسق مع بعضها البعض. إيران هي السيناريست الحقيقي هي من تقود اللعبة وهي من يتحكم في سلوك بقية الأفراد”.

ملف المخدرات وتهريبها من لبنان وسوريا إلى دول الخليج العربي والعالم يبقى شائكا إذا استمرت الحالة الاقتصادية والسياسية في سوريا على حالها من دون حلول واضحة وجذرية، إلى جانب تعاون إقليمي عربي، لكن الأمر يتوقف على وجود إرادة دولية لذلك بالتوازي مع كف يد إيران عن المنطقة بشكل قاطع. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة