115 حالة طلاق يوميا، لا شك أن هذه الأرقام المرتفعة تشكل صدمة للكثيرين، فهي تعكس واقعا مريرا يعيشه الكثيرون في سوريا. فمعدلات الطلاق المتزايدة تعني أن مؤسسة الزواج في سوريا تنهار بشكل تدريجي، وهذا يعني أن العديد من الأسر تتفكك وتتحطم، مما يؤثر على الأطفال والمجتمع بشكل عام.

معدلات الطلاق في سوريا ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ حتى باتت مقاربة لمعدلات الزواج، إذ كشفت آخر إحصائية رسمية بأن كل 29 ألف حالة زواج، يقابلها 11 ألف حالة طلاق.

إن الأسباب التي تؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق في سوريا متعددة ومتنوعة، فقد يكون السبب في بعض الأحيان هو الخلافات الزوجية وعدم التوافق بين الزوجين، وفي بعض الأحيان يكون السبب هو الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الكثيرون في سوريا. وعلاوة على ذلك، فإن الصعوبات التي يواجهها الزوجان في توفير المال والعيش بكرامة تزيد من حدة الخلافات بينهما وتؤدي إلى انهيار العلاقة الزوجية.

إحصائية غريبة

بيانات المجموعة الإحصائية لعام 2022 والصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، كشفت عن عدد عقود الزواج التي تم تسجيلها في سوريا خلال عام 2021، والبالغة 237944 عقد، فيما بلغ عدد شهادات الطلاق خلال العام نفسه 41957 شهادة، وذلك بنسبة 17.6 بالمئة من إجمالي واقعات عقود الزواج المسجلة.

لا شك أن هذه الأرقام المرتفعة تشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع السوري، فطبقا للمعلومات التي نقلها موقع “أثر برس” المحلي، أمس الاثنين، فإن محافظة حلب بقيت متصدرة المشهد حيث بلغ عدد شهادات الطلاق التي سُجلت فيها 8568 شهادة، وذلك بنسبة 20 بالمئة من إجمالي شهادات الطلاقة التي سجلت في البلاد.

ثم جاءت محافظة دمشق بالمرتبة الثانية ليبلغ عدد شهادات الطلاق فيها 5172 شهادة وبنسبة 12 بالمئة من إجمالي الشهادات. وتلتها محافظة ريف دمشق بالمرتبة الثالثة بنحو 4925 شهادة وذلك بنسبة 12 بالمئة، حيث يلاحظ أنّ 24 بالمئة من إجمالي شهادات الطلاق قد سجلت في محافظتي دمشق وريفها.

محافظة حمص كانت في المرتبة الرابعة لتسجل 4001 شهادة طلاق، وذلك بنسبة 10 بالمئة، وثم حماة بالمرتبة الخامسة بنحو 3911 شهادة طلاق وذلك بنسبة 9 بالمئة، أمّا بالنسبة لبقية المحافظات بالترتيب، درعا 2714 شهادة طلاق، واللاذقية 2408 شهادة، ودير الزور 2119 شهادة، وإدلب 2061 شهادة، وطرطوس 1477 شهادة، والقنيطرة 1393 شهادة، والحسكة 1217 شهادة، والسويداء 1109 شهادة، وأخيرا الرقة 882 شهادة طلاق.

المسألة تتعلق بطبيعة نظرة المجتمع إلى المرأة

معدلات الطلاق المتزايدة في سوريا، والتي تصل إلى 115 حالة يوميا، تشكل أمرا مقلقا للغاية، وتتطلب دراسة وتحليل دقيق للأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة الخطيرة. لكن المثير للاهتمام أن من بين العوامل التي أدت إلى زيادة معدلات الطلاق في البلاد، هي نظرة المجتمع إلى المرأة، والتي تعتبر مشكلة جوهرية تؤثر على العلاقات الزوجية والأسرية بشكل كبير.

المحامي رامي جلبوط، ذكر للموقع المحلي أن نسبة تعامل المجتمع مع المرأة تختلف من دمشق إلى غيرها من المحافظات، حيث يفرض المجتمع قيود على المرأة في بعض المحافظات أكثر من دمشق. 

على سبيل المثال، صورة المرأة المطلقة مرفوضة لدى بعض المجتمعات التي لا ترحم صورة المرأة المطلقة، أما في دمشق فهو أمر مختلف تماما، فيمكن أن تتزوج المرأة المطلقة لمرتين أو ثلاث.

هناك مجتمعات سورية محلية، لا يزال الرجال فيها يمارسون حالات من التسلط على المرأة، وبالتالي رفض النساء المتزوجات لمثل هذه الضغوطات سينتهي بالمطاف إلى الطلاق.

في المجتمع السوري، تعتبر المرأة في بعض الأحيان كائنا ضعيفا ومستضعفا، وتتعرض للتمييز والاستغلال في بعض الأحيان، وهذا يؤثر بشكل كبير على العلاقات الزوجية ويزيد من احتمالية حدوث الطلاق. فالزوجات يتعرضنّ للضغوط والتهديدات من أزواجهن، ويتم تجاهل حقوقهنّ ومطالبهنّ، مما يؤدي إلى تدهور العلاقة الزوجية وحدوث الطلاق.

زواج البنات لأشخاص غير متعلمين

النظرة السائدة داخل بعض المجتمعات السورية، تعتبر المرأة مجرد أداة لإرضاء الرجل وتلبية احتياجاته، وهذا يؤدي إلى تقليل الاحترام والتقدير لحقوق المرأة ومطالبها. وهذا النوع من النظرة يؤدي إلى تفاقم المشاكل الزوجية وزيادة معدلات الطلاق.

خلال السنوات الماضية، بحسب جلبوط اتجهت العديد من الأُسر إلى زواج بناتهن لأشخاص غير متعلمين، وإن كانوا متعلمين وربما يكون أحيانا المستوى الثقافي والتعليمي للزوجة أعلى من الرجل، ما يمكن أن يتسبب في خلافات زوجية تؤدي نتيجتها إلى الانفصال بين الزوجين.

طبيعة نظرة المجتمع في بعض المحافظات السورية الشرقية تتباين تجاه المرأة المطلقة، حيث تؤكد التقارير الصحفية أن محافظات مثل دير الزور والرقة والحسكة، حالات الطلاق تكون مرفوضة اجتماعيا، مما يجعل المرأة تتحمل الكثير من الأعباء الأسرية والخلافات مقابل بقائها في بيت زوجها وأسرتها.

حالات غريبة للطلاق في سوريا

زيادة حالات الطلاق في البلاد عموما ترتبط بثلاثة عوامل أساسية وهي اقتصادية واجتماعية وثقافية، ومما لا شك فيه أن سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السوريون من الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الطلاق، وهذه حالة طبيعية أفرزتها الحرب التي امتدت لأكثر من 13 عام.

إلا أن الخيانة الزوجية وتحديدا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كانت لها النصيب الأكبر في حالات الطلاق تلك، وخاصة مع غياب أحد الطرفين لساعات طويلة في العمل خارج المنزل.

القاضي المستشار وليد كلسلي، صرح في منتصف عام 2022، أنه “بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها، ولدى مقارنة حالات الطلاق قبل ظهورها وبعد ظهورها تبين أن هناك حالات طلاق جديدة غير المعتادة لدى كافة المجتمعات الإنسانية ومنها الخيانة الزوجية”.

بحسب القاضي الشرعي، فقد تطورت الخيانة عبر المراسلات والدردشة وإرسال مقاطع فيديو لا أخلاقية، واكتشاف أحد الزوجين لمثل هذه الخيانة تؤدي بنهايتها إلى المحاكم الشرعية وصولا إلى الطلاق وانهيار الأسر وضياع الأولاد.

ليس فقط الخيانة الزوجية كانت من أغرب حالات الطلاق التي سجلت في سوريا مؤخرا، ففي العام الماضي أقدمت زوجة على تطليق نفسها بعد 125 يوم من تسجيل عقد الزواج.

القاضي الشرعي الأول في اللاذقية، أحمد قيراطة، كشف حينها عن تسجيل حالة طلاق خارجة عن المألوف في المحافظة، وذلك بعد تسجيل الزوجة شرط أحقيتها في تطليق نفسها ضمن أحد صكوك الزواج المسجلة لدى المحكمة.

يبدو أن مؤسسة الزواج في سوريا تواجه تحديات كبيرة في ظل الزيادة الكبيرة في حالات الطلاق، حيث يتم تسجيل 115 حالة طلاق يوميا. هذه المشكلة تحتاج إلى حلول شاملة ومتعددة الأبعاد، بما في ذلك تعزيز الوعي بأهمية الزواج وتعزيز الحوار بين أرباب الأسر، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي.

•  بعد 3 أيام من الإبحار.. قبرص تعيد مهاجرين وصلوا إليها إلى لبنان
• تعليق التجارة النفطية بين الصين وإيران.. مآلات وتداعيات الحرب في غزة 
• تجولات الأسد و”زوجة رجل مهم”.. خراب المدينة وأسئلة العنف ومصير القاتل
• الرّد الذي تحول إلى مكاسب: كيف استفادت إسرائيل من الهجوم الإيراني؟
• لماذا توجّه أصابع الاتهام إلى “حزب الله” بعد كل جريمة سياسية؟