ارتفاع سعر الذهب وكل شيء تقريبا في سوريا، هو بمثابة ضربة ساحقة لآمال وأحلام الشباب في الزواج والاستقرار بعد أن بلغ سعر الجرام قرابة نصف مليون ليرة سورية ، فيما بلغ الدولار الواحد نحو 9125 ليرة سورية، بينما يتراوح مستوى الرواتب والأجور بين 160 و 250 ألف ليرة.

نتيجة لذلك، يضطر عدد من الشباب السوري الذين هم في سنّ الزواج بسوريا الآن إلى الاستدانة لشراء “محبس” الزواج، والذي وصل أقل سعر له لـ 3 ملايين ليرة سورية، في ظل التضخم والارتفاع المهول. وفي الآونة الأخيرة، وبسبب ارتفاع سعر الذهب إلى مستويات قياسية، قامت بعض السيدات المتزوجات نتيجة لارتفاع أسعار الذهب وانخفاض قيمة الليرة بطلب تعديل مهورهنّ من أزواجهن في المحاكم الشرعية لضمان مستقبلهنّ.

الذهب يضع أوزاره على الزواج

ارتفاع سعر الذهب خلال الفترة الماضية بات من أبرز العوائق أمام الزواج لنسبة كبيرة من السكان بسوريا، لدرجة أن الناس صاروا يستأجرون الذهب لإحياء حفل الزواج به ومن ثم استرجاعه للصائغ، وذلك للحفاظ على العادات والتقاليد المجتمعية السائدة.

ارتفاع أسعار الذهب في سوريا- “إنترنت”

عدد من الشبان أوضحوا لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الإثنين، أنهم باتوا مضطرين للاستدانة لشراء المحبس، حيث يصل سعر أصغر خاتم يزن 3 غرامات إلى قرابة مليوني ليرة مع أجرة صياغته. كما واشتكى بعض الشبان من تزايد الضغوط عليهم، من جراء تحوّل مهور الزواج “بين ليلة وضحاها” من الليرة السورية إلى الليرة الذهبية، ما يدفع ببعضهم إلى سحب قرض لإكمال مراسم الزواج.

موظف حكومي، يقول في هذا الصدد، إنه “من يخاطر اليوم ويتقدم لطلب يد أي فتاة فهو غير قادر على شراء سوى محبس فقط وأصغر محبس يزن 3 غرامات سعره يقارب مليوني ليرة مع أجرة صياغته؛ هذا ولم نتحدث بعد عن مهور الزواج التي انقلبت بين ليلة وضحاها من ليرة سورية إلى ليرة ذهبية”.

من جانبها، تقول إحدى الفتيات إنها لا تريد من خطيبها سوى الود والمحبة؛ لكن والدها عكّر فرحتها لأنه طلب من الخاطب محبسا واسوارتين لضمان حياتها معه وطلب منه أن يسجل لها 5 ليرات ذهبية مقدما لها، وهذا جعل العريس يضطر لسحب قرض لتسيير أموره.

الذهب البرازيلي البديل الأفضل

في المقابل، نوّه أحد الشبان المقبلين على الزواج، وهم من عوائل متوسطة الحال، أنهم اضطروا إلى شراء الذهب البرازيلي لأن قدرتهم المادية لا تسمح لهن بشراء الذهب الأصلي، وبحسب قولهم، أنه ثمة تفاهم في هذا الشأن مع أهل الفتاة على هذه الأمور، مبيّنينَ أنهم سيسجّلون قرابة الـ 3 ليرات ذهبية مؤخرا لمهرهم.

على هامش ارتفاع أسعار الذهب، فقد طلبت بعض السيدات من أزواجهنّ تعديل مهورهنّ في المحكمة الشرعية؛ فمثلا وضحت إحداهنّ، أن مهرها كان منذ 30 عاما 50 ألف ليرة لذلك طلبت من زوجها تعديله ليسجل لها مؤخر 15 مليون ليرة من باب الاطمئنان على حياتها.

بينما تضطر بعض الفتيات إلى استعارة الذهب من أقربائهنّ لارتدائه خلال حفلة الزفاف، وأحيانا يكتفي العروسان بشراء المحابس فقط، لأن كلفة الذهب باتت خارج القدرة الشرائية للأهالي. وتقول فتاة للموقع المحلي إنها استعارت الذهب من أختها لترتديه مدة ساعات في حفل زفافها بسبب عدم قدرة زوجها على الشراء، مضيفة أن 60 بالمئة ممن يقبلون على الزواج والخطوبة إما يشترون المحابس فقط أو لا يشترون الذهب إطلاقا ويستبدلون المجوهرات التقليدية به، فسعر خاتم الزواج اليوم يتراوح ما بين 3-4 ملايين ليرة وهو ما لا يستطيع الشاب تأمينه في ظل هذه الظروف الصعبة.

هذا وكان سعر غرام الذهب قد سجل مستوى غير مسبوق لم يُسجل مسبقا في تاريخ سوريا، إذ وصل الغرام الواحد قبل أيام إلى نصف مليون ليرة سورية. وسجل سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا اليوم الثلاثاء، 500 ألف ليرة للمبيع، 499 ألف ليرة للشراء، على حين بلغ سعر الغرام عيار 18 قيراطا 428571 ليرة للمبيع، و 427571 للشراء.

شوارع العاصمة السورية، دمشق- “إنترنت”

رئيس “الجمعية الحرفية للصياغة وصنع المجوهرات” غسان جزماتي، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن سبب ارتفاع سعر الذهب محليا هو ارتفاع سعر الأونصة عالميا، ويجب على الجمعية تسعير الذهب كما في الدول المجاورة كي لا يتم تهريبه، إضافةً إلى زيادة الطلب على الذهب.

العزوف عن الزواج

في سياق متّصل، دفع الانهيار الاقتصادي، الذي كان أبرز أوجه الحرب السورية، نسبة كبيرة من الشباب إلى العزوف عن الزواج رغم حصولهم على شهادات جامعية، والتي من المفترض أن تمكّنهم من الحصول على فرص عمل لائقة وتزويدهم بدخل كافٍ للمعيشة، إلا أن التضخم المرتفع والارتفاع المستمر في الأسعار مقابل تآكل قيمة الرواتب والأجور أدى إلى حدوث فجوة كبيرة يصعب التغلب عليها.

بالتالي تراجعت نسبة الزواج نتيجة المهور والذهب الذي يفوق قدرة معظم الشباب بسوريا. كما كشف أستاذ كلية الآداب في قسم الاجتماع بجامعة “دمشق”، أحمد الأصفري، في وقت سابق أن نسبة الشباب العازفين عن الزواج في سوريا تصل إلى أكثر من 60 بالمئة بسبب المستقبل المجهول وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

بينما نقلت إذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في وقت سابق عن خبراء في علم الاجتماع، أن 60 بالمئة، من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني وارتفاع تكاليف الزواج لأرقام خيالية، فضلا عن عدم وضوح مستقبلهم، وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، ذات دخل مستقل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.

أما حول وضع سوق الذهب، أكد رئيس “جمعية الصاغة” في محافظة اللاذقية، مروان شريقي، أن الحركة غير مستقرة ولا أحد يعلم إلى أين تسير الأمور في سوق الذهب بشكل محدد، معتبرا أن معظم مَن يدخل السوق يكون بقصد الفرجة.

شريقي أردف لصحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا، أنه حتى العرسان معظمهم يضطر للاستدانة لشراء المحابس وسط هذا الغلاء، وأن هناك زبائن تنزل سوق الذهب للسؤال عن سعر المحابس وحينما يعرفون السعر يحسبون المدة التي ستمكّنهم من جمع المبلغ لإتمام فرحتهم، ما يتسبب لهم بالإحباط.

ازدياد نسبة العازبين/ات

إزاء الأوضاع المعيشة الخانقة في سوريا، وهجرة العديد من الشباب إلى خارج سوريا، الأمر الذي أثّر على حياة العديد من الفتيات اللواتي لم تُتاح لهن حرية اختيار شريك الحياة المناسب، فضلا عن العديد من الصعوبات التي طغت على المفاهيم المتعلقة بخصوصية الأفراد، ما جعلت بعض الناس يتمسكون بالعادات والتقاليد لاتخاذ القرارات.

على الرغم من أن العديد من العائلات زوجّت بناتها بتكلفة أقل نتيجة لظروف المعيشة السيئة، فقد أشارت إحصائية أخيرة لـ”وزارة الشؤون الاجتماعية السورية”، إلى أن هناك أكثر من 3 ملايين فتاة عازبة فوق سن الثلاثين.

النسبة المئوية للفتيات اللاتي بقين في منزل أهاليهم، ومتأخرات في الزواج بسوريا يشكل الـ 70 بالمئة، وفقا للمعايير الاجتماعية المحلية. وضمن هذا الإطار يقول بعض الباحثين الاجتماعيين إن ارتفاع نسبة الفتاة العازبات، فوق سن الـ 30 في سوريا تعود لعدة أسباب؛ أولها هو الخليط المجتمعي الكبير الذي سببته الحرب، والذي أدى إلى وجود فروق طبقية وثقافية عديدة، الأمر الذي صعَّب على الفتاة كيفية الاختيار، وفق وكالة “سبوتنيك” الروسية، مؤخرا.

التداعيات على المجتمع

مما لا شك أن تراجع نسبة الزواج وارتفاع معدل العازبين/ات له تداعيات سلبية، وفي هذا الإطار قال الدكتور هيثم عباسي، اختصاصي الجراحة النسائية في جامعة دمشق، في تصريحات صحفية سابقة، أن ثمة ارتفاعا في معدلات الحمل غير الشرعي، والعلاقات المحرمة خلال الفترة الأخيرة بسبب العزوف عن الزواج، فضلا عن الارتفاع الهائل بأعداد النساء مقارنة بعدد الرجال.

عباسي لفت إلى أن نسبة الإناث مقابل الذكور في سوريا أصبحت متفاوتة بشدة، وبات هناك 25 امرأة صالحة للزواج، مقابل كل رجل صالح للزواج، معتبرا أن هناك قلة بالذكور في كل العالم وليس فقط في سوريا، حيث إن عدد الصالحين للزواج منهم تقريبا 500 مليون من أصل 8 مليارات إنسان على الكوكب.

هذا ويحذر العديد من الباحثين الاجتماعيين من حدوث فجوة خطيرة بالهرم السكاني السوري، وعدم تجدد المواليد ليتحول بعدها المجتمع السوري إلى مجتمع كهل، نظرا لعدم الإقبال على الزواج وارتفاع حالات الطلاق والتفكك الأسري، وحوادث الموت والفقدان والهجرة.

بحسب الخبراء، فإن الزواج أصبح حلما نظرا لارتفاع التكاليف ما يؤدي إلى اتجاه الفرد لخيارات غير عقلانية. وعلى الرغم من أن ازدياد نسبة العازبين/ات من الحالات البديهية في أي مجتمع مرّ بظروف الحرب، إلا أن العامل الاقتصادي كان له الدور الرئيسي والأكبر في إثارة هذه المشكلات وتفاقمها، إضافة إلى الضغوط النفسية والاجتماعية، حيث ينتج عنها مواقف عدوانية، أو غير أخلاقية في السلوك الاجتماعي للفرد، وهي النتيجة المتوقعة التي تؤكد حجم الضغوط والأزمات التي يمرّ بها المجتمع السوري ككل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات