خلال الساعات الماضية، ساد تفاؤل واضح بفتح الملف المعيشي للمواطنين وكذلك الاطلاع على واقع الرواتب والأجور يوم أمس الأربعاء في جلسة “مجلس الوزراء” السوري الأسبوعية، إلا أن عضو لجنة الموازنة وقطع الحسابات في “مجلس الشعب” السوري زهير تيناوي، صرح لوسائل الإعلام المحلية أن زيادة الرواتب، تبدأ بدراسة صادرة عن “وزارة المالية”، وتُحال إلى “مجلس الوزراء” ومن ثم تُصدر بمرسوم رئاسي، مؤكدا أن الزيادة تحتاج إلى مصدر مالي، وهذا المصدر غير موجود حاليا.

كما أعرب عن تخوفه من أن يتم اللجوء إلى رفع أسعار حوامل الطاقة لتغذية الزيادة في رواتب وأجور العاملين في المؤسسات الحكومية، مشيرا إلى أن سعر البنزين “95 أوكتان” قد تم رفعه مؤخرا، ولم يتبقَ سوى مادة البنزين التي توزع بنظام “البطاقة الذكية”، وبالتالي إذا ما حدث بالفعل ما يقوله عضو “مجلس الشعب” فإن أي زيادة في الرواتب لن يكون له أي فائدة أو أثر إيجابي على الوضع المعيشي في البلاد، وكأن الحكومة ستقوم على مبدأ “زيد من جيب المواطن”.

سيناريوهات غامضة

نحو ذلك، ناقش “مجلس الوزراء” في جلسته المنعقدة يوم أمس الأربعاء برئاسة حسين عرنوس، ملف تحسين الوضع المعيشي وواقع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين، تكليف اللجنة الاقتصادية والوزارات المعنية بإعداد دراسة متكاملة لتحديد مسار التعامل مع ملف الدعم، وفق تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الأربعاء.

الأسواق السورية- “إنترنت”

على إثر ذلك كانت ثمة أحاديث متفائلة متداولة على بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي حول زيادة في الرواتب، وفي الوقت نفسه قابلته تساؤلات عدة حول كيف سيتم التعاطي الحكومي مع رفع مستوى المعيشة، وعلى الأخص أجور العاملين في المؤسسات العامة التي لم تعد تكفي لسد رمق ثلاثة أيام في الشهر.

إلا أن البيان الذي خرج به اجتماع “مجلس الوزراء” لم يتطرق إلى سيناريو محتمل للتعاطي مع تلك الملفات الهامة والحساسة وفقا لعضو “مجلس الشعب” زهير تيناوي، وهو ما أكد عليه في تصريحه لصحيفة “تشرين” المحلية يوم أمس الأربعاء، عندما قال إن المعطيات حول أي سيناريو محتمل للتعاطي مع تحسين معيشة المواطنين وزيادة الرواتب والأجور غير متوافرة حاليا، ربما لعدم وجود تلك السيناريوهات أصلا.

أما عن زيادة الرواتب، فبيّن تيناوي أن الحكومة لا تملك مصدر مالي حاليا لزيادة الأجور والرواتب، وأبدى تخوفه من أن يتم اللجوء إلى رفع أسعار حوامل الطاقة لتغذية زيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة، وهنا يدور تساؤل فيما إذا كانت الحكومة ستعوّل بالفعل على رفع سعر المازوت والكهرباء وغيرها من المواد الأساسية من أجل خلق مصدر مالي مستدام لتغذية زيادة الرواتب والأجور.

“زيادة من جيب المواطن”

في المقابل، لم يخفِ تيناوي قوله إنه عادة ما يتم اللجوء إما لرفع أسعار حوامل الطاقة، أو لرفع الضريبة في حال عدم وجود مصدر مالي لتغذية أي زيادة على الرواتب والأجور، وفي هذه الحالة، وخاصة عندما يتم رفع أسعار المشتقات النفطية حتى وإن كانت زيادة الأجور بنسبة 100 بالمئة فإنها لن تكون مجدية، أو ذات نفع بالنسبة للمواطنين، بمعنى آخر وكأن الزيادة لم تكن، لأنه سيجري إنفاقها كثمن للمواد التي رُفعت أسعارها.

هذا التكتيك ليس بعيدا عن الحكومة السورية، فهي لطالما قامت برفع أسعار حوامل الطاقة وفي المقابل لم تقم برفع قيمة الرواتب، وبالتالي إن أقدمت بالفعل في الفترة القادمة على خطوة زيادة الأجور، فإنها حتما ستقوم برفع أسعار الخدمات الأساسية الأخرى كالكهرباء ومازوت التدفئة وحتى المياه.

مطلع شهر شباط/فبراير الماضي تداولت حسابات وصفحات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا، إشاعاتٍ عن زيادة قريبة في رواتب موظفي القطاع العام تنوي الجهات الحكومية إقرارها، تتراوح نسبتها بين 200 إلى 500 بالمئة.

آنذاك صرح تيناوي، أنهم تطرقوا لموضوع زيادة الرواتب في جلسة حضرها وزير المالية كنان ياغي، الذي لفت إلى أن الأمر مرهون بواردات الخزينة، ومن دون تسجيل واردات مقبولة سيكون من الصعب زيادة الرواتب في الوقت الحالي، وفق ما نقلت صحيفة “البعث” المحلية حينها.

إلا أن الوزير لم يعطِ جوابا واضحا بالنفي أو الإيجاب، ولم يحدد نسبة متوقعة لزيادة الرواتب، أو وقتا معينا لحسم القرار في هذا الشأن، واكتفى بالإشارة إلى أن الحكومة بانتظار زيادة الواردات. ومن ثم في نيسان/أبريل الفائت وقبل عيد الفطر بأيام، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، مرسوما تشريعيا يقضي بصرف منحة مالية بقيمة 150 ألف ليرة سورية أي نحو 20 دولارا وفق سعر الصرف آنذاك، ولمرة واحدة للموظفين الحكوميين، الأمر الذي كان يؤشر إلى عدم وجود نيّة لزيادة الرواتب، وفق صفحة “رئاسة الجمهورية السورية” على منصة “فيسبوك”.

ضرورة زيادة الرواتب

العديد من المطالب تقدّم بها “مجلس الشعب” السوري، خلال السنوات القليلة الماضية إلى الحكومة السورية تتعلق بزيادة الرواتب والأجور في البلاد، كي تتناسب مع غلاء أسعار السلع والخدمات ووصول معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، وكان هناك مطالبات تتعلق برفع راتب الموظف الحكومي إلى 800 ألف ليرة سورية، لكن بالنظر إلى الواقع السوري، هل يملك “مجلس الشعب” السلطة لاقتراح هذه المطالب، وهل يتم ردم الفجوة بين الدخل والأسعار في حال تم رفع الراتب إلى 800 ألف.

سوق الحميدية في دمشق- “وسائل التواصل الاجتناعي”

في الحقيقة أن مشكلة تدهور الوضع المعيشي في سوريا، تتجاوز مشكلة مقدار ما يحصل عليه الموظف الحكومي أو غيره من السوريين العاملين حتى في القطاع الخاص، فحتى لو سلّمنا بقبول حكومة دمشق رفع الرواتب بنسبة معينة كما فعلت في عديد المناسبات سابقا، فإن هذه الزيادة ستتبعها بالتأكيد زيادة مماثلة في أسعار السلع والخدمات، وقد أكدت تقارير اقتصادية سابقة، أن جميع الزيادات التي أقرّتها دمشق سابقا لم تنعكس بشكل إيجابي على المستوى المعيشي للموظفين.

الحكومة في دمشق تبدو عاجزة عن السيطرة على الأزمات الاقتصادية المختلفة، ولو كان بيدها أدوات اقتصادية حقيقية، لحاولت الحفاظ على قيمة العملة المحلية من الانهيار، وبالتالي أوقفت الزيادات الخيالية في أسعار السلع والخدمات، التي لم يعد المواطن يتحمّلها، وكان هذا الخيار الأفضل من ترك الاقتصاد ينهار ومن ثم اللجوء إلى رفع الرواتب 20 و30 بالمئة.

زيادة الرواتب والأجور ما هي إلا “إبرة مخدر” تحقن بها الحكومة الشعب المسحوق، وتحاول من خلال هذه القرارات التغطية على عجزها بوقف انهيار القدرة الشرائية للعملة المحلية.

في الحقيقة فإن زيادة الرواتب لا تكلف الحكومة سوى طباعة المزيد من الورق وضخه بالأسواق، دون وجود قيمة حقيقة إنتاجية أو احتياطية لهذه الزيادة في العملة، الأمر الذي ينعكس بالطبع على نسب التضخم وبالتالي مزيد من ارتفاع الأسعار.

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجّلت في شهر تموز/يوليو لنفس العام، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

لكن بالنظر إلى أن الأسعار خلال الشهرين الماضيين ارتفعت بنسب كبيرة لتصل لأكثر من 50 بالمئة للعديد من المواد الغذائية سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها، فإن تكاليف المعيشة تضاعفت بطبيعة الحال، وبالتالي يعني أن الأسرة الواحدة في سوريا تحتاج لنحو 6 ملايين ليرة سورية، أي نحو 700 دولار شهريا حتى تستطيع أن تعيش حياتها بشكل طبيعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات