وسط الغلاء الجامح الذي يلتهم كل السلع في سوريا، خاصة منذ شهر رمضان الفائت وحتى اليوم، بالإضافة إلى انهيار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، بات كل فرد يعمل في القطاع الخاص يرفع أجور عمله، بما في ذلك أصحاب الميكروباصات “السرافيس” وسيارات الأجرة الخاصة “التكاسي”، بغية تماشي أجورهم مع ظروف المعيشة الخانقة في البلاد.

الليرة السورية غير مستقرة منذ العام الماضي، وخلال الآونة الأخيرة تراجعت بشكل مهول، حتى بات الدولار الواحد  يساوي  8815 ليرة سورية، وللأسف مع كل تراجع لليرة يرافقها ارتفاع في الأسعار ومنها المواصلات، خاصة وأن سائقي وسائل النقل، يضطرون للحصول على المواد النفطية عبر الحكومة، وذلك بأسعار مدعومة في محاولة من الحكومة خفض تكاليف التشغيل، لتقديم خدمات المواصلات بأقل سعر ممكن للمواطن، إلا أن أصحاب السيارات يؤكدون باستمرار أنهم لا يحصلون على كميات كافية لعملهم اليومي.

أزمة الوقود

لا تزال أزمة المواصلات أحد أبرز الأزمات في البلاد، حيث فرض “المكتب التنفيذي لقطاع النقل والاتصالات” في دمشق، تركيب جهاز تحديد الموقع “جي بي إس”، لمراقبة وضبط حركة وسائل النقل وعدم خروجهم عن خط السير المخصص لكل منطقة على حدى، وهو ما أدى في الحقيقة إلى خلق المزيد من الفوضى في تسعيرة المواصلات ونقص في عدد “السرافيس” على خطوط النقل.

أزمة مواصلات في دمشق- “وسائل التواصل الاجتماعي”

رئيس “دائرة حماية المستهلك” في محافظة السويداء أيمن أبو حمدان، أوضح لصحيفة “الوطن” المحلية اليوم الخميس، وصول شكاوى حول عدم التزام أصحاب آليات النقل بالإعلان عن الأجور، إضافة إلى تقاضي أجور زائدة على خطوط النقل، مشيرا إلى قيام الدائرة بتنظيم عشرات الضبوط التموينية بحق أصحاب “السرافيس”، بسبب تقاضي أجور زائدة، إضافة إلى عدم الإعلان عن التعرفة.

في حين، أكد أصحاب “السرافيس” والآليات العاملة على خطوط النقل في المحافظة أن عدم التزام الكثير منهم بتعرفة النقل المحددة من المديرية هي أنها تعرفة غير منطقية ومجحفة بحقهم، وسط هذا الغلاء.

كما تم تحديدها وربطها فقط بكمية المازوت المخصصة ولم تتم مراعاة تكاليف التشغيل الأخرى من زيوت واهتلاك إطارات وأعطال ميكانيكية والتي يتحمل جميعها السائق وتؤدي في أحيان كثيرة إلى الوقوع في خسارات متتالية، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى وجود تجاوزات من الكثير منهم، مشيرين إلى أنهم مواطنون يعيشون الظروف الاقتصادية الخانقة ذاتها التي يعيشها أي مواطن، ومن أبسط حقوقهم للاستمرارية في العمل توفير أقل المتطلبات المعيشية لأسرهم وأن يتم تحديد أجور تتناسب مع تكاليف التشغيل.

تقرير آخر لصحيفة “البعث” المحلية، يوم أمس الأربعاء، قال فيه إن محافظة دمشق تزيد من معاناة أهالي منطقة أشرفية صحنايا بمنعها الميكروباصات من الوصول إلى منطقة البرامكة، أوقات الذروة صباحا وبنهاية الدوام. 

الصحيفة تقول إن من يقف وراء هذا القرار لا يقوم بواجبه في خدمة الخط الذي يدّعي أنه يقوم بخدمته من خلال أربعين باصا، وفي الحقيقة لا تتعدى الباصات الموجودة عدد أصابع اليد الواحدة، والدليل حالة الازدحام الواضحة والدائمة في مختلف الأوقات. وبالتالي من الضروري إعادة النظر في هكذا قرارات من قبل الجهات الحكومية المسؤولة، ذلك لأن هذا الأمر يزيد من الأعباء المادية على كاهل المواطنين.

كما لا بد من وضع الجهات المعنية أمام مسؤولياتها، فالشركات المستثمرة تخدم مثلا خط أشرفية صحنايا بنحو 40 باصا حسب العقد، وهناك خطوط أخرى تخدم بعدد الباصات ذاته، في حين الشركة لا تمتلك هذا الأسطول من الباصات، أي أن وجودها على الكثير من الخطوط وهميّ، وهذا ما يستدعي التدقيق والمتابعة، فهناك فساد واضح.

ضرورة رفع الأجور

في المقابل، قال رئيس “نقابة عمال النقل في اتحاد عمال السويداء” سليم العربيد، إن التعرفة المحددة من الجهات المعنية في المحافظة غير منصفة وغير عادلة قولا واحدا، ويجب أن تكون الضعفين أو أكثر لأن ما يتم الحصول عليه من أجور لأي آلية لا يوازي المصاريف التي يتم إنفاقها من صاحبها.

العربيد أكد أن المشكلة الأساسية تكمن في ثبوت الرواتب وتدنيها أمام الارتفاعات المتلاحقة والجنونية لكل المواد والسلع وقطع الغيار وغيرها، الأمر الذي أدى إلى وقوع المواطن في عجز أمام أجور النقل التي لا تتوازى مع راتبه، إضافة إلى وقوع السائق كذلك بعجز لأن التعرفة المحددة لا تعطيه حقه.

هذا ويشتكي العديد من سائقي سيارات الأجرة والتاكسي من قلة مخصصات الوقود المخصصة لهم من قبل الحكومة، حيث لا تكفيهم لأكثر من يومين، وفي كثير من الأحيان لا يحصلون على مخصصاتهم الكاملة، وهو ما يدفعهم للشراء من السوق السوداء، وبالتالي يرفعون أجورهم، ويعتبرون هذا من حقهم الطبيعي، لأن الأوضاع المعيشية صعبة ويجب العمل لساعات طويلة في اليوم حتى يستطيعوا تأمين قوت يومهم.

لطالما عبّر السائقون عن استيائهم من الإجراءات الحكومية، نظرا لأن الكميات المخصصات قليلة جدا والجميع يضطرون في باقي الأيام لشراء البنزين من السوق السوداء، وهذا ما يخلق فوضى في تسعيرة السرافيس والنقل عموما، إلا أن المعنيين حتى اليوم لا يستطيعوا إيجاد حلول لهذه المشكلة.

قبل نحو يومين، قامت الحكومة السورية مرة أخرى برفع أسعار المحروقات للقطاعين العام والخاص، لتفاقم بذلك من مشاكل قطاع الصناعة بدلا من حلحلتها من خلال تقديم التسهيلات والإعفاءات والدعم لتحريك عجلة الإنتاج وجذب بعض رؤوس الأموال والاستثمارات وخفض تكاليف الإنتاج للصناعيين والتخفيف من كارثة الأسعار التي تتصاعد يوما بعد يوم، وبالتالي غير مستبعد أن ترتفع أسعار الوقود بشكل عام في سوريا خلال الفترة المقبلة.

أسعار المحروقات

الحكومة السورية عمدت مؤخرا،  إلى توفير المحروقات التي تُمنح بشكل دوري لسائقي وسائل النقل، في المقابل يشتكي السائقون من القرارات الحكومية التي تحاصرهم وتدفعهم ربما لترك المهنة، خاصة مع ارتفاع أسعار المواد النفطية في السوق السوداء إلى أرقام خيالية.

التضييق على سائقي وسائل النقل، يتم عبر العديد من الوسائل، أبرزها إجبار السائقين على تركيب أجهزة تحديد المواقع ودفع رسومها لمراقبة تحرك السيارات، وقد أكد عضو “المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات والتجارة” بمحافظة دمشق قيس رمضان، أنه سيجري تركيب أجهزة التتبع لسيارات الأجرة، خلال فترة شهر.

رمضان هدد في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية مؤخرا، من يمتنع عن تركيب أجهزة التّتبع من سائقي وسائل النقل، بحرمانه من كميات البنزين المخصصة له، موضحا أنه تجري دراسة الآلية المتّبعة للتزويد حسب المسافة التي تقطعها المركبة.

انتشار البنزين المهرّب في شوارع سوريا- “إنترنت”

سعر لتر المازوت في السوق السوداء بسوريا يزيد عن 10 آلاف ليرة والبنزين 12 ألف، ذلك ما يجعل اعتماد سائقي وسائل النقل على الشراء الحر للمحروقات أمرا مستحيلا، في وقت يحصل السائقون على المحروقات المدعومة للحكومة بأسعار 6800 و6600 للمازوت والبنزين على التوالي، لكن بكميات محدودة جدا.

هذا وتشهد دمشق بداية أزمة محروقات جديدة وتفاقما بأزمة ‏المواصلات العامة، حيث يتوقف سائقو وسائل النقل ‏لساعات أمام محطات الوقود، حيث أن مخصصات السيارات العمومية لا تكفي، ‏مما يجبر السائقين على شراء الوقود بالسعر الحر غير ‏المدعوم إن توفر أو الشراء من السوق السوداء، وبذلك ترتفع أجرة النقل ليكون المواطن هو الخاسر ‏الأكبر في هذه المعادلة، وفق تقارير محلية، مؤخرا.

منذ مدة طويلة وتزود إيران الحكومة السورية بالنفط، بعد أن انشغلت روسيا في غزوها لأوكرانيا، وهو ما أدى إلى تفاقم أزمة الوقود في البلاد بشكل كبير، وفي هذا الصدد كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن إيران أرسلت نحو 16 مليون برميل نفط إلى سوريا خلال الأشهر الستة الماضية، عبر ناقلات “شبح”، بلغت قيمتها نحو مليار دولار.

البنزين المهرّب يغرق الطرقات

في سوريا، البلد الغارق في الفساد والأزمات، يبدو أن العديد من الأعمال غير القانونية تحدث أمام أعين الحكومة دون أي رقابة أو محاسبة. ولعل أبرز هذه الأعمال هو بيع المحروقات وتحديدا مادة البنزين على البسطات في الطرقات العامة والشوارع الفرعية والأسواق، وحتى مؤخرا انتشرت بسطات بيع البنزين اللبناني المهرَّب علنا وبكثافة في طرقات العاصمة دمشق ولا سيما الرئيسية منها، بحيث باتت شبيهة بالأسواق الأخرى، وسط غضّ الطرف من قبل السلطات هناك.

هذا فضلا عن ضبط مئات المخالفات بحق أصحاب محطات الوقود، نتيجة فسادهم في عمليات بيع وتهريب المازوت والبنزين. تقرير سابق لصحيفة “تشرين” المحلية، نشر مؤخرا، قال فيه إنه ثمة بنزين مهرّب، كما يؤكد معظم السائقين، انتشر مؤخرا عبر عبوات بلاستيكية سعة 20 لترا مليئة بالبنزين الأخضر، وتُباع على أطراف بعض الطرقات من قِبل الشباب وأحيانا يتم البيع من قِبل الأطفال بسعر 200 ألف ليرة للعبوة الواحدة.

الصحيفة المحلية تقول إنها ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها مثل هذه الظاهرة، فكلما حصلت أزمة في المحروقات ينتشر بيع هذا البنزين، كما يؤكد أحد سائقي سيارات الأجرة، الذي تبيّن له من خلال خبرته كسائق، أن البنزين الأخضر غير مرغوب بتعبئته أثناء العمل على السيارة فهو يتطاير بسرعة شديدة، على عكس البنزين السوري الأصفر الذي يقطع فيه السائق كيلومترات أكثر بكثير من الأخضر.

مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي، عصفت بمناطق الحكومة السورية، أزمة محروقات حادة والتي اعتُبرت الأقسى منذ سنوات، حيث ارتفعت أجور النقل والمواصلات بشكل كبير، لدرجة أن تكاليف النقل للذهاب إلى العمل باتت متساوية لقيمة راتب الموظف الحكومي، وعلى إثرها نشطت السوق السوداء بشكل كبير حتى وصل سعر لتر البنزين إلى أكثر من 15 ألف ليرة سورية، لكنه تراجع مؤخرا إلى نحو 8 آلاف بعد أن خفّت الأزمة نسبيا، بعد تحسّن التوريدات وانتظام وصول كميات من النفط الخام إلى ميناء بانياس في الساحل السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات