وسط تفاقم الأزمات في سوريا، تعود الحكومة السورية مرة أخرى برفع أسعار المحروقات للقطاعين العام والخاص، لتفاقم بذلك من مشاكل قطاع الصناعة بدلا من حلحلتها من خلال تقديم التسهيلات والإعفاءات والدعم لتحريك عجلة الإنتاج وجذب بعض رؤوس الأموال والاستثمارات وخفض تكاليف الإنتاج للصناعيين والتخفيف من كارثة الأسعار التي تتصاعد يوما بعد يوم.

قرار الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية، “محروقات”، أثار الكثير من الانتقادات من قبل الصناعيين. فمن جهة إمكانية تسببه بمزيد من رفع الأسعار، ومن ناحية أخرى قد يتسبب في تراجع قطاع الصناعة.

قرار غير مدروس

نحو ذلك، تم تحديد سعر مبيع الطن الواحد من الفيول بـ 3.335 ملايين ليرة للقطاع الخاص، متضمنة أجور النقل، ومليوني ليرة للقطاع العام. من جانبه أوضح الصناعي محمد أيمن المولوي أن هذا القرار سيكون له تأثير مؤكد في التكاليف بالنسبة للمنتجات التي تحتاج إلى الفيول، لكن ما يهم الصناعيين هو توفر المادة كونها لم تكن متوفرة بصورة دائمة قبل هذا القرار، معتبرا أن السعر الجديد أصبح قريبا من الأسعار العالمية للفيول، حسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء.

رفع أسعار المحروقات على القطاعين العام والخاص بسوريا- “إنترنت”

المولوي أشار إلى أن نسبة ارتفاع الأسعار تحدد حسب طبيعة كل منتج والنسبة التي يشكلها الفيول من تكاليف هذا المنتج، بجانب وجود قصور كبير في القدرة الشرائية للمواطن، وركود في الأسواق نتيجة ذلك وحتى قبل صدور هذا القرار.

الصناعي أحمد عيسى، اعتبر بدوره أن الأسعار الجديدة مرتفعة جدا، إلا أنه مجبر على شراء الفيول بالسعر المحدد، واصفا القرار بـ”حكم القوي على الضعيف”، مشيرا إلى أنه بموجب القرار الجديد تم رفع سعر كيلو الفيول على الصناعيين بنسبة تقارب 134 بالمئة، حيث كان في السابق يُباع بـ 1420 ليرة، أما اليوم فقد أصبح بـ 3335 ليرة، وبناء على ذلك سيتم رفع أسعار المنتجات المصنّعة حسب التكاليف.

عيسى ضرب مثلا على ذلك فقال “أخبرني صاحب مصبغة بأن كل كيلو قماش يحتاج إلى 300 غرام فيول، وبالتالي ستكون زيادة الأسعار في الكيلو الواحد 666 ليرة”، منوّها إلى أن الصناعيين قد يتوقفون عن التصنيع بأي لحظة لأنهم يخشون من عدة أمور منها ارتفاع أسعار الكهرباء باعتبار أنها ترتبط بالمحروقات أيضا.

لذلك فإن هذا القرار الحكومي غير المدروس، بحجة أنه مواز لأسعار الطاقة العالمية، يُعتبر تخبطا حكوميا ومساهمة في زيادة الأسعار، دون رفع الرواتب والأجور بما يعادل ارتفاع الأسعار في البلاد. وقد انعكس في السابق قرار رفع أسعار المحروقات على الأسواق مباشرة، واليوم بعد هذا الرفع الأخير فإن الأسعار ستنتقل لمستوى آخر من الارتفاع.

التداعيات على الصناعة

في المقابل، يطالب الصناعيون والتّجار اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإزالة العوائق التي تشكل حجر عثرة في العمل الاقتصادي، وخاصة ما يتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج وانعكاسها السلبي المؤثر على المنافسة وجودة السلع والمنتجات، فالكل بات على يقين أنه لدوران عجلة الإنتاج بشكل أسرع، يجب التخلّص من الارتفاعات المرهقة لمدخلات الإنتاج في الصناعة، وإزالة كل التحديات المتعلقة بالاستيراد والتصدير والاستثمار، فضلا عن تخفيض الرسوم الجمركية.

نائب رئيس مجلس إدارة “غرفة صناعة دمشق وريفها” طلال قلعه جي، اعتبر أن ارتفاع الكلف الإنتاجية والمواد الأولية من المدخلات بات يسبب مشكلات لدى الصناعيين ويشكل عبئا كبيرا عليهم، خاصة وأنها رفعت من أسعار المنتجات بحدود 40 بالمئة عن الدول المجاورة، مما أضعف أغلب المنتجات بالتنافسية في الخارج، وفق تقرير آخر لصحيفة “البعث” المحلية نُشر مؤخرا.

كما انتقد التقرير الاقتصادي لـ”الاتحاد العام لنقابات العمال” بسوريا، الإجراءات التي تمّت في مسار إصلاح القطاع العام الصناعي، حيث لفت إلى أن الأزمة الحالية أضافت إلى المشكلات المتراكمة المزمنة التي يعاني منها هذا القطاع مشكلات أخرى، وهو الذي عانى وما زال من إهمال غير مبرّر خلال العقد الأخير نتيجة عدم الجدّية في إصلاحه، وعدم قناعة الحكومات المتعاقبة بضرورة وجدوى هذا الإصلاح، ولا حتى محاولات طرح بعض شركاته للاستثمار الخاص، لذلك لم تُفلح محاولات الإصلاح أمام الأبواب المغلقة للجهات المعنية ورفضها لسياسات التجديد والإبدال، ما أدخل الشركات التابعة لـ”وزارة الصناعة”، على وجه الخصوص، في نفق التعثر والخسارة.

هذا وتعد كلف الإنتاج المقياس الأول لحركة التصدير والحركة الاقتصادية بشكل عام، وهي عبارة عن بنود عدة شرحها الصناعي ياسر أكريّم لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا، وأضاف بالقول، تقع عوامل الطاقة في المركز الأول من كهرباء ووقود للتنقل وأي منتج طاقوي يدخل في عملية الإنتاج.

بالنظر إلى ما ذكره الصناعي السوري، فإن الحكومة وقراراتها غير المدروسة التي صدرت حديثا، شريكة في تراجع الإنتاج المحلي في سوريا، بل وخروجه من التنافسية مع الدول المجاورة، بعد أن كانت الصناعة السورية أحد أبرز المنتجات العربية ومن أكبر المنافسين في المنطقة.

الصناعيون يرون أنه في ظل هذه الظروف الصعبة، تعتبر الزيادة في تكاليف نواقل الطاقة من قبل الحكومة غير منطقية. وإذا كانت دمشق تحاول تعويض الخسائر الناجمة عن هذه الزيادات، فإن الأمر بات أكثر عبثية، ولا يهدف إلى خفض تكاليف الإنتاج على الصناعيين حتى يتمكنوا من الاستمرار في المنافسة والتصدير والإنتاج بأسعار تناسب الأسواق المحلية.

خسائر الصناعة السورية بمليارات الدولارات- “إنترنت”

كما ويعتقد الصناعيون أن أغلب شركات القطاع الصناعي التي تنشط في مناطق سيطرة دمشق، تجد نفسها في موقف لا تُحسد عليه بالنظر إلى تراكم المشاكل التي جعلت أعمالها في تراجع كبير، ووسط صعوبة توفير وغلاء إمدادات الوقود والكهرباء بشكل دوري.

خسائر الصناعة السورية

في السياق ذاته، فإن جميع هذه التحديات والصعوبات تؤدي إلى خسارة الصناعي، وأكبر دليل على ذلك وجود كثير من المعامل التي أغلقت أبوابها وخاصة في محافظتي دمشق وحلب، إضافة إلى موجة الهجرة إلى مصر وخاصة في عامي 2020 و2021، وفق تصريحات صحفية سابقة لعضو “غرفة صناعة دمشق وريفها” مهند دعدوش.

قطاع الصناعة في سوريا تكبد خسائر هائلة خلال السنوات الماضية، وفي هذا الإطار، كشف وزير الصناعة السوري السابق، زياد صباغ، في تصريحات سابقة أن الأضرار المباشرة وغير المباشرة تجاوزت قيمتها نحو 23.5 مليار دولار حتى نهاية عام 2019 للمنشآت الصناعية التي تقع داخل سيطرة الحكومة السورية. في حين يقول الخبراء إن الخسائر أكبر في الوقت الراهن، خاصة إذا ما تم احتساب باقي المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق.

المنشآت التي دُمرّت جرّاء الحرب السورية تجاوزت الـ 40 بالمئة من كامل منشآت القطاع العام، وبالنظر إلى انهيار الحكومة السورية اقتصاديا.

بالتالي فإنه حتما لا يمكن لها أن ترصد ميزانيات ضخمة لإعادة تأهيل هذه المنشآت، سيما وأنها تعتاش على حوالات المغتربين، فضلا عن ممارسة أعمال غير مشروعة، من تهريب للمخدرات، وفق ما وثقته العديد من الجهات الحقوقية.

إن رفع أسعار المحروقات على القطاعين العام والخاص سيؤثر حتما على العجلة الاقتصادية سلبا، وتحديدا على الأسواق من حيث رفع الأسعار، الأمر الذي سيعمّق الأزمات ويزيد من معاناة السوريين الذين بالكاد يعيشون يومهم دون التفكير بالغد، خاصة مع تهاوي سعر الصرف أمام النقد الأجنبي ومستوى الرواتب والأجور الذي ​​يتراوح ما بين 150 و 200 ألف ليرة سورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات