بعد فوزه بولاية جديدة وضمان خمس سنوات إضافية على كرسي الرئاسة، شكّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي فاز بفارق ضئيل على منافسه، مرشح تحالف المعارضة كمال كليجدار أوغلو، الحكومة الجديدة مساء يوم السبت الماضي، إذ لم يتبقَّ من الحكومة السابقة سوى وزيرا الصحة والسياحة، وسط توقعات بأن تقوم هذه الحكومة الجديدة ببعض التغييرات الطفيفة في بداية توليها لمنصبها.

خاصة على الصعيد الاقتصادي وتحديات السياسة الخارجية، حيث يبدو أن أردوغان تعمّد تعيين أسماء بارزة ولافتة من أجل كسب ثقة ودعم الشارع التركي، باعتبار أن فوزه بالانتخابات الرئاسية جاء بهامش ضئيل وهو ما يُعد مؤشرا على تراجع شعبيته وحالة الاستياء العامة من طريقة سير البلاد.

التشكيلة الوزارية الجديدة في حكومة أردوغان لا بد أنها تحمل العديد من الدلالات، إلى جانب أنها تثير تساؤلات عدّة حول التغييرات المنتظرة من الحكومة الجديدة، وفُرص تحسين الاقتصاد التركي بعد دخوله أزمة كبيرة، وإذا ما ثمة تغييرات في السياسة الخارجية لتركيا، خاصة بعد تعيين رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان وزيرا للخارجية.

لا تغييرات جذرية بتركيا

أردوغان، عيّن مجموعة من أعضاء حكومته المقبلة، برز منهم نائب رئيس الوزراء الأسبق، محمد شيمشك 56 عاما، الذي تولى حقيبة وزارة الخزانة والمالية، وجاء تشكيل الحكومة عقب أدائه اليمين رئيسا للبلاد لفترة ثالثة، يوم السبت الماضي.

صورة للحكومة التركية الجديدة في 3 حزيرلن/يونيو- “أ.ب”

أبرز الوجوه الجديدة في الحكومة الجديدة، هم هاكان فيدان في منصب وزير الخارجية، ويشار غولر وزيرا للدفاع، كما تم تسمية جودت يلماز نائبا لرئيس الجمهورية خلفا لفؤاد أقطاي. وأوضحت وكالة “الأناضول” للأنباء في سياق الإعلان عن الحكومة الجديدة، أن وزير الصحة، فخر الدين قوجة، والثقافة والسياحة، محمد نوري أرصوي، سيحافظان على منصبيهما في التشكيلة.

كما تم تعيين والي إسطنبول، علي يرلي قايا، وزيرا للداخلية، وعثمان أشقين باك، وزيرا للشباب والرياضة، وعمر بولات وزيرا للتجارة، وعبد القادر أورلا أوغلو وزيرا للنقل والبنى التحتية، وألب أرسلان بيرقدار وزيرا للطاقة والموارد الطبيعية، حسب الوكالة التركية.

الكاتب والباحث السياسي والمهتم بالشأن التركي، مصطفى صلاح، يقول إن تشكيل أردوغان لحكومة جديدة، خاصة على مستوى وزراء الخارجية والداخلية والمالية، يشير إلى مدى تمسكه بسياسته الجوهرية لإدارة دفة الحكم، ذلك لأن معظم الأسماء ليست جديدة وهم في الأصل من بين حكوماته السابقة.

وفق اعتقاد صلاح لموقع “الحل نت”، فإن هذه التغييرات في الحكومة حتى وإن كان أردوغان يحاول إظهار وبعث رسائل للداخل التركي والخارج، بأن ثمة تغييرات في سياسته وسيخلق نقلات نوعية داخل البلاد، إلا أنه لن يخرج عن الإطار النظري والخطابي، لأن أردوغان تعود على اتباع هذه الاستراتيجية في سياسته.

بالنظر إلى أن سياسة أردوغان كانت وراء تراجع دور تركيا على الصعيدين الداخلي والخارجي، فمنذ وصوله إلى السلطة قبل عقدين من الزمن، تشهد البلاد اضطرابات كبيرة. فخلال فترة وجيزة، دخلت البلاد لثلاث أزمات اقتصادية حادة، وتدهور قيمة الليرة التركية إلى مستويات تاريخية، وانتشرت قضايا فساد النخب السياسية بشكل غير مسبوق، حسبما يراه صلاح.

إلى جانب تبني أردوغان خلال فترة حكمه قيما قومية متشددة، ولا سيما تجاه المجتمع الكُردي، كما أدى إلى تدهور علاقات تركيا مع الدول الخارجية مثل مصر والسعودية والدول الغربية وتعزيز علاقاته مع دول مثل روسيا، وهو ما ولّد حالة من الاستياء لدى الأتراك، فضلا عن استغلاله للملف السوري وقضية اللاجئين السوريين بما أدى إلى تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية تجاه السوريين، بحسب صلاح.

بالرغم من أن أردوغان يسيطر على أهم وسائل الإعلام إضافة إلى أموال البلاد، إلا أنه واجه جولة الإعادة لأول مرة في حياته المهنية. وخسر حزب “العدالة والتنمية” الذي يترأسه مقاعد في البرلمان، رغم أنه حافظ على الأغلبية فيه، وفاز بهامش ضئيل، بعد انتقال الانتخابات الرئاسية لأول مرة في تاريخ البلاد إلى جولة ثانية.

بالتالي يستبعد صلاح حدوث تغييرات جذرية وتحولات نوعية لتركيا في ظل بقاء أردوغان على رأس الحكم لخمس سنوات إضافية، ويضيف “لو كان أردوغان جادا في رغبته في إحداث تغييرات في تركيا، لكان فعلها قبل نهاية فترة ولايته وليس بتلميع صورته بعد فوزه بفترة جديدة”، بالإضافة إلى أنه كان سيترك خيار الترشح لشخص آخر، على اعتبار أنه حكم البلاد لنحو 20 عاما ولم يحقق أيّا من الأهداف التي كان يوعد بها في خطاباته الدورية، طبقا لحديث صلاح.

بل على العكس، أدخل البلاد في أزمة اقتصادية حادة لم تشهدها تركيا على الإطلاق خلال العقود الماضية، إضافة إلى إضعاف علاقات أنقرة بدول “الاتحاد الأوروبي” وبعض الدول الأخرى، وسياستها المتشددة تجاه الحقوق والحريات والسياسيين والصحفيين، فضلا عن انتشار الجريمة والعنصرية فيها، حسبما يحلله صلاح.

الأزمة الاقتصادية

في المقابل، تولى محمد شيمشك وزارة المالية، بين عامي 2009 و2015، وكان نائبا لرئيس الوزراء مكلفا الاقتصاد، حتى 2018، وخلال تلك الفترة حظي بتقدير كبير من قبل المستثمرين. وقالت “رويترز” في هذا الصدد إن تعيينه قد يمثل خروجا على سنوات من السياسات الاقتصادية غير التقليدية لأردوغان، والتي تضمنت التمسك بأسعار فائدة منخفضة رغم ارتفاع التضخم، وسيطرة الدولة المشددة على الأسواق.

محمد شيمشك، وزير المالية الجديد-“رويترز”

شيمشك، وزير المالية التركي الجديد تعهد بالعودة إلى سياسات اقتصادية عقلانية بعد سنوات وضعت فيها الاستراتيجية غير التقليدية لأردوغان، فاقتصاد البلاد البالغ 900 مليار دولار تحت ضغط شديد، وتسببت في انهيار الليرة إلى مستويات قياسية، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز“.

خلال مراسم تولي المنصب، يوم أمس الأحد، قال محمد شيمشك، ليس هناك خيار أمام بلاده سوى العودة إلى أساس منطقي في السياسات الاقتصادية لضمان القدرة على التنبؤ بتبعاتها.

شيمشك أكد أن الهدف الرئيسي للحكومة الجديدة سيكون زيادة الرفاهية الاجتماعية، مضيفا ستكون الشفافية والاتساق والقدرة على التنبؤ والامتثال للأعراف الدولية مبادئنا الأساسية في تحقيق هذا الهدف.

في هذا الجانب، أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن المستثمرين والخبراء الاقتصاديين، يترقبون إلى أي مدى سيسمح أردوغان بتغيير السياسات الاقتصادية التي تبناها خلال السنوات الماضية بالبلاد.

كما أفادت وكالة “بلومبرغ” الأميركية، أن المستثمرين الأتراك يراهنون على أن عودة مصرفي “وول ستريت” السابق، في إشارة إلى شيمشك تنذر بالتحول إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية في البلاد، مشيرة إلى أن الخبراء الاستراتيجيين ما زالوا متشككين بشأن الآفاق الاقتصادية على المدى المتوسط، رغم أنهم يرون في تعيين شيمشك دفعةً جديدة للسوق.

بالعودة إلى صلاح، فإنه يرى أن اقتصاد البلاد لا يمكن حلّه عبر شخص شيمشك لوحده، فخطط ومسارات حل الأزمة الاقتصادية واضحة وقد قالها العديد من الخبراء في السابق، والمعضلة الأساسية تكمن في سياسة أردوغان والأخطاء التي ارتكبها في السابق من الجانب السياسي والاقتصادي معا، محيث قام بإضعاف علاقاته مع أقوى دول الإقليم والعالم، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

كما أن حل الأزمة الاقتصادية في البلاد يجب أن يتم أولا تقليل معدل التضخم في البلاد، عبر ضخ العملات الأجنبية في الأسواق وهو ما يشكك به العديد من الخبراء على قدرة تركيا في تنفيذ ذلك، نظرا لأن نسبة التصدير ليست بالمستوى المطلوب، وثانيا معدل الاستثمار الأجنبي لا يزال في حدوده الدنيا، وخاصة بظل استمرار علاقة تركيا بروسيا على حاله، وفق صلاح.

لذلك فإن المشاكل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي كانت قائمة في السابق ستبقى قائمة خلال فترة تمديد حكم أردوغان، وإن أحدثت تغييرات طفيفة في اقتصاد البلاد خلال الفترة المقبلة، من حيث مستوى التضخم وتحسين الليرة التركية، وكذلك إصدار قرارات تدل على أنها ستعمل على تحسين المستوى المعيشي للأتراك، إلا إنها ستكون ذات أثر محدد، وفق ما يشير إليه صلاح.

محللون قالوا إن تعيين شيمشك وزيرا للخزانة والمالية قد يمهّد الطريق لرفع أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة في تحول ملحوظ في سياسة أردوغان التي ينتهجها منذ وقت طويل والمتمثلة في خفض أسعار الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم. 

هذا وبلغ تضخم أسعار المستهلكين السنوي في تركيا أعلى مستوى له على الإطلاق في 24 عاما متجاوزا 85 بالمئة العام الماضي، ووصل إلى 44 بالمئة في نيسان/أبريل الماضي.

السياسة الخارجية

على مدى السنوات الماضية، وخاصة العقد الفائت، واجهت السياسة الخارجية التركية انتقادات داخلية وخارجية شديدة، بسبب الأزمات بين تركيا وجيرانها، والتي أدت بها إلى شبه عزلة حاول أردوغان تجنبها خلال الفترة التي سبقت الانتخابات واتباعه سياسة “صفر مشاكل” لكسب تأييد أصوات الشارع التركي.

يبدو أن أنقرة تُظهر حاليا توجها نحو خلق دور بارز في المنطقة عبر تحسين علاقاتها مع مصر ودول الخليج، كما تعمل على تطوير علاقاتها مع العراق، مع بدء تدشين خط التجارة الاستراتيجي من البصرة إلى تركيا، وما سيترتب عليه من إنشاء طرق برية وسكك حديدية، كما يجري العمل على مزيد من تعزيز الحضور التركي في القوقاز والبلقان.

اختيار إردوغان لوزيرَي الخارجية والدفاع. ففي المنصب الأول، تعيّنه لهاكان فيدان، وهو اختيار نظر إليه المراقبون على أنه موفّق كبداية، لا سيما مع خلفيات فيدان وتداخله في ملفات السياسة الخارجية لتركيا جميعها، من سوريا والعراق إلى ليبيا، وصولاً إلى الدوائر الأخرى في القوقاز والبلقان، وحتى في العلاقات مع الغرب و”حلف الشمال الأطلسي” (ناتو)، حيث أدى وظائف في الحكومة مستشارا، وعمل لفترة داخل “الناتو”، وانخرط في السنوات الأخيرة في القضايا الخارجية الحساسة جميعها بالنسبة لتركيا، وفق “الشرق الأوسط”.

جانب من زيارة إردوغان إلى ضريح أتاتورك بأنقرة في 3 حزيران/يونيو-“إ.ب.أ”

صلاح يرى أن تعيين فيدان لإدارة سياسة البلاد الخارجية، أمرٌ يبدو جيدا، ويتوقع أن تتجه أنقرة في تحسين علاقاتها مع دول المنطقة لا سيما مصر والسعودية، فضلا عن تنسيق العلاقات مع الدول الغربية، بحيث أن يتم خلق حالة من الهدوء وعدم غضب الغرب من أنقرة كما حدث في السابق، وخاصة من قبل واشنطن.

على الرغم من أن أردوغان سيحافظ على سياسته الخارجية ولا يمكن توقع تغييرات جمّة في استراتيجيته الخارجية، حتى مع تغيير وزراء الخارجية والداخلية والدفاع أيضا، لذا فإن رؤية أنقرة وتعاملها مع الخارج ستبقى بنسبة كبيرة على ما عليه وتحديدا مع الدول الغربية وروسيا، على حد قوله.

إجمالا، تعيين أردوغان أسماء جدد في حكومته الجديدة لا تعني بالضرورة إحداث تغييرات جذرية ونقلة نوعية لتركيا، فحصول تغييرات كبرى في السياسة الداخلية أو الخارجية يحتاج إلى تغييرٍ كامل في سلطة تركيا وليس استبدال الأشخاص داخل حكومات أردوغان السابقة فيما بينهم. وفوز أردوغان بولاية جديدة بنحو 52 بالمئة يشير إلى مدى تراجع شعبيته ورغبة الأتراك في التغيير وخلاصهم من الأزمات التي عانوا منها منذ أكثر من عقد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات